السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الشرق الأوسط بين ريجان وآيزنهاور

16 مارس 2011 00:37
مما لا شك فيه أن الشرق الأوسط سيظل منطقة غير مستقرة. ذلك أن تركته بخصوص الاستغلال الاستعماري، والحدود التي تم ترسيمها على نحو اعتباطي، وعقوداً من الصراع على القوة، والتهافت الأجنبي على النفط، والصراع العربي-الإسرائيلي -منذ 1948 - كلها أمور تضمن مستقبلاً صعب التنبؤ وكثير المطبات. ولذلك، فإن السؤال بالنسبة لكل رئيس أميركي ليس ما إن كانت أزمة الشرق الأوسط المقبلة ستقـع، وإنمـا متى وأين؟. وبينما ينكب أوباما على دراسة خياراته في المنطقة، يُطرح السؤال: أي رئيس أميركي يجدر بأوباما أن يتخذه نموذجاً وقدوة من أجل زعامة فعالة وناجحة في الشرق الأوسط؟ رونالد ريجان هو الرئيس المفضل لدى المراقبين هذه الأيام على ما يبدو، والحال أن أعمال ريجان في الشرق الأوسط كانت كارثية في بعض الأحيان. فعقب الغزو الإسرائيلي للبنان في 1982، قام ريجان بإرسال قوة عسكرية رمزية مهدت لمقتل 241 من مشاة البحرية الأميركية المارينز" في هجوم إرهابي على ثكناتهم بميناء بيروت. كما أنه بلغ ذروة سياسة محيرة تجاه ليبيا من خلال حملة قصف استمرت على مدى يومين في 1986 تركت معمر القذافي في السلطة أقوى من أي وقت مضى. وعلاوة على ذلك، فقد خان ريجان سياسته الخاصة المتمثلة في عدم التفاوض مع الإرهابيين عندما باعت إدارتُه صواريخ مضادة للدبابات ومضادة للطائرات إلى إيران من أجل الحصول على إطلاق سراح الرهائن الأميركيين في لبنان، ثم استعملت عائدات هذه الصفقة لتسليح ثوار "كونترا" سراً في نيكارجوا. والواقع أن ثمة رئيساً أميركياً أفضل يستطيع أوباما محاكاته هو دوايت دي. آيزنهاور. فعلى غرار كل رئيس حكم البلاد منذ الحرب العالمية الثانية، واجه آيزنهاور مشاكل وأزمات غير متوقعة في الشرق الأوسط، ولكنه كان مستعداً لها بعد أن أكد على مبادئه وأولوياته سلفاً، هو الذي اعتمد مقاربة "المخططات عديمة القيمة - ولكن التخطيط هو كل شيء". وقد درست عمليات التخطيط التي قام بها حالات طوارئ عدة وحددت بشكل دقيق أهداف السياسات، وذلك حتى يتسنى له كرئيس "القيام بالشيء الطبيعي عندما يصاب الجميع بالجنون". وفي 1956، واجه آيزنهاور أخطر أزمة دولية خلال فترة رئاسته. أما الحدث الذي أطلق شرارة كل شيء، فهو قيام الرئيس المصري جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس في يونيو من تلك السنة. ولما كان ثلثا النفط الذي كان يذهب إلى أوروبا الغربية يمر عبر القناة، فإن تأميمها مثَّل بالنسبة للبريطانيين والفرنسيين كارثة حقيقية. غير أنهم بينما كانوا يعدون العدة للحرب، رفض آيزنهاور السماح لحلفائه التاريخيين أو إسرائيل بفرض إرادتها على السياسة الأميركية. ودافع، بدلاً من ذلك، عن حق مصر في تأميم القناة وضغط في اتجاه حل سلمي. وفي يوم الانتخابات، في السادس من نوفمبر 1956، واجه آيزنهاور عاصفة حقيقية في الشرق الأوسط. فقبل تسعة أيام على ذلك وبدون التشاور مع آيزنهاور، قامت إسرائيل بمهاجمة مصر؛ ثم حذا البريطانيون والفرنسيون حذوها بعد ذلك بأيام. وفي اليوم السابق، كان الاتحاد السوفييتي، الذي كان قد خرج للتو من حملة قمع دموية لثورة في المجر، قد هدد بالتدخل في النزاع. ورداً على ذلك، حذر آيزنهاور السوفييت بكل حزم وصرامة من مغبة مثل هذا العمل ووضع القوات الأميركية في حالة استنفار. وقد عمد آيزنهاور على نحو شجاع طيلة الأزمة إلى حرمان الحلفاء من المال والنفط اللذين كانوا في أمس الحاجة إليهما، إلى أن يوافقا على وقف إطلاق النار والانسحاب من مصر. وعلى نحو لافت، فاز الرئيس الرابع والثلاثون للولايات المتحدة فوزاً كاسحاً بإعادة الانتخاب يوم الاقتراع ونجح في إنهاء للقتال. وبعد أزمة السويس، أقنع آيزنهاور الكونجرس بتمرير برنامج للمساعدات الاقتصادية والعسكرية لفائدة دول الشرق الأوسط. وفي إطار عقيدة آيزنهاور، جعل الولايات المتحدة ملتزمة بالحلول محل بريطانيا باعتبارها ضامن الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط. ومازال هذا الالتزام يمثل حجر الزاوية في السياسة الأميركية. كان آيزنهاور يكره العمليات العسكرية المجزأة والرمزية على غرار تلك التي يفضلها ريجان، معتبراً أن أي تدخل عسكري ينبغي أن يستعمل قوة كبيرة. ويشكل لبنان مثالاً جيداً في هذا الإطار. فخلافاً لعملية ريجان الفاشلة في 1982، طبق آيزنهاور عقيدته من خلال إرسال 14 ألف جندي إلى لبنان عام 1958 في استعراض للقوة لم تسل فيه دماء تقريبا. وفوق كل شيء، احتضن آيزنهاور تحولات التاريخ حيث ضغط على حلفاء أميركا لدفن جثة الكولونيالية في الشرق الأوسط. ومما لا شك فيه أننا في حاجة إلى معادل لذلك اليوم - التزام واضح ومحدد تجاه الحركات الديمقراطية يتجنب السياسات القائمة على التدبير الذي يرد على المشاكل الطارئة بدلاً من التخطيط لتجنبها، مثلما كان يتبعها ريجان ومن جاؤوا بعده. وكما قال آيزنهاور، ومثلما هو منقوش على حائط متحف آيزنهاور في أبيلي بولاية كنساس، فإن "الولايات المتحدة لم تخسر أي جندي خلال إدارتي. لقد حافظنا على السلام. الناس تسأل: كيف حدث ذلك- والحال أن ذلك لم يحدث وحسب!". ديفيد إيه. نيكولاس مؤلف كتاب «آيزنهاور 1956» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©