السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سر الشعرة

سر الشعرة
3 أغسطس 2009 23:52
الرجل لم (يقصِّر) معها، فقد أسكنها قصراً هو أكبر قصور الإمبراطورية، وأحاطها بالجواري والخصيان، دندشها بالذهب والفضة والجواهر المستلبة من خزائن ملوك ذلك الزمن. لكنَّها أنكرت هذه النعمة العارمة وظلت (قالبة بوزها) وهي تنشد بكل حزن: لبيت تخفق الأرياح فيه أحب إلي من قصر منيف....إلى آخر القصيدة التي تفضل فيها لباس الخيش على حرير القصر، ونباح كلب البادية على ضرب الدفوف ورقص الجواري والغلمان. أما الرجل فهو معاوية بن أبى سفيان، الخليفة الأموي الأول، ومؤسس الإمبراطورية العربية الكبرى، أما المرأة فهي ميسون بنت بجدل الكلبية زوجته، وأم ولده وخليفته يزيد، وبنت وزيره الأول. هنا ندرك سر الشعرة غير المقطوعة عند معاوية، لا شك في انه تعلم تلك الحكمة من زوجته التي تفضل الأباعر، وحليب النوق، ونباح كلب أجرب يحوم حول جيفة نتنة.... تفضلها على قصر الخلافة بما فيه من جواهر ونفائس وملذات. نتمنى أن تكون القصة مجرد زوجة نكدة، إذ أن حلها سهل.. فيمكنه أن يبني لها خيمة قرب القصر كما يفعل الكثير من بدو الإنترنت حتى الآن، وان يجلب لها شلية غنم، وعدة بعارين وكلب اجرب، وإذا لم يعجبها الأمر يمكنه أن يطلقها، ويخلص من وجع الرأس والبنكرياس. لكن القصة للأسف كانت تعبيراً عن نمط تفكير أعرابي– عربي، والعكس صحيح. وقد تنبه للموضوع أحد المستشارين النابهين لوزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر، ووضع أسلوب الخيمة والقصر في التعامل مع الزعماء العرب. ليس مجالنا هنا الخوض في تفاصيل الدبلوماسية الأميركية، لكنه أسلوب نجح تماماً بل أكثر مما توقع أصحابه... إذ تم التعامل مع الزعماء العرب على طريقة شيخ القبيلة الذي إذا أرضيته رضيت عنك القبيلة بأكملها، وأخذت ما تشاء منها بكل طيبه خاطر، وهذا يشمل العرض والأرض والمال والعيال ورأس المال ودكّة السروال. أقول نجح هذا الأسلوب أكثر مما توقعوا... حيث تحول الأسياد إلى خدم في أقل من ربع قرن من سريان مفعوله، وتحولوا من قول: نعم ، إلى قول : نعم سيدي. مؤامرة الأعرابي على نفسه ظلت مستمرة حتى الآن، لكن الإسلام والعروبة كانا يرقعان ما يفسده الأعرابي حتى أضناهما الأمر.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©