الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ملتقى الحرف.. عرس تراثي يفتح صفحة مضيئة على التاريخ

ملتقى الحرف.. عرس تراثي يفتح صفحة مضيئة على التاريخ
12 مارس 2013 19:52
في تظاهرة ثقافية تحتفي بالموروثات الشعبية وتستقرأ فصولاً من التراث الحضاري والإنساني للبيئة المحلية، اجتمعت في أحضان قلب الشارقة، للمرة السابعة على التوالي فعاليات ملتقى الحرف التراثية، الذي نظمته مؤخراً إدارة التراث في دائرة الثقافة والإعلام بالتعاون مع هيئة الاستثمار والتطوير «شروق» في الإمارة، لتستعيد من خلاله إحياء مفردات قيمة تعزز من أواصر الانتماء للهوية وتكرس مفاهيم الاعتزاز بماضي الآباء والأجداد. تحت شعار «الألعاب الشعبية»، جاءت احتفالية هذا العام لترصد كل ما من شأنه أن يؤرخ للزمن الماضي الجميل، ويبني جسوراً للتواصل بين الأجيال، حيث تسلط الأضواء على مكون مهم من مكونات الحياة الاجتماعية التي كانت سائدة في البيئة المحلية القديمة، ما يتيح الفرصة لفئات المجتمع للتعرف إلى معطيات التراث الإنساني وخصوصية ثقافة سكان المنطقة آنذاك، حيث يقول مدير التراث والشؤون الثقافية في دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة عبدالعزيز المسلم: هو عرس تراثي سنوي نحتفي به من عام لعام، لنختار في كل دورة من دوراته شعاراً وموضوعاً محدداً، حيث نركز من خلاله على إحياء جزء من أجزاء التراث، فنفتح صفحات مضيئة من تاريخنا وحضارتنا التي تميزنا وتحدد هويتنا الخليجية والعربية. وعن أهداف الملتقى، أضاف: في النسخة السابعة من ملتقى الحرف التراثية لهذه السنة، فضلنا إعادة الاعتبار لمفهوم الألعاب الشعبية، التي تعبّر في إطارها العام عن منظور اجتماعي كبير وقيمة إنسانية مهمة، فتعكس جوانب وصوراً من الممارسات المعيشية وأسلوب الحياة وطبيعة الشعوب، كونها ترتبط بشكل أو بآخر بتاريخ المكان وجغرافيته والظروف الحياتية للسكان والأهالي القاطنين فيه. اختلاف البيئات ولفت إلى أنه عادة ما تأتي الألعاب الشعبية لمجتمع ما منسجمة ومتلائمة مع طبيعة حياته وبيئته المحلية ومحيطه العام، فسكان الجبال، على سبيل المثال، لهم ألعاب تختلف عن سكان المناطق الساحلية، وأهل البحر والصيد، أو السكان المزارعين في المناطق الزراعية والبساتين، أو حتى البدو في المناطق الصحراوية؛ لأن الألعاب الشعبية ترتبط ارتباط وثيقاً بالمعطيات البيئية ونوعية المهن والحرف اليدوية التي يمتهنا أهل المنطقة، كما أنها تنتمي عادة لنتاج ما تطرحه هذه البيئات المتنوعة من مواد أولية ومخلفات منزلية وبقايا فائضة من مختلف الصناعات المحلية والموارد البيئية والأشغال اليدوية وخلافه؛ لذا نجد فروقاً وتنوعاً في الألعاب الشعبية من مكان لآخر ومن بلد لبلد. وتقسم الألعاب الشعبية تقسم عادة إلى ثلاثة أقسام، منها ألعاب عضلية وبدنية، فيها نشاط حركي وممارسات رياضية، ومنها ألعاب ذهنية تختبر المهارات العقلية واستراتيجية التفكير ومعدلات الذكاء والذاكرة، وثالثة تعد من الألعاب التركيبية، التي تعتمد على القدرات الابتكارية والنتاج الإبداعي والفني للشخص، حيث يصّنع ويّركب ألعابه الخاصة من المواد المتوافرة له في بيئته المحيطة. تجارب غنية وتضمن الملتقى العديد من الفعاليات والأنشطة المصاحبة لأيامه التسعة، مركزاً على ثقافة الألعاب الشعبية ومدلولاتها في مختلف الحضارات الإنسانية، لتقدم من خلاله مجموعة من أوراق العمل المتخصصة في هذا المجال، التي تطرح آليات وتجارب غنية لبعض الدول والبلدان العربية والأجنبية، من تلك التي حققت نتائج طيبة وجعلت من الألعاب التراثية لشعوبها نقاط جذب واستقطاب جماهيري واقتصادي وتجاري، حيث قال المسلم عن هذه التجارب والدراسات: نحن تعلمنا من واقع الخبرة أن نبدأ من حيث ينتهي الآخرون، وأن نستفيد من خلاصة التجارب الناجحة التي خاضتها دول لها باع طويل في ترقية مجالات التراث والحضارة والتاريخ، بحيث نستقرأ تجربتهم ونتدارس مراحل تطوراتها، فنقف على السلبيات والإيجابيات فيها، لنأخذ منها ما يلائمنا ثم نضيف عليها بعد ذلك تصوراتنا ولمساتنا الخاصة، مرتقين بعملنا بشكل أكثر انسجاماً مع معطياتنا المحيطة، بحيث يكون معّبراً عن خصوصية ثقافتنا المحلية ويعكس أوجه تراث شعبنا الأصيل، فعلى سبيل المثال طرحت أثناء الملتقى مجموعة من الندوات وحلقات الدرس التي استعرضت التجربة الإيطالية والتونسية في حقل الألعاب الشعبية، فهذه الدولتين على وجه الخصوص كان لهما الفضل في خلق مفهوم حضاري وثقافي للعبة الشعبية، وحققتا نتائج ملموسة في سبل تنميها، ترقيتها، وإعادة الاعتبار إليها، بغرض إدخالها من جديد ضمن اهتمامات الأجيال الصغيرة، ولتنشر وتعمم بين فئات المجتمع كافة. ذاكرة ثقافية وحسب عبدالعزيز المسلم، ففي إيطاليا مثلاً يقام أولمبياد خاص ودورية للألعاب الشعبية يحتفي بها كل أفراد الشعب، وتنظم لها فعاليات وورش عمل ومسابقات حماسية يشارك بها الأطفال والناشئة، بهدف إعادة إحيائها والمحافظة عليها وتوريثها، فعن طريق الألعاب الشعبية من الممكن نقل الذاكرة الحضارية من جيل لجيل، ليحتفظ المجتمع بهويته الثقافية وتراثه الإنساني، أما التجربة التونسية، فقد حققت هي الأخرى إنجازاً لافتاً، فنجحت في استثمار التراث وجعل ألعابها الشعبية الموروثة شأناً تجارياً واقتصادياً يدر عليها الربح والفائدة، من خلال رصد عدداً من اللعبات التراثية القديمة، وإعادة إنتاجها كسلع تجارية تباع في الأسواق والمحال بعد نشر قواعد لعبها وتعميمها بين الناس. لغة مشتركة وحول وجود الكثير من القواسم المشتركة أحياناً في العديد من الألعاب الشعبية المنحدرة من مختلف البلدان والثقافات، قال: إن ذلك ما يدلل في رأيه إلى حقيقة ثابتة ألا، وهي أن الألعاب الشعبية هي بالفعل لغة مشتركة بين مختلف الشعوب والحضارات، وأن هناك فعلياً جسور تواصل إنساني وفكري وثقافي بين الكثير من المجتمعات بغض النظر عن بعدها المكاني والزماني والبيئي والأيدلوجي، لافتاً الانتباه إلى تجربة الإمارات في مجال الألعاب الشعبية. وقال: نحن في السنوات الأخيرة، وتحديداً من الشارقة، كان لنا الكثير من البرامج والأنشطة التي تستعيد المفردات التراثية للألعاب الشعبية، مجددين من خلالها موروثاتنا التاريخية والحضارية، لننقل أجزاء من ذاكرتنا الثقافية والتراثية للزمن الحالي، ولهذا الغرض تم تأسيس بيت الألعاب الشعبية في الإمارة، وتكونت من خلاله فرق من الأطفال والناشئة من البنين والبنات، وحيث ترصد من هناك جملة من الألعاب القديمة التي كان يمارسها جيل الآباء والأجداد، لتعاد صياغتها وتنظيمها وتعليم قواعد لعبها للأجيال الجديدة. وبين أنه عبر القيام بالكثير من الدورات وورش العمل والزيارات الميدانية لمختلف المدارس والأماكن العامة، لاحظنا أن هناك اهتماماً ملحوظاً ومطرداً بهذا النوع من الألعاب، فأصبحنا مؤخراً نستقطب انتباه الصغار ونجتذبهم لدخول هذا العالم الجميل، بحيث نربطهم شيئاً فشيئاً بهويتهم الوطنية وانتمائهم الثقافي والتراثي، لافتين نظر أولياء الأمور على وجه خاص لأهمية تشجيع الأبناء على الانخراط في هذه النوع من الأنشطة، منوهين بطبيعة الألعاب الشعبية ودورها الإيجابي على الصحة النفسية والذهنية للأطفال، وكيف أنها تساهم في دفعهم للارتقاء والتطور، وكونها أيضاً تتضمن النشاط الحركي وإعمال العقل وتحفيز الذهن واستخدام المهارات والطاقات الإبداعية، بالإضافة إلى أن ممارستها تنمي الشخصية وتقويها وتبث الثقة بالنفس وتجعل الطفل أكثر انفتاحاً وتجاوباً مع أقرانه وعالمه المحيط، بعيداً عن الانعزال في الغرف المغلقة والتسمر أمام الشاشات وإدمان الألعاب الإلكترونية بشكل مرضي وغير صحي على الإطلاق. ورش حية وتضمن الملتقى التراثي كل ما هو أصيل، مفيد، وممتع، حيث أشار المسلم إلى أن الفعاليات حاولت استعادة مفردات مندثرة من ألعابنا الشعبية المورثة من واقع بيئتنا المحلية، ونظم لهذا الغرض جملة من ورش العمل الحية المباشرة، التي أشرف عليها نخبة من خبراء التراث المحلي والخليجي في المنطقة، من تلك التي تتخصص بمجال صناعة اللعبة الشعبية بأصولها وأدواتها القديمة كافة، ومنها ورش عمل لتصنيع ألعاب الفتيات، وأخرى تهم فئة الفتيان، بمشاركة فعالة من مجاميع الأطفال والناشئة الذين كانوا في قمة المتعة والحماس، كونهم دخلوا في تجربة جديدة ومدهشة من الإبداع اليدوي، مختبرين شيئاً من مهاراتهم الفنية وقدراتهم الذاتية في صناعة لعبتهم الشخصية من مواد بسيطة ومتوافرة في إطار بيئتهم المحيطة، مع بعض من المخلفات المنزلية والمهملات. مشروع جديد لتصنيع الألعاب الشعبية تحضر إدارة التراث التابعة لدائرة الثقافة والإعلام في الشارقة حالياً لمشروع جديد لتصنيع عدد من الألعاب الشعبية الإماراتية المستنبطة من التراث المحلي، والتعريف بها وتسويقها تجارياً، كما تم مؤخر إنشاء فريق محترف وتنظيم عدد من الورش العملية والفصول التدريبية مع المدرب يوسف أحمد يوسف لتعليم قواعد لعبة «الدامة» التراثية، التي تعد من الألعاب الذهنية الشبيهة برقعة الشطرنج وتحتاج إلى استراتيجية التفكير والذكاء، بالإضافة للتعاون المشترك بين إدارة التراث ومجلس الشارقة للتعليم. ويأتي ذلك بغرض العمل على إطلاق مشروع أكاديمي ريادي جديد، بحيث يدخل التراث كمادة تعليمية ونشاط تربوي ضمن البرامج اللاصفية في المدارس، لتوثيق صلة الناشئة ببيئتهم المحلية وربطهم بتراثهم الإنساني وماضيهم الأصيل. صناعة الدمى والألعاب من المواد المهملة تعلمت مجموعة من الفتيات، خلال ملتقى الحرف التراثية، كيفية صناعة الدمية الصغيرة، التي توارثنها من ماضي الجدات، بموادها الأولية البسيطة ومظهرها المبهرج الجميل، لتوظف عبرها بعضاً من بقايا الأقمشة والخيوط الصوفية وفروع السعف وخلافه، محققات نوعاً من الابتكار الفني والنوعي في هذا المجال. كما كانت هناك ورش أخرى لصناعة الألعاب التركيبية من مواد مهملة من مخلفات البيئة، كبعض العلب الفارغة وقطع الكرتون والحبال القديمة وأعواد الكبريت، التي شكلت العديد من المجسمات والألعاب التركيبية الفنية التي يعشقها عادة فئة الفتيان. وفي المحصلة، كان الغرض من وراء إقامة هذه النوع من الورش والدورات التراثية، بقصد توجيه ذهنية الجيل الجديد من النشء إلى الطاقات والنواحي الإبداعية والابتكارية الكامنة في جماليات العمل اليدوي، وتشجيعاً لهم للتحلي بثقافة إعادة التدوير والاستفادة من المهملات والمخلفات البيئية، وتوظيفها في مخرجات فنية ومشغولات ومنتجات، كما حققنا أهداف مهمة لنواحي التعريف بالألعاب الشعبية المستلهمة من التراث، وقيم الرجوع للأصول الاجتماعية والتاريخية التي تميز ثقافة وحضارة سكان المنطقة.
المصدر: الشارقة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©