السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جنوب السودان.. معضلتا الشباب والسلاح

جنوب السودان.. معضلتا الشباب والسلاح
21 مارس 2014 23:19
عندما ترك «جابريال مابيور» جيش جنوب السودان فإنه فعل ذلك للسبب ذاته الذي دفعه للالتحاق به في المرة الأولى وهو الحصول على تعليم، فقد انضم أول مرة إلى الجيش كطفل في عام 1987 بعدما حصل على وعد بأن القتال سيمهد له الطريق لولوج المدرسة، لكن وعلى غرار الآلاف من الأطفال الآخرين الذين جُندوا في الجيش الشعبي لتحرير السودان انتهى به الأمر بعيداً عن مقاعد الدراسة التي حلم بها وانتهى جندياً يواجه الحكومة في جبهات القتال، وبعد مرور كل هذه السنوات يشعر «مابيور» بصوته المتأني وموقعه الحالي كرجل أعمال بالفخر لمساهمته في «حرب التحرير» التي أفضت إلى استقلال جنوب السودان في عام 2011 وظهور دولة جديدة ناضل من أجلها جنوب السودانيين طويلاً. وبعد الحرية ومغادرة الجيش تمكن «مابيور» من تحقيق حلمه القديم بالانضمام إلى المدرسة والحصول على شهادة جامعية كانت السبب الرئيس لخوضه الحرب منذ البداية، وهو أيضاً الحلم الذي ما كان ممكناً في ظل النظام السوداني بالخرطوم، بيد أن بلوغ حلمه الشخصي ونجاحه في الحياة لم يمنع «مابيور»، الذي يعيش حالياً في العاصمة جوبا من التعبير عن إحباطه وخيبة أمله من الاضطرابات التي تعيشها جنوب السودان والاقتتال الذي يخوضه الشباب بدل الاستفادة من حالة السلم والحرية التي أعقبت نشوء دولة جنوب السودان، بحيث يبدو أن آمال الاستقلال ووعود الازدهار والتطوير تراجعت أمام صوت المعارك الدائرة حالياً بين فصائل الجيش المتصارعة. وعن هذا الوضع الصعب يقول مابيور «أتساءل عما نتقاتل من أجله اليوم، فهذا وقت يتعين على الشباب أن يستغله لكي يعيش بسلام ويحقق ذاته، إنه أيضاً وقت التحصيل العلمي والدراسة وليس حمل السلاح». لكن جنوب السودان تدخل شهرها الرابع من المعارك، التي تدور بين فصائل من الجيش موالية للرئيس سيلفا كير وبين قوات التمرد التابعة لغريمه «رياك مشار»، تلك المعارك التي أدت إلى إحراق وتدمير بلدات بأكملها وارتكاب فظاعات تُذكر بالحرب مع الشمال. والحقيقة أن القلق الذي ينتاب «مابيور» وخيبة الأمل التي يشعر بها تمتد إلى الملايين من المواطنين في جنوب السودان كما تعكسها الدول المانحة التي ضخت مليارات الدولارات في الدولة الوليدة خلال السنوات الأخيرة لمساعدتها على الانطلاق ونفض غبار الحرب. والسؤال الذي يتوق الجميع لمعرفة جوابه هو لماذا بعد سنوات من الحرب والمعارك الشرسة التي قتلت الملايين من الناس ما زال البعض مستعداً لحمل السلاح والضغط على الزناد وكأن الناس التي اكتوت بنار الحرب لم تتعظ ولم تمل من القتال؟ وفي حين ترجع الأسباب الظاهرة للمعارك الأخيرة إلى التنافر الواضح بين سيلفا كير ورياك مشار والتناقض في التطلعات السياسية التي أشعلت فتيل المواجهات، تترسب في العمق أسباب أخرى مرتبطة بالثقافة المجتمعية السائدة التي تعلي من قيمة السلاح والقتال في هذا الجزء القصي من أفريقيا الشرقية. فالأطفال الذين ينشؤون في جنوب السودان مثل «مابيور» نفسه، وبخاصة في المناطق الريفية، لايجدون أمامهم من خيارات عدا الانضمام للمجوعات المسلحة وحيازة قطعة من السلاح لما يمثلانه معاً من رمز للقوة، وما يمنحانه من شعور بالهوية وفرصة لإثبات الرجولة ذات القيمة الكبرى في المجتمع القبلي. ومع أن الشباب يشاهدون الآخرين يسقطون صرعى في المعارك وعلى جبهات القتال، إلا أنه في هذه المنطقة الصعبة من أفريقيا تتضافر مجموعة من العوامل مثل طبيعة العلاقات الاقتصادية وضغط الأقران والحاجة أحياناً للدفاع عن القرية والعائلة لتساهم في تكريس ثقافة الحرب، ولتدفع الشباب لحمل السلاح والانخراط في النزاعات باعتبارها أموراً طبيعية، ويزيد من تعزيز هذه الثقافة الرواتب التي يدفعها الجيش والجماعات المسلحة الأخرى في بلد لا توفر العديد من الوظائف. وفي المناطق الريفية بالخصوص يوفر الجيش شبكة من المنافع الريعية التي تمنح النفوذ والامتيازات للملتحقين بها، لكن الأمر لا يقتصر على الامتيازات المادية، أو الراتب الذي يضمنه الجيش والجماعات المسلحة، بل يمتد إلى الإغراء الذي يمارسه الجيش على الشباب، فهم قد يظلون شهوراً عدة دون راتب ومع ذلك ينظرون إلى القوات المسلحة بإجلال وتقدير كبيرين، وهو ما أكدته «سام روزمارين» من منظمة «أوكسفام» للإغاثة الإنسانية العاملة في جنوب السودان قائلة «يبدو أن الجيش يخترق بطريقة أو بأخرى روح الشباب ويمس وجدانه»، ثم هناك الشعور بالفخر المرتبط لدى الشباب بالانخراط في صفوف الجيش الشعبي لتحرير السودان لإسهامه الكبير في انتزاع الاستقلال. يضاف إلى ذلك أن الشباب لم يستوعب بعد فوائد السلام، ولا الإمكانات التي تنفتح أمامهم بعيداً عن السلاح والمشاركة في المعارك، لا سيما في ظل التوتر القبلي والصراع بين الفصائل المختلفة، هذا الأمر يوضحه «دانيال ماجوك» من عرقية الدينكا، قائلًا «حتى إذا طلبت منا الحكومة إلقاء السلاح، فإن الأمر سيكون صعباً، فمن يحمينا من القبائل المنافسة التي ربما لن تستجيب لطلب الحكومة». وبدلاً من الالتزام بتعليمات الحكومة التي يفترض أنها تجسد الانضباط وتحرص عليه، يرى أغلب السكان في جنوب السودان أن الجيش وحتى المليشيات الخارجة عنه هم من يمثلون الانضباط، خاصة أن تلك الميلشيات تروج لنفسها بأنها حامية القبيلة، أو المجموعة العرقية، هذه الحماية تمتد أيضاً إلى قطيع الماشية مع ما لهذا الأمر من خصوصية في المجتمعات الرعوية بجنوب السودان، فالرمزية المرتبطة بقطعان الماشية ومركزيتها الاجتماعية والثقافية راسخة في حياة جنوب السودانيين، ويكفي الإشارة إلى أنها رمز للسلطة والنجاح، كما أنها الوسيلة للتقدم للزواج ودليل على المكانة الاجتماعية، لذا ليس غريباً أن تهاجم القبائل قطعان الماشية وتسعى للسيطرة عليها. وبالرجوع إلى «مابيور»، فإنه لا يخفي حسرته على ما آلت إليه الأوضاع في جنوب السودان وانخراط الشباب في صراع لا أفق له، قائلاً: «لقد أنهيت دراستي الجامعية في جنوب السودان وهو ما كان الهدف الأساسي الذي دفعني لحمل السلاح، وأرجو اليوم أن يدرك الشباب أهمية الحياة المدنية وما تتيحه من فرص الأجدر بهم أن ينهمكوا في تحقيقها بدل الاقتتال الذي لا طائل منه». ‎جيسون باتينكي جوبا ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©