الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قوس المنجد وعصاه يتواريان خلف سطوة المصانع الآلية

قوس المنجد وعصاه يتواريان خلف سطوة المصانع الآلية
2 مايو 2010 20:24
يعاند المعلم صلاح جسده المنهك، وييمم وجهه كل صباح شطر دكانه المتواضع، ليبدأ عمله الذي ورثه عن والده في مهنة التنجيد، هذه الحرفة التي تدل على الهوية الوطنية التراثية الجامعة فيما يسمى بـ»حرفية الصنعة» وتجليات المبدع في إضافة شيء من روحه عليها، حيث ارتبطت بأشخاص احترفوها وامتهنوها، فتميزوا بها واكتسبوا شهرتهم من إتقانها، فكانت أعمالهم في فنونها تفصيلات لا يبدعها غيرهم. غير أنها اليوم تواجه خطر الانقراض بسبب انتشار المصانع. وصلاح يحفظ أسرار هذه مهنة التنجيد إلى حد المهارة، وإن كان التنجيد من الحرف التي تستوعب الاجتهاد الشخصي كما يقول، لأنها تطلق العنان للإبداعات الفردية، وتظهر التميز لارتباطها بمقتنيات أثاث البيت. ويضيف «أتقنت المهنة بفضل والدي الذي علمني إياها وأوصاني أن أحافظ عليها، وقد فعلت لأنني بالدرجة الأولى عشقت هذه المهنة طوال فترة حياتي، وأي حرفة يتقنها الإنسان لا بد من أن يبرع فيها ويحبها، فهي بحاجة إلى خفة حركة اليد لكل من يصنع الأغطية والأقمشة والوسائد، والسرعة والرشاقة التي تدل على خبرة لا بد من توافرها في «معلم الصنعة». عدة المنجد عن صعوبات المهنة، قال صلاح:» المصانع الآلية تسببت بانحسار مهنة التنجيد، فتراجعت أعداد العاملين فيها وغابت صورة المنجد، الذي يستخدم مقصاً كبيراً وعصا مأخوذة من شجرة الرمان، إضافة إلى خيوط بيضاء، ومشرط حاد نعيد من خلاله «نفش» الصوف القديم، ليصبح هشاً داخل الأغطية والوسائد، وكل ما هو معد للتنجيد كي تلفحه أشعة الشمس، وتتطاير «الغبرة» العالقة فيها، فيخرج ناعماً ويسهل استخدامه بين طيتي القماش قبل تطريزهما بشكل فني يدل على إبداع المهنة وجودتها». وحول عدة المنجد، قال المعلم صلاح، إنها تبدأ من القوس الذي هو الأداة الأساسية لهذه الحرفة، بالإضافة إلى ملحقات يمكن اعتبارها «إكسسوارات» لا يمكن الاستغناء عنها، مثل المدقة والإبر والكشتبان. ويتكون قوس المنجد من قصبة غليظة من الخيزران، حيث يكون رفيعاً في مقدمته، وسميكاً في المؤخرة، ويبلغ طوله حوالي 180 سم، ويتم تليينه على نار موقد خاص، لإحداث انحناء خفيف فيه، ويوجد في مقدمة العود ثقب مسنن يسمى «زر الدوزان» أو «أصبع الدوزان» لشد الوتر قدر المطلوب في العمل، فيما يثبت في نهاية العود لوح الدف، وهو عبارة عن لوح رقيق مربع وأحياناً مستطيل من الخشب الأحمر الرنان، ويشبه خشب وجه آلة العود الموسيقية، وفي مركز الدف يوجد ثقب دائري غالباً ما يكون مسنناً، والدف مزخرف بأحجار ورسوم شعبية بطريقة الحفر والحرق والنقش»، مشيرا إلى أن الوتر «هو حبل يصنع من أمعاء الخراف، ويشد منه على القوس حوالي 180 سم، والباقي يلف على خشب العود للتثبيت عند مقدمة ونهاية الوتر، وكانت الأوتار تستورد من الخارج، وكان بعض المنجدين يصنعون الأوتار محلياً عند الحاجة، حيث يثبت الوتر في نهاية العود». اليدوي والآلي بالنسبة لأحوال المهنة ومتاعبها، قال المنجد حسن زبيب «لم تعد أي حرفة تعمل مثل أيام زمان، فالتكنولوجيا قضت على كل قديم، والآلات الحديثة حلّت مكان الأعمال اليدوية. في الماضي الجميل كان أهل المهنة يعيشون برفاهية وبعضهم بنى العمارات من ورائها، أما الآن فأرى المهنة إلى زوال». وعزا أسباب تراجع الحرفة إلى دخول ماكينات الندف أو ما يسمى بـ»الندافة»، وتصنيع معامل الإسفنج والخياطة بدلاً من القطن، وهذا ما أثر على رواج عمل المنجد بل حدّ من انتشار المهنة. أما عن الذكريات المتعلقة فيها، قال زبيب «حين كنت تشعر بالتعب والعرق والجهد الدائم طوال نهار العمل خصوصاً أن كل شيء كان يتم يدوياً وحسب المهارة، أما اليوم فإنك ترى أن الاختلاف كبير جداً وبعيد جداً، فالفرشة التي كان يستغرق تنجيدها عدة ساعات، ينتهي العمل منها خلال ربع ساعة، حيث إن معظم الشغل يعتمد على الكهرباء في الندف، وهذا التطور لم يجعلني أنسى حب العمل اليدوي، لاسيما عند تعبئة الفرشة واللحاف، وقتها فقط أحس أن المهنة موجودة وهي بألف خير». وحول أيهما أفضل في مهنة التنجيد، القطن أم الصوف، أجاب «طبعاً القطن لاسيما الصنف الملكي. أما الصوف فقد خفّ الطلب عليه لأنه ينشر رائحة غير مقبولة، بينما القطن لا رائحة له، كذلك بالنسبة القماش، فنوعية المصري لفرش الأسرة أفضل من البلجيكي، وتحتاج كل فرشة إلى 20 كيلو من القطن، وإذا كان السرير مزدوجاً، فإن الرقم يرتفع إلى 30 كيلو جراماً».
المصدر: بيروت
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©