الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحياة اليومية وخيال علماء الاجتماع

الحياة اليومية وخيال علماء الاجتماع
12 مارس 2013 20:48
تتعدد الأفكار والرؤى التي يطرحها علماء الاجتماع السياسي حول العلاقة بين السلطة والسياسة، أو الدور الذي يمكن للسلطة أن تقوم به في المجتمع، وذلك من خلال استعراض الأفكار القديمة التي قدّمها علماء الاجتماع، وما شهدته من تطوير وتعديل، لاسيما في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية. كتاب “السلطة والسياسة” الذي صدر حديثا عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية لثلاثة من الباحثين والأكاديميين هم: وورين كيد، وكارين لج، وفيليب هراري، يقدم مدخلا مهما لفهم الأفكار والموضوعات والحوارات الدائرة بين علماء الاجتماع السياسي حول الدور الذي يمكن للمؤسسات السياسية أن تلعبه في المجتمع، وذلك من خلال أسلوب يجمع بين التبسيط والتحليل في عرض نظريات علماء الاجتماع الخاصة بوظيفة السلطة في المجتمع، بعد تقديم تعريف لمفهوم السلطة، ومحاولة التفريق بين مفهومي السلطة والسياسة بهدف تحديث علم الاجتماع السياسي. إرادة الفرد يؤكد الكتاب على علاقة جميع مظاهر الحياة الاجتماعية بالسلطة، الأمر الذي يجعل دراسة علم الاجتماع تستمد مجالاتها من موضوعات تقع داخل علم الاجتماع السياسي، لكنه في الآن ذاته ينبِّه إلى ضرورة التمييز بين مفهوم السلطة ومفهوم السياسي، فإذا كانت السلطة تعني قدرة الفرد على فعل ما يريده ونجاحه في تحقيق أهدافه، فإن السلطة تعني فعل ما تريد، لكن ثمة اختلافات واضحة حول نظريات السلطة نابعة من اختلاف النظرة إلى السلطة. ويذهب الدارسون إلى أن خيال علماء الاجتماع الذي يعني عند تحديد آلية عمل المجتمع الابتعاد عن آرائنا حول المجتمع، يعتبر من النظريات المفيدة لكل من علماء الاجتماع ودارسي هذا العلم. ويربط الكتاب بين قضايا السلطة وقضايا الحرية والاستقلال التي تتيح للإنسان اختيار فعل ما يريد، لأن السلطة والاختيار مرتبطان ببعضهما البعض ومساحة الاختيار مرتبطة بحجم السلطة التي يمكن اكتسابها. وفي حين يكشف الباحثون عن تعدد نظريات السلطة، فإنهم يستعرضون نظريتين اثنتين من تلك النظريات، هما نظريتا توماس هوبز حول أنواع السلطة الطبيعية والسلطة المكتسبة، ونظرية ستيفن لوكس التي تناقش أبعاد السلطة الثلاث، وهي: دور السلطة في اتخاذ القرار، والسلطة وبعدها عن اتخاذ القرار، وأخيرا البعد الثالث والأقوى المتمثل في دور السلطة في صياغة قرارات الآخرين. في إطار سعي الكتاب لتعريف القارئ بمختلف الآراء الخاصة بمفهومي السلطة والسياسة، يعمد الباحثون إلى التعريف بالآراء التقليدية الخاصة بهذين المفهومين، حيث يعتبر أوغست كانت بمثابة المؤسس الأول لعلم الاجتماع الحديث، حاول فيه تفسير التحولات الصناعية في أوربا، مقابل محاولات علماء الاقتصاد والفلاسفة طرح علم جديد للمجتمع. ويناقش الكتاب في هذا المنحى دور علم الاجتماع القديم عند ماركس ودوركهايم وماكس فيبر في التغيير السياسي، كاشفا عما كانوا يمثلونه من اتجاهات متقابلة: الاتجاه الأول ويمثله كل من كونت ودوركهايم، اللذان يعدان منظري الاتفاق، ويطالبان بدمج المجتمع في منظومة جماعية متناغمة، والاتجاه الثاني ويمثله ماركس وفيبر منظرا فكرة الصراع، اللذان كانا يركزان على استخدام الطبقات الحاكمة لسلطتها في السيطرة على الآخرين داخل المجتمع. كذلك يعرض للعلاقة بين علم الاجتماع والاشتراكية. ويناقش الكتاب نظرية المؤسسين الأوائل لمجتمع الحداثة، الذي يعتبرانه أكثر عقلانية وأفضل حالا من المجتمع الذي سبقه، حيث تناول البحث أفكار المؤسسين بالتحليل لكيفية تطور المجتمع الحديث، ولماذا كانت أوربا هي مركز هذا التحول ومستقبل هذا التطور. ويشير الكتاب إلى أهم ما يكشف عنه علماء الاجتماع السياسي في تلك الحقبة، وهو التفاوت الذي كان قائما بين الطبقة والسلطة ورؤية ماركس للطبقة بوصفها محرك التاريخ، ونتاج جميع المجتمعات، الأمر الذي يجعلها أساس السلطة، في حين كانت رؤية فيبر تقوم على رفض الرؤية النمطية الضيقة عند ماركس، ما حدا به إلى توسيع مفهوم مصادر السلطة لكي لا تبقى محصورة في مفهوم الملكية الاقتصادية وحدها. طبيعة السلطة وتداولها قبل تناول طبيعة السلطة كما قدمتها نظريات علماء الاجتماع يشير البحث إلى الدور الذي لعبه علم الاجتماع الكلاسيكي، ما يجعل من المتعذر دراسة النظريات المعاصرة لعلم الاجتماع دون العودة إلى هذا التراث وتاريخ الأفكار بغية تحديد التطورات التي أثرت في أفكار علم الاجتماع، لكنه يشير إلى الاختلافات التي شهدها علم الاجتماع السياسي الجديد مع التركيز أولا على نظريات علم الاجتماع حول السلطة، وتقسيم مفاهيم السلطة التي توزعت على نوعين شديدي الاتساع، إضافة إلى دراسة النظريات الديمقراطية في المجتمع التي يجملها في النظرية الوظيفية التي ترى أن السلطة من إفراز المجتمع، وهي تستخدم لصالح المجتمع ككل، والنظرية التعددية التي تعتمد على مصادر متعددة في اتخاذ القرار أو تشكيلة كبيرة لجماعات مؤثرة في اتخاذ القرار. وتعتبر أن السلطة هي ساحة متحركة أو بضاعة متداولة تتغير طبقا لتغير الزمن وإرادة الأفراد وتتولى دراسة المنافسة والتنازلات داخل الإجماع العام الذي انطلاقا من رؤيتها بأن هناك إجماعا عاما حول أهداف المجتمع وآلية العمل الديمقراطي. وتذهب نظرية التعددية الجديدة إلى أن بعض الجماعات في المجتمع أكثر نفوذا من جماعات أخرى، وأن مقارنة حجم السلطة التي تمتلكها الجماعات بوصفها متساوية تعني تجاهل الصورة العامة ككل. تتضمن صيغة السؤال التي يحملها عنوان هذا الفصل: هل هو علم اجتماع سياسي جديد لعالم جديد؟ نوعا من غياب الإجابة الواضحة، وذلك من خلال البحث في مسألتين هامتين تتعلقان بوضع الطبقة في العالم المعاصر من جهة، ومن جهة أخرى تسعى لمعرفة مدى استمرار المؤسسات في اتخاذ القرارات البشرية. النظريات الأولى التي يتناولها الكتاب هي نظريات السلطة في الحياة اليومية، على الرغم من إدراك أصحابها لضرورة تحديد معنيي السلطة والسياسة. وعلوم الاجتماع التفسيرية التي سعى أصحابها إلى البحث في دور السلطة في الحياة اليومية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©