الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جوار تايلاند... دروس في الديمقراطية

2 مايو 2010 22:52
يعد جنوب شرق آسيا منطقة محبِطة من العالم بالنسبة لمن يأمل في العيش في بلد ديمقراطي، مثلما توضح ذلك بجلاء الاحتجاجات العنيفة الدائرة في بانكوك هذه الأيام. ولكن حين يلقي المرء نظرة أقرب على جيران تايلاند، ربما سيتساءل: لماذا لا يُقدِّر التايلانديون ما ينعمون به؟ فغرب تايلاند تقع بورما، التي كانت آخر مرة تجري فيها انتخابات ديمقراطية في سنة 1990. حينها، حقق حزب "أونج سان سوكي" المعارض "الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية" فوزاً كاسحاً، ولكن الحكومة العسكرية الحاكمة رفضت قبول النتائج، وفرضت بدلا من ذلك الإقامة الجبرية على "سوكي" في منزلها. وفي العام التالي، فازت تلك المرأة بجائزة نوبل للسلام، ولكن ذلك لم يغير من واقع الحال شيئاً نظراً لأنها ما زالت رهن الإقامة الجبرية. وفي هذه الأثناء، يعتزم المجلس العسكري الحاكم إجراء انتخابات جديدة هذا الخريف، ولكنه أصدر مؤخراً قوانين صُممت على نحو لا يسمح للمعارضة "أونج سان سوكي" بالمشاركة، الأمر الذي دفع قيادة حزبها الشهر الماضي إلى الإعلان عن مقاطعته لهذه الانتخابات. وغني عن البيان القول إن الجميع في بورما أو خارجها ينظر إلى هذه الانتخابات باعتبارها تمثيلية مكشوفة، لا أكثر. وفي شمال تايلاند تقع لاوس، وهي دولة صغيرة مغلقة فقيرة حيث الأعلام التي تحمل صور المطرقة والمنجل ما زالت ترفرف فوق المباني الحكومية، فيما يبدو ربما كآخر مكان على وجه البسيطة ما زالت هذه الأعلام ترفرف فيه. وفي خطاب ألقي في وقت سابق من هذا العام، قال الرئيس "شومالي ساياسون" إن "النظرية الماركسية اللينينية عملية ومناسبة بالنسبة للوضع الحالي في لاوس". يذكر أن آخر مرة أجرت فيها لاوس انتخابات كانت في 1955، ولكن الحكومة الائتلافية انهارت في 1958، ولم تعش البلاد أية تجربة قريبة من الديمقراطية منذ ذلك التاريخ. وعلاوة على ذلك، فإن نصف أطفال البلاد يعانون من حالات حادة من سوء التغذية إلى درجة أنهم تقزموا، بمعنى أنهم لا ينمون، سواء جسمانيّاً أو عقليّاً. وفي الشرق تقع كمبوديا، التي تلقى شعبها هدية استثنائية من العالم قبل 20 سنة تقريباً، حين تولت الأمم المتحدة، حينما اعترفت بالمأساة التي واجهتها تلك البلاد في عهد "الخمير الحمر"، السيطرة على كمبوديا لسنتين وأنفقت 3 مليارات دولار من أجل إنقاذ البلاد، ومنحها مؤسسات ديمقراطية. كما نظمت الأمم المتحدة انتخابات وطنية؛ ولما كان الشعب تواقاً إلى الديمقراطية بالطبع، فإن 90 في المئة من الناخبين الكمبوديين أدلوا بأصواتهم في تلك الانتخابات. ولكن كل ذلك يبدو كما لو كان جرى من أجل لا شيء. فاليوم يحكم كمبوديا نظام ديكتاتوري فاسد. وكمثال على سلوكه، أقدمت حكومته على بيع بحيرة جميلة، تشكل معلماً من معالم العاصمة، لمطور عقاري مقابل 79 مليون دولار وذهب المال إلى جيوب النظام طبعاً. وقد بدأ المطور في ضخ الرمال في الماء بهدف ملء البحيرة وبناء مشروع عقاري جديد. ولكن من أجل ذلك، كان لابد من طرد 4 آلاف عائلة من منازلها في محيط البحيرة. وعندما احتج أحد السكان الغاضبين ورفع لافتة على جانب منزله تقول "أوقفوا عمليات الطرد!"، رفعت عليه الحكومة دعوى قضائية بتهمة القذف والتشهير، والتطاول الوقح على السلطات العمومية! وفي الجنوب توجد ماليزيا التي تتوفر على نوع من الديمقراطية؛ ولكن الماليزيين، على غرار جيرانهم، يواجهون أيضاً صعوبات خطيرة في الحفاظ على الحريات الديمقراطية، حيث يشير تقرير حقوق الإنسان الصادر عن وزارة الخارجية الأميركية، الذي نشر الشهر الماضي، إلى أن "عدداً متنامياً من العراقيل منع أحزاب المعارضة من التنافس على قدم المساواة مع الائتلاف الحاكم؛ كما أن بعض حالات الوفاة حدثت خلال عمليات التوقيف التي تقوم بها الشرطة، أو في مراكزها". وإضافة إلى ذلك "اعتقلت الحكومة زعماء آخرين من المعارضة وصحافيين ومدونين إلكترونيين لأسباب سياسية، على الأرجح"؛ كما "استمرت في تقييد حرية الصحافة وتعرقل تأسيس الجمعيات والتجمع والتعبير والتدين". وبموازاة مع ذلك "سمح التوقيف والاعتقال التعسفي باستعمال «قانون الأمن الداخلي» وثلاثة قوانين أخرى بحدوث حالات اعتقال دون محاكمة، وما زالت ثمة أسئلة معلقة حول حياد واستقلال القضاء". ونعود إلى تايلاند نفسها، وهي بلد ديمقراطي، ولكنه لا يخلو من مشاكل، بعضها خطير؛ ذلك أن الفساد متفش، وبين الحين والآخر ينفذ الجيش انقلاباً، مثلما حدث في 2006. كما أن الحكومة التايلاندية، وعلى غرار نظيرتها الماليزية "أبقت على بعض القيود على حرية التعبير وحرية الصحافة وحرية التجمع"، كما ورد في تقرير وزارة الخارجية الأميركية. ولكن بشكل عام، يمكن القول إن تايلاند أكثر ديمقراطية -وأكثر حرية من أي من جيرانها- ومع ذلك، فإن الآلاف من الأشخاص يتظاهرون في الشوارع لأنهم لم يحبوا نتيجة الانتخابات الأخيرة، تماماً مثلما فعلوا ذلك من قبل في 2006 و2008. وثمة مجموعتان احتجاجيتان كبيرتان "القمصان الحمراء" و"القمصان الصفراء"، تشبهان تقريباً في استقطابهما السياسي حالة "الديمقراطيين" و"الجمهوريين" في الولايات المتحدة. صحيح أنه تشبيه قاس بعض الشيء، ولكن أصحاب "القمصان الصفراء" يدافعون عن أوليغارشية تايلاند، في حين أن أصحاب "القمصان الحمراء" شعبويون فقراء من الطبقة العاملة. وقد شغل زعماء يُنظر إليهم على أنهم مدافعون عن هذا المعسكر أو ذاك منصب رئيس الوزراء خلال السنوات الأخيرة؛ ولكن في كل مرة، يعمد الطرف الآخر إلى الخروج إلى الشوارع وشل البلاد. وعليه، فإنه يجدر بالمحتجين التايلنديين أن ينظروا حولهم ليروا كيف يعيش جيرانهم، ويدركوا كم هم محظوظون -ثم ينتظروا الانتخابات المقبلة. جويل برينكلي أستاذ الصحافة بجامعة ستانفورد ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©