السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شاعر من الجنس العاري

شاعر من الجنس العاري
6 أغسطس 2009 00:11
د. محمد لطفي اليوسفي «كان ظلّه، كان ظلّ جسده يمتدّ قدّامه مثل صليب مُخْزٍ/ هِيَ ذِي، هِيَ ذِي الروح تنتفض ضدّ جسدها/ روحٌ تواجه اللعنةَ الأبدية بالنحيبْ.» هكذا حدّث الشاعر التونسي المولد الإيطالي الجنسية الفرنسي اللسان ماريو سكاليزي عن نفسه. ولد سكاليزي في السادس من شباط سنة 1892 بتونس، ومنذ نعومة أظفاره تلقّفته الرزايا والمحن. أصيب بداء التواء العمود الفقري قبل أن يتجاوز سن الخامسة. وقضى ما تبقّى من عمره يعاني من تشوّه شكله ووهن جسده. عاش على وعي مأسوي عنيف بأن الأقدار حكمت عليه بأن يجرجر جسده الأحدب الملتوي كالصليب حتى القبر. تتحدّر أمّ ماريو سكاليزي من أسرة مالطية من أصل إيطالي. أما أبوه فهو إيطالي خالص. وقد وصلا تونس خلسة هربا من العدالة الإيطالية. كان قدومهما إلى تونس في نطاق هجرة البروليتاريا المدقعة من جنوب إيطاليا باتجاه أفريقيا بحثا عن العمل في موطن بديل. ومثلما يفعل المهاجرون عادة تجمّع الإيطاليون داخل أحياء مغلقة تقريبا كثيرا ما أطلقوا عليها اسم صقلية الصغرى. وقد تغلغلت هذه الفئة من المهاجرين بين التونسيين تقاسمهم ظروف الحياة البائسة ذاتها، والمعاناة نفسها. أمضى سكاليزي طفولته في قلب الجالية الإيطالية. وهي جالية متكونة من مجموعة من المعدمين الذين رست بهم سفن إيطالية في موانئ تونس في الربع الأخير من القرن التاسع عشر. ولشدّة فقرهم وفاقتهم سماهم المؤرخ الإيطالي نولو بازوتي Nullo Pasotti «الجنس العاري» le nude braccia. ولما كان سكاليزي متحدّرا من هذا «الجنس العاري» فقد اضطر أن يكسب رزقه بنفسه في سن مبكرة. فاشتغل محاسبا في العديد من المتاجر بتونس. ولم يكن وضعه ليعرف الاستقرار أبدا، حتى أنه لم يكن دائما يجد ما به يسد رمقه. لم يلتحق بالمدرسة إلا لماما. فلم يدم بقاؤه في المدرسة الفرنسية إلا قليلا. واضطرّ إلى أن يعلم نفسه بنفسه. وفيما كان يتمرّس بالشعر والقصائد تنقاد إليه كان سخطه يزداد كلما تلفّت إلى بؤسه الخاص وبؤس الناس من حوله. لذلك ظل الموضوع القار في كتابات ماريو سكاليزي التعبير عن الأسى والجهد والبؤس وانعدام العدالة والاستنهاض للثورة والتمرّد. عديدة هي القصائد التي تختفي منها نبرة التأسّي والنوح على الذات فتصبح الكتابة عبارة عن تمجيد للحياة وإعلاء للحياة واحتفاء بالشعب باعتباره حامل جذوة النار المقدسة التي ستهدم عالم الطغاة والمستبدّين وتثأر للكرامة البشرية المنتهكة. هذا التوجّه الثوري هو الذي جعل ماريو سكاليزي يتعامل مع مأساته الذاتية باعتبارها جزءا من مأساة المقهورين والمضطهدين. وتعد «ملحمة الفقير» أبرز قصيدة مطولة متكونة من 36 مقطوعة أنشدها سكاليزي للعمّال والمضطهدين الذين كانوا يكوّنون وسطه التونسي-الإيطالي. يقول في فاتحتها: «في حين ينتشي الثراء بعماء،/ أحييك، يا نهر العرق المهيب،/ باسم الأمل والمنتقمين القادمين،/ باسم الراضخين الذين يضنيهم العمل العبثيّ.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©