الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الخزف جسر التواصل بين الصين والعالم الإسلامي

الخزف جسر التواصل بين الصين والعالم الإسلامي
21 مارس 2014 21:32
أحمد الصاوي (القاهرة) - رغم بعدها في الركن القصي من العالم القديم لم تكن الصين بعيدة أبداً عن دار الإسلام، حيث وصلت فتوحات قتيبة بن مسلم إلى الحدود الغربية للصين القديمة قبيل نهاية القرن الهجري الأول. وترك هذا الجوار، وخاصة بعد انتشار الإسلام بين الترك الجوابين في السهوب الآسيوية آثاره الواضحة على بعض منتجات الفنون الإسلامية التي تأثرت بملامح منتجات الخزف الصيني الشائع في أرجاء العالم حتى أن اللغة العربية تعرف منتجات أطباق الخزف باسم «الصيني» إلى يومنا هذا. الفن الصيني والصلات التجارية التي ربطت بين الصين في أقصى الشرق الآسيوي وبلاد المسلمين ضمنت تدفقاً منتظماً لعدد من منتجات الفن الصيني ولا سيما من الخزف والنسيج الحريري وبعض أنواع التوابل ويندر أن يخلو سجل تجاري موثق في ديوان أو في كتاب إسلامي قديم من ذكر لبضائع صينية وقليلاً ما تخلو واحدة من الحفائر الأثرية حتى بقلب الجزيرة العربية من قطع الخزف المستورد من الصين. وفي ظل هذا الحضور الصيني الطاغي، خاصة في نطاق تداول واستهلاك المنتجات الخزفية وما حازته تلك المنتجات من ثقة وشهرة في الأسواق العالمية أخذ الفنانون المسلمون في محاكاة بعض أنواع من الخزف الصيني بدءاً من القرن الثالث الهجري «9 م» وحتى القرن الثاني عشر الهجري «18 م». ويعتبر الخزف الصيني الذي أشتهر في عهد أسرة تونج أو تانج الصينية أقدم المنتجات الخزفية التي أقبل الخزافون المسلمون على تقليدها في إيران، والعراق، ومصر. ومن المعروف أن هذه السلالة حكمت من عاصمتها تشانجان المعروفة اليوم باسم تشان الصين كلها بين عامي 618 و907 م، وكان عدد سكانها آنذاك 50 مليون نسمة. الفحص الدقيق وبلغت أفران الخزف في الأقاليم الإسلامية حداً من الإتقان الفني جعل من الصعوبة بمكان التمييز بين القطع الصينية من خزف أسرة تونج، وتلك التي صنعت في الشرق تقليداً لها ولولا الفحص الدقيق للون وملمس عجينة الخزف ما أمكن لعلماء الآثار التمييز بين الأصل الصيني والتقليد. وتتميّز الأواني الخزفية المقلدة لخزف أسرة تونج بتعدد ألوانها الزاهية من الأخضر والأصفر بدرجاتهما المختلفة مع لمسات من اللونين الأسود والأحمر، وكان الأسلوب الصناعي يعتمد على طلاء القطع بالألوان على هيئة بقع متناثرة أو أشرطة متجاورة، ثم تثبيت الطلاء الزجاجي الشفاف عليها دفعة واحدة بالحرق في الفرن الأمر الذي كان يؤدي لتداخل الألوان مع بعضها وكان هذا التمازج هو سر جمالها الفني. والخزاف المسلم لم يكتف بمحاكاة أنماط زخارف خزف تونج، بل وضع أيضاً بصمته الخاصة في بعض أطباق الخزف من هذا النوع عندما شرع في تنفيذ بعض الزخارف الإسلامية، وخاصة النباتية بأسلوب الحز في بدن الإناء لتجمع بين أسلوبي الحز والتلوين تحت الطلاء الزجاجي. وتحفل المتاحف العالمية بقطع رائعة من هذا الخزف الإسلامي المقلد لخزف أسرة تونج الصينية تتجلى فيها روح الزخارف النباتية المألوفة في الفنون الصينية وتعود أقدم هذه القطع للقرن الثاني الهجري «8 م»، بينما توقف إنتاجها بشكل نهائي في أوائل القرن الخامس الهجري «11م»، أي بعد سقوط أسرة تونج ذاتها بنحو قرن من الزمان. أسرة سونج ومن أنواع الخزف الصيني التي أقبل الخزافون المسلمون على تقليدها، وخاصة في مصر خلال العصر الفاطمي خزف أسرة سونج التي حكمت الصين بين عامي 960 و1279 م، وهو خزف ببدنه زخارف محزوزة تحت طلاء زجاجي من لون واحد وعند تركز الطلاء الزجاجي بالزخارف المحزوزة تبدو ذات لون داكن عن لون الطلاء الزجاجي. ويمكن القول إن الخزافين الإيرانيين كانوا أكثر التزاماً بتقليد الخزف الصيني سواء من ناحية الاقتصار على اللون الأزرق والأرضية ذات اللون الأبيض القصديري أو من جهة تقليد الزخارف الصينية بشكل حرفي، بينما بدت منتجات أزنيك التركية أكثر تحرراً إذ لا تخلو من لمسات محلية، خاصة مثل استخدام اللون الأحمر أو اعتماد صيغة عثمانية من الزخرفة الصينية المعروفة باسم السحب أو الأقمار حتى بدت كما لو كانت زخرفة عثمانية مثلما نرى في قارورة رسمت فيها زخرفة السحب والأقمار على أرضية زرقاء اللون. وينبغي أن نضيف لتلك التأثيرات الصينية أحد أهم ملامح النفوذ الصيني في مجال تصاوير المخطوطات الإسلامية إذ تأثرت مدرسة التصوير المغولية خلال القرنين السابع والثامن للهجرة ببعض تقاليد التصوير الصيني بحكم العلاقات الوثيقة بين المغول والصين. ونلمح ذلك التأثير في قيام المصورين بتقسيم الصور إلى مقدمة تمثل الأرض وخلفية تمثل السماء من دون وجود للتعبير عن المنطقة الوسطى أو العمق بل إن هناك لوحات يبدو أنها نقلت بحذافيرها من تصاوير صينية. ونرى مثل هذا التأثير الصيني في منمنمة تمثل البكاء على الإسكندر الأكبر بعد وفاته بالحمى، وهي ضمن نسخة فارسية من كتاب الشاهناما يحتفظ بها متحف فرير جاليري بواشنطن. تأثيرات القرون الخمسة الهجرية تبدو تأثيرات الخزف الصيني على الخزف الإسلامي خلال القرون الخمسة الهجرية الأولى قليلة إذا قورنت بالتأثير الطاغي للخزف الصيني ذي اللونين الأزرق والأبيض، والذي اشتهرت بإنتاجه أسرة مينج التي أسست الإمبراطورية الصينية الحديثة في عام 1368م، وظلت تحكم الصين وعدة أقاليم مجاورة، مثل كوريا وفيتنام والتركستان الشرقية حتى عام 1644م. وتركزت مناطق إنتاج الخزف الإسلامي المقلد لخزف أسرة مينج في مدينة قاشان بإيران ومدينة إزنيك في تركيا العثمانية خلال سنوات القرنين العاشر والحادي عشر للهجرة «11- 12 م». ويعتقد علماء الآثار أن بعض تلك الأواني المقلدة لخزف مينج الأزرق والأبيض كان أفضل من الخزف الصيني ذاته نتيجة للمعارف الصناعية المتطورة عند المسلمين، وليس أدل على صدق هذا الاعتقاد من أن الأسواق الأوروبية خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر كانت تقبل على شراء هذا النوع من الخزف الإسلامي المتأثر بالخزف الصيني.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©