الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مهنة مسح الأحذية تنفذ فقراء بيروت من العوز

مهنة مسح الأحذية تنفذ فقراء بيروت من العوز
3 أغسطس 2009 23:48
إنها مهنة الفقراء والمساكين، و»عدة الشغل» رأسمالها لا يتعدى حفنة دولارات، فالأدوات بسيطة جداً ، صندوق خشبي، خرق بالية، وطلاء من كل الألوان، ومناداة على المارة والزبائن:»بويا... بويا... بويا..». ماسحو الأحذية تجدهم في جميع الأماكن المكتظة بالسكان، يلتقطون زبائنهم بشغف وألم. فالمهنة لم تتغير وإن تغيّرت الأحذية، والآلام لم تتبدل وإن تبدلت الأحوال المادية، وتبقى النتيجة واحدة في جميع الأحوال: قهر وفقر وانتظار لحذاء يتحول في لحظات إلى عنصر مكمل للأناقة، وهذا ما يجعل مسح الأحذية مهنة معاناة النهار. يستيقظون صباحاً ليتوزعوا عند مفارق الطرق وفي الأحياء الشعبية والأرستقراطية، يختار كل واحد منهم صندوقه بعناية، لماعاً مزداناً بالألوان، ومعه أنغام الفرشاة التي تجذب الموظفين والطلاب والتجار، وهم في طريقهم إلى الواجب اليومي، فالأناقة لا تكتمل إلاّ بالحذاء اللماع، ومن أمهر ماسحي الأحذية، لأداء هذه المهمة اليومية. ألف ليرة لبنانية (درهمان ونصف)، وفي بعض الأحيان أقل إذا كان الشغل خفيفاً، وتدب الأناقة في الحذاء، الذي لوّنه وحل الطريق في الأحياء والزواريب والأسواق «المتغلغلة» داخل العاصمة كالشرايين، إنه الفقر وهل غير الفقر يدفع الإنسان لأن يجلس بالقرب من صندوقه، منتظراً من يمد رجليه نحوه، طالباً منه تلميع الحذاء، لذا كانت هذه المهنة محصورة بالمساكين والمحتاجين، لأنها لا تتطلب رأس مال كبيراً، بينما مردودها يعتمد على «ذوق» الزبون وكرمه. مصيدة الزبائن أبو عصام ماسح أحذية بدأ مهنته منذ عشرات السنين، يخرج مع إطلالة شمس كل صباح إلى مناطق معينة و»استراتيجية»، أي أنه لا ينتقي أماكن عمله بشكل عشوائي. فمثلاً هناك زوايا في شارع الحمراء تعتبر «مصيدة» للزبائن وهي أفضل من غيرها في أماكن أخرى. يقول أبو عصام: «المهنة متعبة وشاقة جداً، ففي أيام الصيف علينا تحمل الشمس الحارقة، وفي الشتاء يجب أن نتحمل زمهرير العواصف والرياح والأمطار الغزيرة. نسعى طوال اليوم لالتقاط رزقنا ولتأمين قوت عيالنا. لا مجال لهدر الوقت أثناء العمل، وإلاّ فالأولاد لن يحصلوا على الطعام». وأضاف:»المناطق المختارة لها دورها في المردود المادي، مثل شارع الحمراء وفردان، وهما منطقتان تعجّان بالمطاعم والمقاهي ودور التسلية، عدا أن نوعية الزبائن غالباً ما تكون من الطبقة الميسورة والغنية». «كبسة» يا شباب الساحات والأزقة تخلو في بعض الأحيان من الصناديق الزاهية، بسبب الدوريات الأمنية، لذلك يتناثر أصحاب المهنة في مناطق مزدحمة تحميهم من «الكبسة». «بويا» يا أستاذ، أقدام تتوقف، أحذية تمد، وعيون الماسحين تحاول التقاط المناسب فيها دون جدوى أحياناً. واليوم البسطات المتناثرة هنا وهناك، تحمل دلالات التغيير. فالبسطات ملأت أرض الشارع، وصراخ الباعة غطى على كل ضجيج. وحدهم ماسحو الأحذية يعملون بصمت وسكون يتأملون المارة بعيون تحمل الرجاء والأمل، بأن يتوقف أحدهم لتلميع حذائه، إنهم لا يعرفون فنون التوسل والاستجداء، إلاّ أن الحاجة لإطعام «العيال»، دفعت برب الأسرة إلى هذه المهنة، بعدما أقفلت الحرب أبواب الرزق. أبو غازي ماسح أحذية يبلغ من العمر 60 عاماً، قال: «إنها مهنة شريفة لأن رزقك تحصّله بعرق جبينك، فالشغل ليس عيباً، وإنما العيب أن تمد يدك إلى الغير، أو تسرق بسبب الحاجة والعوز». وأضاف :»منذ زمن لم نذق طعم اللحم والدجاج لقد نسينا طعمها لاسيما في ضوء نقص الزبائن». أما أبو زهير فلجأ لمهنة مسح الأحذية بعد أن طرد من عمله السابق من دون تعويض، قال: «ماذا أفعل، نعيش حياتنا يوماً بيوم، وخبزنا كفاف يومنا، نعيش حياة تقشف واقتصاد حسب الغلة التي يرزقنا إياها الله»
المصدر: بيروت
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©