الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

المهدي المنجرة مفكِّر من طراز مستقبلي

المهدي المنجرة مفكِّر من طراز مستقبلي
10 يونيو 2016 22:55
إعداد عبير زيتون يعد المفكر المغربي الراحل المهدي المنجرة (13 مارس 1933 - 13 يونيو 2014) أحد أبرز المهتمين والمؤسسين لعلم المستقبليات في العالم بحثاً، وتشخيصاً، واستشرافاً، وأحد أكبر المراجع الفكرية في بحوث علم المستقبليات باشتغالاتها السياسية، والفكرية، والاستراتيجية، والاقتصادية. ولد المنجرة في الرباط العام 1933 وبدأ مشواره الدراسي في مدارس البعثة الفرنسية، ثم انتقل إلى نيويورك سنة 1948 ليحصل من جامعة «كورنيل» على الإجازة في العلوم السياسية العام 1954، ومنها توجه إلى لندن لنيل الدكتوراه، ليعود إلى المغرب بعد مشوار علمي حافل كأول أستاذ يعين في كلية الحقوق التابعة لجامعة محمد الخامس في الرباط العام 1957، كما عين مديراً للإذاعة والتلفزة المغربية. عرف المنجرة بانفتاحه الفكري على ثقافات العالم التي أتقن معظم لغاتها، كما عرف عنه تمسكه بمبادئه الفكرية، كتابة وسلوك حياة، والتي لم يتخلَّ عنها حتى آخر لحظة من حياته. وقد ساهم المنجرة، الذي عرف بتعدد اهتماماته الأكاديمية والفكرية، في تأسيس أول أكاديمية لعلم المستقبليات، وتقلد المراتب العليا في «مسؤولية» الهيئات الدولية، ورئاسة لجان وضع مخططات تعليمية لعدة دول أوروبية. وحاز على العديد من الجوائز الدولية، منها وسام الشمس المشرقة سنة 1986، وهو أكبر الأوسمة اليابانية، اعترافاً بدوره كأول العلماء الذين تنبهوا إلى العبقرية اليابانية في التخطيط وتجاوز العقبات. ركز المنجرة فكره على تحرير الجنوب من هيمنة الشمال، عن طريق التنمية، ومحاربة الأمية، ودعم البحث العلمي، واستعمال اللغة الأم، إلى جانب دفاعه المستميت عن قضايا الشعوب المقهورة وحرياتها، ومناهضة الصهيونية ورفضه للتطبيع. وسخر كتاباته لفضح جشع النيوليبرالية- الإمبريالية الجديدة المتوحشة، والدفاع عن حق دول العالم الثالث في التنمية المستقلة، ونادى بنظام «كوني» يقوم على العدالة، والإنصاف، والكرامة لكل الشعوب والمجتمعات دون تمييز عرقي، أو عقائدي، أو جنسي أو اجتماعي. ويرى المنجرة أن غياب الحوار والاعتراف المتبادل بين الشمال والجنوب أدى إلى استمرار الحرب الحضارية في صيغة جديدة عقب فترة ما بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، «فما نشاهده اليوم هو امتداد لعملية سيطرة دولية»، وهذا ما يبرر دعوته إلى مراجعة ميثاق هيئة الأمم المتحدة من أجل إقامة نظام عالمي جديد منصف وعادل للجميع، لأن النظام الحالي محكوم عليه بالفشل حسب قوله. ناضل المنجرة من أجل بديل حضاري ينافس الغرب، ولا يعاديه، ويجابه تسلطه ولا يجاريه، بديل يرتكز على الخصوصية الثقافية للشعوب، وينشد التقدم في حقلها، وبقوة ممكناتها في التغيير والإبداع، فاحترام القيم الثقافية للآخر كما يقول المنجرة في كتابه «قيمة القيم» هو شرط جوهري للتعايش السلمي بين الشعوب، فالثقافات «لا تستنسخ، ولا يمكنها أن تتواصل فيما بينها، ولا أن تُغني بعضها البعض دون شرط الاحترام المتبادل. وهنا سجل المنجرة تقدمه في نحت مفهوم «صراع الحضارات» قبل «صامويل هانتنغتون» صاحب أطروحة «صدام الحضارات»، وتمايز في وجهة نظره عن المفكر الأمريكي الذي يعتقد بحتمية الصدام، في حين يرى المنجرة بإمكانية تجنبه، فموقفه كما يقول «وقائي»، أي أنه يمكن تفادي الصدام عبر «خلق حوار حضاري بين شمال العالم وجنوبه»، كما يرى بخلاف هاتنغتون أن «حرب القيم» المشتعلة لا تعني بالضرورة حرباً بين الديانات، لأن الكثير من الأشخاص «الذين يدافعون عن نظم القيم الحضارية، ليسوا في الضرورة ممارسين لديانات تلك الحضارات». أثرى المهدي المنجرة المكتبة الفكرية بالعديد من الدراسات والأبحاث في العلوم الاقتصادية والسياسة، وعلم الاجتماع والسوسيولوجيا، وقضايا التنمية، أبرزها «نظام الأمم المتحدة» (1973) و«من المهد إلى اللحد» (2003) و«الحرب الحضارية الأولى» (1991) والإهانة في عهد الميغاإمبريالية (2003)، «القدس العربي- رمز وذاكرة»، «مسار فكر» و«انتفاضات في زمن الديموقراطية» وكتاب «قيمة القيم». ارتقت مؤلفاته إلى مرتبة الكتب الأكثر مبيعاً في فرنسا، طيلة سنوات الثمانينيات، وهو أمر لم يسبقه إليه أحد من المفكرين العرب والفرنسيين أنفسهم. وقد خصص المنجرة أرباح مبيعات كتبه كلها لجائزة من أجل السلام، قبل أن تتحول إلى جائزة من أجل الكرامة، بقيت تحمل اسم المفكر الراحل المهدي المنجرة ودعوته إلى أهمية التفكير في المستقبل، الذي يعتبر الأهم، وعلينا أن نتوجه إليه دائماً. وحتى لو كان الأمر يتعلق بتراث، أو ماض أو ذاكرة أو تاريخ، فعلينا أن نضعه نصب أعيننا في المستقبل، كما يقول المهدي المنجرة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©