الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عالم مُركّب لا مُسطّح

12 مارس 2012
بود المرء أن يرى العالم «مسطحاً» بفضل تطورات التكنولوجيا والمعارف دون اعتبار للجغرافيا والمسافات، وأن يقاد تطوير الاقتصاد وحركة الحياة من قبل شبكة افتراضية من الأفراد الذين يكيفون أنفسهم بسرعة مع التقنية في وقت يتراجع دور الدول في هذا الشأن بما فيها دور الأكثر تقدماً وقوة منها. لكن ذلك صعب التصديق، مع كل الاحترام لجميع الحجج التي ساقها توماس فرديمان صاحب المصطلح، في كتابه «العالم مسطح/ تاريخ موجز للقرن الواحد والعشرين»، والاحترام لكل الشهرة التي حققها والتأثير الذي تركه ولا يزال على عدد لا ينتهي من أدبيات السياسة والعلوم. إن مشهد إعداد وكتابة برمجيات الحاسوب لشركة معلوماتية أميركية في شركة هندية في مدينة بنجالور سيكون مؤثراً بالطبع لدرجة تجعل كثيرين مثل فرديمان يتوقفون عنده، ولكنه قابل لأكثر من فرضية واستنتاج. ولا شك أن كل أميركي ملتزم سيتأثر ويشعر بفخر وهو يجد في بنجالور، أو أي مدينة أخرى من الشرق الذي شكل دائماً محفّز أحلام شتى للمستشرقين وعديد من الغربيين، هنوداً تحولوا إلى أميركيين. أنا شخصياً التقيت في أكثر من مكان بعدد من الشباب الهنود (وغيرهم، والكثيرين من العرب طبعاً) الذين يُهيّأ إليك أنهم «أميركيون جدد»، حتى فيسيولوجياً. ورغم أني أتوق لتغيير تركيبة هذا العالم، لكني لم أشعر للحظة أن ذلك يمكن اعتباره دليلاً على تسطح العالم، لا الآن ولا في المستقبل القريب، خاصة عندما يترك المصطلح إيحاءات بالمساواة أو بانتهاء تركيبة الامتيازات والصراعات والعلاقات الدولية المرتكزة على معادلة القوة والثروة، وطبقات الحيتان الكبيرة والأسماك الصغير وما بينهما. مثلاً، إن العلاقات التكنولوجية الممتازة بين الولايات المتحدة والهند لا تنسحب ولن تنسحب تلقائياً على باقي الدول. والأحداث المحركة لتسطيح العالم بنظر فريدمان - التي يعدد منها عشرة وهي قابلة جداً للاختصار في 3 أو 4، هي اختصاراً منا انهيار جدار برلين والإنترنت والمصادر المفتوحة للمعارف والمعلوماتية، والشراكات في تنفيذ العقود عبر الدول والذكاء الصناعي- لا يمكنها أن تجعل العالم مسطحاً بشكل تلقائي. ففي كل مكان وزمان ثمة دائماً من يسعى إلى تمركز السلطة. صحيح أن العالم قد يتجه قريباً أو اتجه فعلاً في جوانب ما نحو تعدد القطبية، وصحيح أن هناك ملامح في الأفق لعالم من دون أقطاب لصالح المنظمات والشبكات (عالم التشبيك)، ولكن ثمة دائماً تمركز يجعل العالم مركباً وبعيداً عن الشكل المستوي المسطح. حتى في عقر دار العوامل المحركة نفسها، وخاصة قطاع التكنولوجيا والتواصل الجماهيري الأفقي، حيث تُخاض – بسرعة الضوء والأونلاين- سباقات شرسة بين شركات البرمجيات والإعلام والإمساك والتحكم بأكبر قدر عالمي من البيانات. ولعل من أهم علامات عدم إمكانية العالم المستوي وتسطحه ولو قريباً، هو عجز أكثرية «مغلوب على أمرها» في العالم عن المشاركة في مثل هذه السباقات. فأنىّ للعالم أن يكون مسطحاً؟ barragdr@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©