الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أزمة مالية

أزمة مالية
6 أغسطس 2009 23:55
يحمل أسفار الناس وبضائعهم في سيارته المخصصة لذلك، يشهد على تنقلهم من مكان لمكان آخر ومن مدينة لمدينة، رحلاته لا تقتصر على حمل الأمتعة، بل تتجاوز ذلك لحمل أسرار البيوت، جال ربوع مدينته وزواياها القصية، يسعى وراء رزقه ليل نهار، لا يتوانى في العمل فجراً أو في منتصف الليل، منذ وعيه الأول على الدنيا وهو يصارع الزمن لينتزع قوت يومه، لا يحتفظ بأموال ولا يكتنز الذهب، سعيدا جداً بما يحققه من زيادة في عدد رحلاته يومياً، هو نموذج فقط، وغيره كثير على مشارف الحياة، يعملون ساعات طوال غير محدودة بوقت الدوام الرسمي، أو مخططة للاستفادة من الراحة والنوم الوفير، يبدأون أيامهم منذ الساعات الأولى في الصباح وتمتد إلى غاية منتصف الليل، كل همهم توفير القوت اليومي فحسب، يؤثثون الساحات العامة الفسيحة، والأحياء الهامشية ويعيشون على هامش الحياة، لا تترتب أسماء العطل على أجنداتهم، ولم تتسطر أوقات الفراغ لديهم بعد، يعملون ليل نهار. سأل أحدهم سائق سيارة نقل البضائع البسيط: ما موقعكم من الأزمة المالية العالمية؟ وما تأثيرها عليكم؟ ضحك كثيراً، وقال: أية أزمة عالمية؟ لم أسمع بها أو بالأحرى لم أفهم أو أستوعب معانيها، لأني منذ ولدت وأنا في الأزمة المالية، ومنذ وعيت على الدنيا وأنا أصارع اليوم لانتزع من بين أنيابه لقمة عيشي، فالأزمة المالية لا تعني شيئاً بالنسبة لي وأمثالي، لأن ما كنت أقبضه بدل نقل أسفار وأمتعة لم يتغير، ولم تزد سومته، ومن يبيع سلعة بسيطة أو يعمل في ميدان خدماتي لا يعرف أبجديات ما قلت عنه أزمة مالية، لأنها مزمنة بالنسبة لنا، وأجزم أن الأزمة المالية هذه التي تحدثتم عنها موجودة بالنسبة لنا ولأمثالنا منذ مئات السنين، ولم يشعر بنا أحد، ولم يحاول أحد إجراء اللازم لفكنا من براثينها، ولم تتحرك القوى لمساعدتنا على احتوائها. إنسان بسيط انسدل كلامه وتحدث بإسهاب عن أزمة حار المختصون في تشخيص أسبابها ومرجعياتها وبحثوا كثيراً في طرق مناهضتها واحتوائها، تحدث دون مقدمات، شرح واقع الأزمة المالية التي صاحبته وأمثاله منذ صباهم الأول، وخلقت منهم طبقة من طبقتي المجتمع، طبقة غناها فاحش، وأخرى مسحوقة، ذابت معالم الطبقة الوسطى وتلاشت، ولم تعرف هذه الأزمة المالية طريقها للبسطاء لأنهم تعايشوا معها وعرفوا كيف يناهضونها من غير لجان ولا قرارات، كانت ولازالت منهم وعليهم، بينما تداعياتها بدت واضحة المعالم على التجار الكبار الذين أصابتهم أزمات نفسية وجلطات دماغية وهجرهم النوم إلى حين استرجاع الاقتصاد العالمي أنفاسه، وفي الطريق إلى ذلك فقد الناس حياتهم من خوفهم على أموال طائلة. لكبيرة التونسي lakbira.tounsi@admedia.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©