السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

محمد جابر الأنصاري.. نبش الذات الأصيلة

محمد جابر الأنصاري.. نبش الذات الأصيلة
11 يونيو 2016 23:19
إيمان محمد (أبوظبي) يرتكز الطرح الفكري للمفكر محمد جابر الأنصاري على الإحياء التوفيقي بين التراث والمعاصرة، والتي تعود بجذورها إلى التوفيقية الإسلامية القديمة بين الدين والعقل، ومختلف المؤثرات الحياتية المعاصرة، والتي تقبلتها الحضارة العربية الإسلامية في بداية تكونها، مستعيداً بذلك الثقة في روح الحضارة العربية بعراقتها وأصالة تكونها، نابشاً بذلك الذات الأصيلة. في كتابه «تحولات الفكر والسياسة في الشرق العربي» كان الأنصاري أول من يرصد جذور هذه الظاهرة التي تراجعت مع انهيار الخلافة الإسلامية، إذ عادت الظاهرة إلى البروز من جديد في ثلاثينيات القرن الماضي، وليس فيما عرف بـ «فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى»، والتي أدت إلى حركات استقلال في العديد من الدول العربية، فالأنصاري يرى أن «التوفيقية» أحيت نفسها قبل ذلك في مقابل التحولات العميقة التي أحدثها تباعد التياران السلفي والعلماني بين 1920-1930، وكادا أن يؤديا إلى تصدع كيان الأمة وبنيانها. محاولة الأنصاري، المولود في البحرين عام 1939، للعودة إلى الذات تكشف أن النزعة التوفيقية تفرض نفسها عندما يتعرض المجتمع إلى العنف الاجتماعي والتشظي بين التراث ومحاكاة الغرب، مضيفاً بذلك بعداً حضارياً إلى الأبحاث التنويرية التوعوية في الربع الأخير من القرن العشرين، إذ يحلل الجوانب الإنسانية والمحطات التاريخية والمنعطفات التي أفرزت الحركات الفكرية والثقافية والاجتماعية والسياسية التي تركت أثرها على بنية المجتمعات العربية. وفي معظم دراساته وكتبه يظهر تأثير ابن خلدون في فكر الأنصاري بوضوح، لاسيما في مؤلفه «لقاء التاريخ بالعصر، دعوة لبذر الخلدونية بأبعادها المعاصرة في وعي الشعب تأسيساً لثقافة العقل»، والذي يعكس قناعات الأنصاري العميقة بالأفكار التي بلورها عالم الاجتماع الأول قبل أكثر من ستة قرون، فهو يفصح أن رؤية ابن خلدون لسوسيولوجيا السياسة العربية لا تزال مترسبة بقوة إلى يومنا هذا رغم قشور الحداثة، حسب ما يرد في أحد مقالاته. ويرى الدكتور عبد الله المدني أن للأنصاري مشروعين فكريين وليس مشروعاً واحداً، الأول حمل اسم «مشروع نقد الفكر العربي» الذي تجسد في ثلاثة مؤلفات من مؤلفاته العشرين، وهي: «تحولات الفكر والسياسة في المشرق العربي»، و«مساءلة الهزيمة: جديد الفكر العربي بين صدمة 1967 ومنعطف الألفية» و«الفكر العربي وصراع الأضداد». أما المشروع الثاني فقد أطلق عليه اسم «نقد الواقع العربي»، وهو المشروع الذي أثمر عن ظهور ثلاثة كتب أخرى هي: «تكوين العرب السياسي ومغزى الدولة القطرية» و«التأزم السياسي عند العرب وسوسيولوجيا الإسلام، لماذا يخشى الإسلاميون علم الاجتماع؟» و«العرب والسياسة أين الخلل؟ جذر العطل العميق». ومن كتابه «مساءلة الهزيمة» ننقل التالي:«العقل العربي يتعرض لحصار الوعي الذاتي الملتبس برغم المعلوماتية الهائلة المتدفقة، وإلى حصار أصولي هو أقسى أنواع الحصار لأنه إرهاب ذاتي داخلي، فالصحوة الإسلامية، أو المرجو أن تكون صحوة، جعلت العقل الإسلامي ماضوياً معادياً للعقل منشغلاً بمذهبيات وفتن تاريخية، وكأنه لم يعد العقل الذي قدم عبقرية عمر السياسية وعبقرية جعفر الصادق الفقهية والفلاسفة العظام مثل الكندي وابن سينا وابن رشد، وأصبح الفلاسفة هؤلاء موضع اتهام وتهجم وامتد التجريم إلى المعتزلة والمصلحين والمفكرين مثل جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وعبدالرحمن الكواكبي وعباس محمود العقاد». أما الكاتب محمد نعمان جلال فيرى أن الأنصاري يعتبر الثقافة الدينية والتاريخ السياسي والحضاري للبشرية هما أساس ومرجعية الإنسان، فقد حلل في كتابه «رؤية قرآنية للمتغيرات الدولية وشواغل الفكر بين الإسلام والعصر» هذه القضية بعمق ودقة، حيث أكّد أن التطور والتقدم من مسؤولية البشر وفقاً لقوانين عدة، أهمها النقد الذاتي والتبصير والإدراك. وفي شرحه لمفهوم الدولة المدنية يركز الأنصاري أنها تعبر عن «حضارة الأصوات المتعددة»، أما الدولة الدينية، خصوصاً والعقائدية عموماً، فتعبر عن «حضارة الصوت الواحد»، وهذا يؤدي للديكتاتورية والملك العضوض، كما وصف الفقهاء حكم الدولة الأموية الذي جاء بعد انتهاء عصر الخلفاء الراشدين الأربعة. كما أن التفاعل في الدولة المدنية يكون بين السياسي والمفكر (المثقف)، بينما تعبر الدولة الدينية عن سيطرة السياسي على المثقف، وخضوع المثقف وثقافته للسياسي، في ظاهرة أسماها«انتحار المثقفين»، وهو انتحار أدبي معنوي. ويظهر مفهوم التعدد في السياسة والدين والثقافة والاقتصاد والفكر في الدولة المدنية وثيق الصلة بمفهوم الحرية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©