الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سيرورة الشعر (2)

سيرورة الشعر (2)
6 أغسطس 2009 00:13
لعل النموذج الأول الذى يطالعنا فى كتب المختارات الشعرية فى الطبقات وغيرها لسيرورة الشعر وقدرته على الذيوع والانتشار والبقاء، يتمثل فى أشعار بشار بن برد (ت 168هـ) الذى شهد نهاية العصر الأموى وعدة عقود وخلفاء من العصر العباسى. وقد بلغت هذه الأبيات السائرة – التى كانت تسمى عيونا – عنده عدة آلاف، يزعم بشار نفسه، كما يروى صاحب الأغانى – أنها اثنا عشر ألف بيت عين، وقد قيل له : هذا لم يكن يدعيه أحد قط سواك، فقال: لى اثنتا عشرة ألف قصيدة، لعنها الله ولعن قائلها إن لم يكن فى كل واحدة منها . بيت عين». وقد قال أبو حاتم لأبى عبيدة: أمروان (ابن أبى حفصة) عندك أشعر أم بشار؟ فقال: حكم بشار لنفسه بالاستظهار أنه قال ثلاثة عشر ألف بيت جيد، ولا يكون عدد الجيّد من شعر شعراء الجاهلية والإسلام هذا العدد، وما أحسبهم برزوا فى مثلها، ومروان أمدح للملوك». فإذا تركنا العدد جانبا، فليس لدينا ما يؤكده أو ينفيه، والتفتنا إلى دلائل هذه السيرورة وجدنا أن ما يحفظه المؤرخون وتحفل به كتب الأدب من أخباره وأشعاره يشير إلى درجة عالية من الذيوع والانتشار، إذ يقول نجم بن النطاح مثلا «عهدى بالبصرة وليس فيها غِزلٌ ولا غزلة، إلا يروى من شعر بشار، ولا نائحة ولا مغنية إلا تتكسب به، ولا ذو شرف إلا ويهابه ويخاف معرَّة لسانه». فشعره إذن كان يملأ أسماع المدينة الزاهرة فى الأفراح والأتراح، فى العشق والهجاء، فى مجالس الجدّ وملاهى الغناء، وأغلب الظن أن البصرة لم تكن وحدها هى الشغوفة بشعر بشار، بل شاركتها بقية الأمصار والأقطار. يروى الأصمعى أن أبا عمرو بن العلاء لقى بعض الرواة، فقالوا يا أبا عمرو، من أبدع الناس بيتا، قال الذى يقول: لم يطل ليلى ولكن لم أنم ونفى عنى الكرى طيفٌ ألـمّ روّحى عنى قليلا واعلمى أننــى يا عبـــد من لحــــم ودم ثم يذكر مثله فى المدح والهجاء، وإن كان يحلو لنا أن نتغنى ببقية الأبيات: وإذا قلت لها جــــودى لنا خرجت بالصمت عن لا ونعمْ إن فى بردَىّ جسمانا حلا لــو توكـــــــأت عليــــه لا نهــــــــــدم ختم الحب لها فى عنقى موضع الخاتم من أهل الذممْ والطريف أن بشار كان يعلم أثر هذه الشهرة، ويستغل سيرورة شعره فى تهديد خصومه، فقد روى مثلا أنه كان بالبصرة رجل يقال له حمدان الخاطر، فاتخذ جامًا (كأسًا أو إناء من فضة) لإنسان كان بشار عنده، فسأله بشار أن يتخذ له جاما فيه صور طير تطير، فاتخذه له وجاء به، فقال له: ما فى هذا الجام؟ فقال: صور طير تطير، فقال له: قد كان ينبغى أن تتخذ فوق هذا الطير طائرا من الجوارح كأنه يريد صيدها فإنه كان أحسن. قال: لم أعلم، قال بشار: بلى قد علمت ولكنك حسبتنى أعمى لا أدرك شيئا، وتهدده بالهجاء، فقال لحمدان: لا تفعل فإنك تندم، قال: أى شىء تستطيع أن تصنع بى إن هجرتك؟ قال: أصورك على باب دارى بصورتك هذه، وأجعل من خلفك قردا ينكحك حتى يراك الصادر والوارد، قال بشار: اللهم اخزه، أنا أمازحه وهو يأبى إلا الجد» ولعل هذه الرواية أن تجسد لنا أهمية فن الرسم والتصوير فى هذه المرحلة على عكس ما يظن الناس، وحمدان المصور يشير إلى بيت قيل فى هجاء بشار: ويا أقبح من قرد إذا ما عمى القرد وشاعرنا الذى اشتهر بأنه شاعر الصورة الشعرية ، يتبين أن مخيلته كانت قادرة أيضا على تمثل الصور الفنية التشكيلية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©