الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المصريون يجلدون الفاسدين بـ «سوط» النكتة اللاذعة

المصريون يجلدون الفاسدين بـ «سوط» النكتة اللاذعة
15 مارس 2011 19:59
تشق النكتة طريقها في الشارع المصري هذه الأيام لتعكس ملامح مشهد جديد تشكل مع ثورة 25 يناير الماضي، وما تبعها من تغيرات كثيرة جعلت النكتة ملجأً أخيراً يستجير به المصريون من الصدمات التي تلقوها فور اكتشافهم كم الفساد الذي كانوا سائداً في عهد النظام السابق والمتورط فيه شخصيات بارزة من مسؤولين كبار ورجال أعمال ووزراء، ما جعل النكتة على أفواه المصريين في المقاهي والشوارع وأماكن العمل محاكمة شفوية فورية للفاسدين. السخرية من الظروف في القاهرة لا تندهش إذا باغتك أحدهم بقوله: سمعت آخر نكتة، فتأكد أنك ستستمع إلى دعابة أو سخرية عن المسؤولين السابقين بعد قرار النائب العام بالتحفظ على أموالهم وحبسهم وإحالتهم للمحاكمة بتهم الفساد ونهب المال العام، فراجت نكات من نوعية «في السجن سألوا امبراطور الحديد أحمد عز عن ثروته الكبيرة من أين جاء بها، فقال من فضل ربي فخرج له الشيطان قائلاً يا ناكر الجميل». وأخرى تقول «أحمد عز نفسيته تعبانة قوي وعندما سألته إدارة السجن عن السبب، قال: يا جماعة بجد أنا زعلان إزاي الكلابشات اللي في إيدي مش من حديد عز؟». والشعب المصري عرف بين شعوب العالم بأنه «ابن نكتة «؛ لكونه لا يترك مناسبة إلا ويستغلها للسخرية من ظروف تحيط به لذا كان من اللافت تأمل نوعية أخرى من النكات ربط فيها المصريون بين ما كان يقوم به رجال النظام السابق، فهذه نكتة تتندر بما دار في الانتخابات البرلمانية الأخيرة من تزوير فاضح وتقول النكتة «رفض أحمد عز الترشح في السجن لأن السجن تحت إشراف قضائي واعتذر بلطف؛ لأنه لا يوجد تزوير». وعن تفاخر حبيب العادلي الدائم في المؤتمرات الصحفية بأن وزارته نجحت في محاربة تجارة المخدرات خرجت تلك النكتة «مبارك بيقول للعادلي مبسوط ياخويا منعت الحشيش والبانجو أهو الشعب فاق عليا وخلعني». وربما هي المرة الأولى منذ حرب 67 التي لم تعد النكتة في مصر تقال لمجرد الضحك فقط وإنما كوسيلة للعقاب بعدما سبق أن عاقب المصريون رموزهم عقب نكسة 67 بنكات لاذعة شديدة القسوة دفعت الرئيس عبدالناصر آنذاك إلى دعوة المصريين للكف عن جلد الذات كي يتمكن من إعادة تجهيز القوات المسلحة لحرب الاستنزاف. ولكن الظرف هذه الأيام مختلف فما حدث للمصريين ليس اعتداء خارجياً، بل داخلياً من رجال النظام السابق؛ لذا فالنكات عن الرئيس السابق تأتي في صدارة ما يتندر به المصريون هذه الأيام فإحداها تقول «أن تعطي ابنك موبايل فأنت لطيف وان تعطي ابنك سيارة فأنت كريم وان تعطي ابنك بلدا وشعبا ليلعب بهم هو وأصحابه فأنت مبارك». أقدم نكتة لعل الكثيرين لا يعرفون أن المصريين أصحاب أقدم نكتة في التاريخ،‏‏ كما أوضح ذلك المؤرخ الراحل د. سليم حسن في موسوعته الشهيرة عن مصر الفرعونية، حيث إن أول نكتة في التاريخ قالها مصري قبل ‏4550‏ عاماً على جدران المعابد المصرية وتحكي أن «أحد كتبة فرعون كان يعمل في غرفة بمعبد (تحوت) فأزعجته الجلبة المنبعثة من الغرفتين اللتين تحيطان بغرفته، وكان يقيم في إحداهما نجار وفي الأخرى حداد ولما أوشك أن يجن من الضوضاء قصد النجار ودفع إليه مبلغاً من المال لكي يغادر غرفته إلى غرفة أخرى ثم فعل ذلك مع الحداد وقبل الرجلان وفي اليوم التالي انتقل الحداد إلى غرفة النجار وانتقل النجار إلى غرفة الحداد!» وترى خبيرة علم الاجتماع السياسي د. هدى زكريا أن النكتة التي تزدهر حالياً بين المصريين تعكس وجهة نظر البسطاء، وهي تعبير صادق عما يحس به الشعب من ضيق، وهي دليل على أن المجتمع يقظ ويدرك ما دار ويسعى للقصاص على طريقته ممن أفسدوا حياته. وتقول «الشعب المصري عريق وله خبراته وتجاربه التي تجعل تعامله مع الحياة متفرداً‏‏ ومن ثم فتعامله مع ثورة 25 يناير وفضح المفسدين يختلف مع تعامل الشعوب الأخرى في أحداث مشابهة، بدليل كم النكات التي تحمل في مضمونها ما استقر في يقين الشعب تجاه زمرة ممن كانوا في سده الحكم فتصفهم النكات صراحة بما يليق بهم». ويرى الدكتور هاشم بحري، أستاذ الطب النفسي بجامعه الأزهر، أن النكات المتداولة في مجملها وسيلة نفسية لإقناع من يرددها برفض الواقع المعيش ووسيلة بسيطة ومتاحة للانتقام ممن نهبوا ثرواته؛ فتداوي جزء من جروحه وتواسي نفسه الغارقة في هول ما يعانيه ومن خلالها يتغلب المجتمع على مشاعر الضيق والكآبة التي تعتريه. ومعنى ذلك أنها إحدى وسائل التعبير عن الانفعالات وإطلاقها وأنه يمكن استنتاج طبيعة الشحنة الانفعالية من خلال مضمون النكتة، فالغضب مثلاً يمكن التعبير عنه بنكتة عدوانية فيها التهجم والسخرية، وقد يظهر السخط في نكتة فيها مسحة من الأسى، وهكذا فيعمد الشعب المصري للتنفيس عن كل ذلك بإطلاق النكات اللاذعة والاستماع إليها وإعادة ترديدها ونقلها لأكبر عدد من الناس.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©