الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

درس لن أنساه

2 مايو 2010 20:32
شجعني أحد أقاربي المقيمين في مدينة ميونيخ الألمانية للقيام بزيارة سياحية لمتابعة فعاليات الدورة الأولمبية هناك عام 1972. وتصادف عند خروجي إلى ردهة الشقة التي نسكنها أن وجدت طفلاً ألمانياً لا يزيد عمره عن خمس سنوات. وقد تركته مشرفة حافلة رياض الأطفال يلعب بالكرة في الردهة وفي انتظار من يحضر من والديه. بادلت صديقنا الطفل اللعب، إلى أن ركل الكرة بكل قوته وتصطدم بأحد المصابيح الكهربائية “لمبة”، ويتناثر زجاجها في أرجاء المكان، فانزوى يبكي، ودفعتني شهامتي لتنظيف الردهة وجمع بقايا الزجاج في سلة المهملات الموجودة. في الصباح تفاجأت باستدعاء من الشرطة، لمواجهة أغرب تهمة أنني علمت الطفل إخفاء الحقائق والكذب، وعلىّ أن أسدد غرامة تقدر بمائتي ألف دولار، لأنني أفسدت تربيته التي تربى عليها طيلة خمس سنوات. وإلا عليَّ أن أواجه الحكم بالحبس بما يعادل قيمة هذا المبلغ. بالطبع حاولت الدفاع عن نفسي، لكن القانون.. قانون! واستعنت بأحد المحامين من أصل عربي هناك، وانصبت جهودنا لإثبات البراءة، فلم يكن للبراءة مخرجاً إلا بتقديم “حسن النوايا”. ركض “المحامي” سريعاً إلى “صندوق المهملات” من أمام الشقة حيث التقط الكيس البلاستيكي الذي احتوى زجاج اللمبة المبعثر، وقدمه للشرطة، ودفع بحسن نيتي في أنني لم أقصد من إزالة الزجاج المبعثر إلا خوفاً على الطفل من التعرض للجراح أو الأذى، وأنني لم أقصد إخفاء أركان وأدوات الجريمة بدليل أنني ألقيتها في سلة مهملات شقة الأسرة “والد الطفل”، وكان كل همي حماية ابنهم من الأذى. هنا.. انقلب الموقف بنسبة “مائة في المائة” وبدلاً من مواجهة التهمة الغريبة بتعليم الطفل الكذب.. واجهت سيلاً من الاعتذارات.. والتشكرات.. والحفاوة.. لأنني أثبت للوالدين أن هدفي كان حماية ابنهم من الأذى أو الضرر مهما كان بسيطاً.وأنهما يقدمان اعتذارهما الشديد على سوء الظن، وأبديا استعدادهما لدفع التعويض المناسب الذي أطلبه أو الذي يقرره القانوني الألماني. ابتسمت.. واندهشت..وتنازلت.. وتعلَّمت درساً سيظل محفوراً في ذاكرتي أبداً.. وهو أن الطفل “الإنسان” قيمة كبرى.. وتعليمه القيم قيمة أكبر.. وأن حمايته من الأذى مهما كان بسيطاً “أكبر القيم”. “المحرر”
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©