الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مسالمة

مسالمة
2 أغسطس 2009 00:46
أزعم أنني أحد أكثر الناس مسالمة على وجه الأرض، ولو كانت ثمة جائزة نوبل مخصصة للسلم الآدمي، وهو غير السلام المسيس، لكنت أحد المنافسين الخطيرين، والمرشحين الجديرين بالفوز بها. مع ذلك، وربَّما بسببه، فأنا أعاني من خصومة الآخرين غير المبررة. بعض الناس أخصام لي، ولست أجد صعوبة في تعليل خلفيات مواقفهم، لا تعوزني البراعة السيكولوجية البريئة لتحليل دوافعهم الدفينة، واكتشاف الخلل البنيوي في مركبات نقصهم المتنوعة، وسبر أغوار ذواتهم وصولاً إلى رصد النقاط القصية في كهوف طفولاتهم المظلمة، بل يسعني، استناداً إلى الإرث العلمي الخطير لصديقي سيجموند فرويد، أن أشخِّص أنواع الفيروسات العدوانية سواء المتوارثة، أو تلك التي تسللت إلى أعماق اللاوعي منهم، فأورثتهم استعداداً فطرياً للشقاق نالني منه النصيب الأوفى. أيضاً: بقليل من المتابعة السوسيولوجية الدؤوبة لمسار أدائهم السلوكي يمكنني البرهان، وبالملموس، أنَّ خصومي لا يتسمون بقسوة مفرطة حيالي فقط، بل هم مشاريع أعداء للبشرية قاطبة، وإذا أردتم إيجازاً أيديولوجياً معبراً، فأنا لا أجد صعوبة في تصنيف هؤلاء بوصفهم جائحة سلوكية إنسانية شاملة تستدعي التصدي لها جراء خطورتها على الحياة الهادئة الحالمة.. كان بوسعي (وبودي) أن أفعل ذلك وأكثر لولا أنني مسالم، وحريص على نيل الجائزة فور إبصارها النور.. المسألة، على صعوبتها، كان يمكنها أن تكون بسيطة لو أنَّها اقتصرت على الخصوم وحدهم، لكنَّ الأصدقاء أنفسهم ليسوا أقل حدة في هذا الشأن، فهم متقلبون كذلك، ولديهم الكثير من البواعث الكامنة التي تحرضهم على التحول المفاجئ، قدامى الحكماء أخبرونا أنَّ الصديق، إذا انقلب قلبه، كان أعلم من العدو بالمضرة. هكذا تعيَّن عليَّ أن أخوض الكثير من التجارب المخيبة للود، وأن أتلقى العديد من الصفعات الصديقة الصارخة، حتى أستوعب فحوى ذلك الإعلان المعلق في حافلة كانت تتولى نقلي إلى المدرسة، حيث إستقرت لوحة مزخرفة فوق رأس السائق، كُتب عليها بخط أنيق: «ربِّ نجني من أصدقائي.. أمَّا أعدائي فأنا كفيل بهم». المفارقة أنَّ صلتي بالسائق نفسه، وبالرغم من تشابه مفترض في التجربة المعاشة، ظلت قاصرة عن تجسيد النقاء المتوقع... للحكاية تتمة لا تقل سوداوية عما سبق منها، ذلك أنَّ الأمان النفسي المنشود يظل عزيزاً عسيراً حتى في كنف الأهل والخلان، هؤلاء أيضاً تراهم يتربصون بالمرء حباً، وهم لا يرون فيه أكثر من امتداد أمين لهم، يعيبون عليه أي خروج مهما كان بسيطاً عن الدرب التي رسموها له قبل أن يأتي إلى هذا العالم، لا أذكر من القائل أنَّ الأحبة هم أيضاً خصوم يصعب التخلص منهم، ربمَّا ليس هناك من قائل أصلاً، ولعلني أنسب مقولة من عندياتي إلى مجهول حتى لا أتحمل تبعاتها.. هكذا أمكنني، أنا المسالم حتى الثمالة، أن أتولى ترسيم الحدود مع كل خصومي المباشرين منهم والمستترين، لكن ما يقلقني أنني بدأت مؤخراً أعيب على نفسي بعض التصرفات والمواقف، ما أخشاه حقاً أن يتفاقم الوضع وأفقد السيطرة على اختصامي مع ذاتي، فيتسرب الخبر إلى الملأ، وتضيع عليَّ الجائزة.. علي العزير
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©