السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«الحكواتي» الذي حّول قصائده «مسرحاً»

«الحكواتي» الذي حّول قصائده «مسرحاً»
11 مارس 2015 23:14
محمد عبد السميع (الشارقة) فقدت الساحة الشعرية العربية الشاعر الذي أبهج الناس ردحاً من الزمن، ومثلت قصائده صورة متحركة للحارة الشعبية الخليجية وشخصياتها ويومياتها التي أداها شعراً بأسلوب مسرحي فكاهي. توفي الشاعر البحريني المعروف عبد الرحمن رفيع عن عمر ناهز الـ 79 عاماً، بعد فترة قضاها في المستشفى منذ منتصف شهر ديسمبر 2014. ويعتبر الشاعر الراحل الذي ولد في المنامة عام 1938، وتوفي ليلة أمس الأول، واحداً من الرواد الذين زخروا بالقصيدة والمعنى، وواحداً من أهم الأسماء الشعرية سواء على مستوى الساحة الأدبية والإعلامية البحرينية أو الخليجية والعربية، وفاز بمجموعة من الجوائز الأدبية، ومنها الجائزة الأولى لمسابقة «هنا البحرين»، فضلاً عن مشاركته في العديد من الأمسيات الشعرية والمقابلات التلفزيونية والإذاعية، وشغل عدداً من المناصب الرسمية. وتميز بالمزاوجة في إشعاره بين اللهجة العامية واللغة العربية الفصحى ومحاكاته واقع المجتمع الحديث مع القديم، يأخذ في كثير منها الجانب الهزلي. في حي الفاضل سنة 1938، في بيت يجاور مسجد عبد الرزاق، أبصر عبد الرحمن رفيع النور، ليكون أحد الأصوات المؤثرة في الساحة الخليجية والعربية. خرج رفيع ليقول كلاماً غير الكلام المتداول المألوف، ويطرح أسئلة من واقع يعيشه مستفسراً باحثاً وصوتاً مختلفاً مغايراً غير مسبوق في طرحه ورؤيته. عن نشأته يقول رفيع: ولدت في المنامة سنة 1938، في بيت متمسك بالدين تمسكاً كبيراً، كان الكتاب الوحيد الموجود في منزلنا هو القرآن الكريم، وكنت محباً للقراءة، ووراقاً بالفطرة، إلى درجة أنهم كانوا ينادونني على المائدة وأرفض لإكمال الفصل أو الفقرة.. الحقيبة كانت منعطفاً كبيراً في حياتي المستقبلية. وأنهى رفيع تعليمه الابتدائي والثانوي بالبحرين ثم التحق بعد ذلك بجامعة القاهرة للدراسة في كلية الحقوق، إلا أنه قطع دراسته ليعود إلى البحرين، ويعمل معلماً في وزارة التربية، ثم انتقل بعد ذلك إلى العمل في وزارة الإعلام. واشتهرت قصائده على مستوى منطقة الخليج لما تتسم به مفرداته من البساطة والمباشرة، ومن أشهرها قصائده «سوالف أمي العودة»، وقصيدة «البنات»، وغيرها من القصائد، ليمتلك خلال الفترة الطويلة، في خدمة المجال الأدبي والشعري، قاعدة واسعة من الجمهور على المستوى الخليجي. وصدرت للشاعر باللغة العربية الفصيحة دواوين «أغاني البحار الأربعة»، و«الدوران حول البعيد»، و«يسألني؟»، و«ولها ضحك الورد»، وفي العامية «قصائد شعبية»، و«سوالف دينا»، و«ديوان الشعر الشعبي»، و«العرب ما خلو شي». وكتب الراحل العديد من القصائد العامية الكاريكاتيرية مثل: الله يجازيك يا زمان وزمان المصخره وأمي العودة والبنات، وذهبت بعض جمله الشعرية أمثالاً يتداولها أبناء بلدان الخليج، وهو ما جعل منه شاعراً محبباً على المستوى الخليجي. يقول رفيع: «إن الشعر الشعبي يمتاز بأنه يخاطب جميع الفئات، ويشبهه بـ(الخبز الساخن)»، لافتاً إلى أنه يمتاز عن الشعر الفصيح بمخاطبته الشريحة الأوسع «هو لغة التخاطب اليومية، وأروع مثال على ذلك العامية المصرية، تربينا عليها وتعلمناها من الأفلام والمسلسلات المصرية، فاللهجة المصرية مأهولة بالشعر»، ويعطي مثالاً على ذلك مقاطع من رباعيات صلاح جاهين. الكثير من متابعي الشاعر الكبير عبد الرحمن رفيع لا يعرفون أنه اشتغل في مجالات فنية أخرى غير الشعر، منها كتابة مسرحية «زمان البطيخ» التي قدمها نادي الاتحاد الشعبي أوائل السبعينات، وكتابة أغاني مسرحية «عامر والقرد»، قدمها مسرح أوال من إخراج قحطان القحطاني في السبعينات كأول مسرحية أطفال في البحرين، وكتب مقدمة مسلسل «عجايب الزمان» لتلفزيون البحرين، ومن إنتاج حمد الشهابي، وكتب الأغنية البحرينية الناجحة التي لحنها وغناها الفنان الكبير أحمد الجميري. إنه شاعر من الزمن الجميل، من الأيام الخوالي التي كانت تشع بعبق التراث، تشدك كلماته وأشعاره من دون أن تشعر، إلى الحارة الخليجية، حيث شخصيات الشاعر التي ظلت منتصبة طيلة 60 عاماً في شعره ومساجلاته، حيث استطاع أن يحركها ويلاعبها بما يشبه المسرح الشعري المتقن الأداء، فبدت قصائده حافلة بالمشاهد المتحركة لشخصيات من البيئة المحلية، تحكي وتساجل وتناقش وتدافع، في حوارات هزيلة تارة، وجادة تارة أخرى، ولكنها لاذعة من خلال الرسالة التي تحاول إيصالها. وهو الشاعر الذي انحاز للقرية، وأزقتها، وشخصياتها، وتشابك العلاقات بين أفرادها، وراح ينسج منها الحكايات على هيئة قصائد شعبية ممسرحة، تروي جانباً من الحياة اليومية، وتؤدي عملاً استعراضياً، أبطاله شخصيات نسجها عبد الرحمن رفيع في قصائده، مستخدماً لغة ترتقي على العامية، وهي دون الفصحى، يصطلح على تسميتها بـ«اللغة الوسطى»، كما قال ذات مرة في منتصف التسعينات من القرن الماضي، مستحضراً رسالته التي يحملها ويتفانى من أجلها، وهي الوصول للناس وإسعادهم. يقول الشاعر عبد الرحمن رفيع في إحدى تصريحاته: «مشكلة شعري أنه مسموع أكثر منه مقروءاً، وهذه مشكلة العامية، فشعري يعتمد على الأذن».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©