الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

علم البيان «11»

8 يونيو 2016 23:28
كان ابن قتيبة يعتبر كل نقل استعارة، مما يدل على ذلك قوله إن من الاستعارة في كتاب الله «يوم يكشف عن ساق»، أي عن شدة الأمر.. وأصل هذا أن الرجل إذا وقع في أمر عظيم يحتاج إلى معاناته والجد فيه شمر عن ساقه، فاستعيرت الساق في موضع الشدة، وهذا يدخل في باب الكناية البلاغية، وهي لفظ لا يقصد منه المعنى الحقيقي، وإنما معنى ملازماً للمعنى الحقيقي، أو هو لفظ أطلق أريد به لازم معناه لا أصل معناه. ومن الكناية قوله تعالى «وثيابك فطهر»، أي طهر نفسك من الذنوب، فكنى عن الجسم بالثياب، لأنها تشتمل عليه، قالت ليلى الأخيلية وذكرت إبلاً: رَمَوْهــــا بأَثــــــوَابٍ خِفَـــــافٍ فـــــلا تَرَى لهـــــا شبهــــــاً إلا النعـــــام المنفــــــرا فقد ذكرت ليلى الأثواب وأرادت الرجال الذين ركبوا الإبل فرموها بأنفسهم، وذلك على طريق المجاز المرسل لعلاقة المجاورة كما هو واضح. ومن المبالغة قوله تعالى، «فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين»، وتقول العرب إذا أرادت مهلك رجل عظيم الشأن، رفيع المكان، عام النفع، كثير الصنائع: أظلمت الشمس له، وكسف القمر لفقده، وبكته الريح والبرق والأرض، ويريدون المبالغة في وصف المصيبة، وأنها قد شملت وعمت، وليس ذلك بكذب، لأنهم جميعاً متواطئون عليه، والسامع له يعرف مذهب القائل فيه. وهكذا يفعلون في كل ما أرادوا أن يعظموه، ويستقصوا صفته، ونيتهم في قولهم «أظلمت الشمس» أي كادت تظلم، و«كسف القمر» أي كاد يكسف، وبمعنى كاد همَّ أن يفعل ولم يفعل، وربما أظهروا «كاد». وعقد ابن قتيبة باباً سماه «المقلوب»، وجعل منه أن يقدم ما يوضحه التأخير، ويؤخر ما يوضحه التقديم، ومن المقدم والمؤخر قوله تعالى «الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب، لم يجعل له عوجاً قيماً» وأراد: أنزل الكتاب قيماً، ولم يجعل له عوجاً. وعقد باباً آخر «للحذف والاختصار» وباب الإيجاز بنوعيه إيجاز القصر، وإيجاز الحذف، وباباً لتكرار الكلام والزيادة فيه، وهو الأطناب، وجاء في لسان العرب أن الأطناب هو البلاغة في المنطق والوصف مدحاً كان أو ذماً، وأطنب في الكلام بالغ فيه، والإطناب المبالغة في مدح أو ذم والإكثار فيه، والأطناب في الاصطلاح البلاغي هو زيادة اللفظ على المعنى لفائدة. وباباً «للكناية والتعريض»، والتعريض تستعمله العرب في كلامها كثيراً فتبلغ إرادتها بوجه هو ألطف وأحسن من الكشف والتصريح. والتعريض هو المعنى المدلول عليه بالقرينة دون اللفظ أو هو المعنى الحاصل عند اللفظ لا به، أو هو لفظ استعمل في معناه للتلويح بغيره. والتعريض أخفى من الكناية، لأن دلالة الكناية لفظية وضعية، ودلالة التعريض من جهة المفهوم لا بالوضع الحقيقي ولا المجازي، والكناية تشمل المفرد والجملة، أما التعريض فلا يكون إلا في الجمل لأنه لا يفهم المعنى فيه من الحقيقة أو المجاز، إنما يفهم من جهة التلويح والإشارة. * المرجع البيان العربي - دراسة في تطور الفكرة البلاغية عند العرب ومناهجها ومصادرها الكبرى - تأليف الدكتور بدوي طبانة طبعة منقحة 1972م. إياد الفاتح - أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©