الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

علم البيان (12)

12 يونيو 2016 00:06
وفي باب «مخالفة اللفظ معناه» يتطرق ابن قتيبة إلى كثير من المسائل الاصطلاحية والنكات البلاغية التي أفاد منها البلاغيون في القرون التالية، ومنها الدعاء على جهة الذي لا يراد به الوقوع، كقول الله عز وجل: (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ)، «سورة الذاريات: الآية 10»، والخراصون هم القوم الذين يتخرصون الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمعنى لعن المكذبون بهذا الدين، الكذابون المفترون، وحقيقة ذلك: أن كل قول مقول من ظن وتخمين يقال: خرص، كفعل الخارص في خرصه، وكل من قال قولاً على هذا النحو قد يسمى كاذباً. ويقول الله تعالى: (قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ)، «سورة عبس: الآية 17»، وقال تعالى: (قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ). وقد يراد بهذا التعجب من إصابة الرجل في منطقة أو في شعره أو في رميه، فيقال قاتله الله ما أحسن ما قال! وأخزاه الله ما أشعره ولله دره ما أحسن ما احتاج به، ومن هذا قول أمرئ القيس في وصف رامٍ أصاب: فَهْوَ لاَ تَنْمى رَمِيّتُهُ مَا لَهُ لاَ عُدَّ مِنْ نَفَرهْ وانميت الصيد فنمى ينمي، وذلك ترميه فتصيبه ويذهب عنك فيموت بعدما يغيب. يقول: إذا عد نفره، أي قومه لم يعد معهم، كأنه قال: قاتله الله. ومن ذلك الجزاء عن الفعل بمثل لفظه والمعنيان مختلفان، نحو قوله تعالى: (... إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ...)، «سورة البقرة: الآيات 14 - 15»، أي يجازيهم جزاء الاستهزاء. وكذلك سخر الله منهم (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ...)، «سورة آل عمران: الآية 54»، و(... جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا...)، «سورة يونس: الآية 27»، هي من المبتدئ، سيئة، ومن الله عز وجل جزاء، وقوله تعالى: (... فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى...)، «سورة البقرة: الآية 194»، فالعدوان الأول ظلم، والثاني جزاء، والجزاء لا يكون ظلماً، إن كان لفظه كلفظ الأول. ومنه يأتي الكلام على مذهب الاستفهام وهو «تقرير» كقوله سبحانه وتعالى: (... أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ...). «سورة المائدة: الآية 116». ومنه أن يأتي على مذهب الاستفهام وهو «توبيخ» كقوله تعالى: (أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ)، «سورة الشعراء: الآية 165»، ومنه أن يأتي على لفظ الأمر وهو «تأديب» كقوله تعالى (... وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ...)، «سورة الطلاق: الآية 2»، وقوله تعالى (... وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ...)، «سورة النساء: الآية 34»، ومنه أن يأتي الكلام على لفظ الأمر وهو «تهديد» كقوله تعالى: (... اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ...)، «سورة فصلت: الآية 40». وعلى لفظ الأمر وهو «إباحة» كقول الله تعالى: (... فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا...)، «سورة النور: الآية 33»، وقوله: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ...)، «سورة الجمعة: الآية 10». ويأتي الأسلوب على لفظ الأمر وهو «فرض» كقوله: «... وَاتَّقُوا اللَّهَ...» و«وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ» و«وَآتُوا الزَّكَاةَ». ومنه أن يأتي المفعول به على لفظ الفاعل كقوله سبحانه: «... لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ....»، «سورة هود: الآية 43»، أي لا معصوم من أمره، وقوله: (... فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ) أي مرضى بها، وقوله: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا...)، «سورة العنكبوت: الآية 6»، أي مأموناً فيه، والعرب تقول ليل نائم وسر كاتم. ومنه أن يأتي الفاعل على لفظ المفعول به وهو قليل كقوله سبحانه وتعالى: (... إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا)، «سورة مريم: الآية 61» أي آتياً وهذا الأسلوب «المشاركة» عند البلاغيين، ومعناها عندهم التعبير عن المعنى يلفظ غيره لوقوعه في صحبة ذلك الغير، وغير ذلك مما أفردت له البلاغة باباً من أبوابها هو المجاز العقلي. * المرجع البيان العربي - دراسة في تطور الفكرة البلاغية عند العرب ومناهجها ومصادرها الكبرى - تأليف الدكتور بدوي طبانه طبعة منقحة 1972م. إياد الفاتح - أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©