الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

البصاص مرتبه سلّة أسرار الآخرين

البصاص مرتبه سلّة أسرار الآخرين
30 ابريل 2010 20:20
صفة اقترنت بالمخبر في بدايات استعمالاتها، فبات يشار إليه بصفته «البصاص»؛ لأنه ولكي ينجز عمله، كان عليه أن يفتح عينيه جيدا ويراقب... وفي العادة كانت لعبته مكشوفة، إذ لا سبيل لإخفائها في مجتمعاتنا الصغيرة وجزرنا الأصغر.. جاء البصاص، راح البصاص، وقف البصاص... صفة للعينين أقصت الأذنين، مع أن كلا الحاستين البصر والسمع متلازمتين في مهنته. هي حقاً مهنة يقتات منها فيحاول الإجادة في تأديتها... إلى أن سرق آخرون من غير أهل المهنة الصفة المتلازمة بالمخبر، لأنهم امتلكوا ناصيتها ببراعة... إنهم جيراننا أو نحن ... البصاصون المراقبون من دون أجر، محبو معرفة خبايا الناس من خلال ما نراه ونسمعه، نتسلى بها في أمسياتنا وخلف الجدران، ندعي أننا نعرف أكثر من سوانا... وثمة البصاصون الذين يتمتعون باكتشاف المحاسن أو تهيؤاتها... يراقبون الفتاة في مشيتها أو تراقبن الشباب في غدوهم ورواحهم، إلى درجة قد يصبح فيها فعل «البصبصة» من مجرد تمتع بالجمال، إلى إزعاج لمتلقي نتائجه، قد يقود البصاص إلى المساءلة. بصبصة معاصرة مع تطور وسائل الاتصال والتواصل، بات للبصبصة وسائل أخرى أكثر تطورا من شبكة العين والمدى الطبيعي للنظر، فثمة البصاصون على صفحات الفايسبوك، وعلى مواقع أخرى، البصاصون الذين يلتقطون فيديو بالصورة والصوت بهواتفهم النقالة من دون استئذان... تعتقد أنهم يطالعون مقالاً أو دراسة على الإنترنت، لتكتشف أن جل ما يقومون به تصويرك، معتقدين أنهم قاموا بعمل بطولي. هؤلاء لا يبصبصون إلا لرغبة داخلية وعادة باتت لديهم، فلا تقارير تصل إلى المكاتب المغلقة ولا أجر يتلقونه... وجل ما يصلون إليه أحاديث وإثباتات بالصورة والصوت لما عرفوا به عن أصحابهم وجيرانهم! يتسلون بها ويبدعون ممّا تجود به مخيّلتهم في التوليف والتحرير مع الإيحاءات التي تجعل من جمعة الأصحاب «ممتعة ومفيدة»! بطل ولكن جاء البصاص ورحل البصاص، وثمة من يتابع حياته من دون همّ أن يبصبص أو يبص عليه... وحياة البصاص الذي تطبع بطابع المخبر تقوم على حياة الآخرين... الباحث الإماراتي إبراهيم الهاشمي والقاص المصري عبدالهادي زيدان عبّرا عن رأيهما بالبصاص... المخبر الأجير، والفضولي المستبيح لخصوصيات الناس، وصاحب العادة غير المؤذية لحب معرفة ما... لا نعرف نوعها. أما الشاعرة اللبنانية ماريز يونس فوصفت البصاص بالبطل، ولذلك أسباب. أبعد من مجرد بصبصبة الباحث إبراهيم الهاشمي يقول «كان البصاص، المخبر سابقاً، يعرف حدوده المهنية، يبصبص ويتابع ويراقب لمعرفة أخبار يعتبرها مفيدة، أما اليوم فالبصاص يتجاوز البصبصة إلى التحرش، وقد يجرجر إلى مركز الشرطة اعتراضاً على مضايقاته. بصاص الأمس كان لديه شيء من الحياء أو نوع من التخفي الذي تقتضيه مهنته، أما بصاص اليوم فهو في الغالب قليل الحياء». ويعتبر أن «عملية البصبصة ككلّ تتأتى من فعل طرفين لا طرف واحد. هما البصاص والمبصوص عليه، والفعل لا يصدر عن جنس واحد، فقد بات يصدر على السواء من الرجال كما من الجنس اللطيف. وقد اختلفت أسباب البصبصة عن السابق كصفة نلصقها بأحد ما، إذ لم تعد فعلا يقام به للمراقبة وأخذ التقارير، فثمة البصاص على الشكل وثمة البصاص الذي تنتج بصبصته عن فضول داخلي لمجرد معرفة أخبار عن الآخرين لا تقدم ولا تؤخر. وثمة المبصوص عليه، امرأة أم رجل، المبهرج في طلّته والمبالغ في أسلوب اختياره للمساحيق أو العطور أو أنواع الملابس وتصاميمها، وهو وإن كان مفعولاً به، فهو بطريقة أو بأخرى يسعى كي يكون محط الأنظار ومن بينها نظرات البصاصين». فعل البصبصة يختلف بالنسبة للباحث الهاشمي حين يستتبع بأسبابه، بصبصة على جمال أو بصبصة استهجان أو بصبصة فضول أو بصبصة تحرّش أو بصبصة تعرّف. وكذلك المفعول به، المبصوص عليه، فهو إن كان فاقداً للثقة بالنفس، قد يبالغ في انزعاجه لاجئاً إلى تفحص ثيابه ووجهه ربما في المرآة، وفي اعتقاده أن ثمة ما ينقصه أو يعيّبه كي يكون مبصوصاً عليه، وهذا يختلف عن الذي يسعى كي يكون مصدرا ومسببا لفعل البصبصة لجذب الانتباه إلى شخصه. فضول جامح يعترف الهاشمي أنه من الذين لا يتمكنون من كبح فضولهم إلى البصبصة على كتاب وتقليبه إذا ما تواجد في مكتب أحد الأشخاص لوحده، فيستغل الفرصة لتقليب الأوراق، ويقول «يغريني الكتاب ومن المستحيل أن أمضي من دون أن أقلب أوراقه وإن بشكل سريع. ويقول أن «هناك رغبة كامنة عند الكثيرين في قراءة الكلمات على ورقة ملقاة على مكتب، ومن المثير للضحك أو الانزعاج، بحسب طبيعة الموقف، أن تكون المتحدث مع شخص وتبصبص على ورقة على سطح مكتبه، فيجيبك أو يتابع حواره معك وهو يقلب الورقة المتاحة أمام ناظريك كي لا تتمكن من قراءة محتواها»، ويضيف «لم ندرّب نفسنا على تحاشي مواقف مماثلة التي تعدّ اختراقاً لحرية الآخرين أو خرقاً لخصوصياتهم». مقتحم الرؤوس القاص عبدالهادي زيدان يحمل في جعبته نوعاً من الاشمئزاز، إذا لم نقل الكره والرفض التام للبصباص على اختلاف مهامه وجهاته التي يتبعها، يقول للاتحاد «ظاهرة البصاص المخبر قديمة وليست وليدة اليوم، لكن اليوم اختلفت الأدوار. قديماً كان به (البصاص) بقية من حياء، لكنه اليوم لا بقية لشيء فيه. هو الآن يمثّل مفاهيم جديدة ومنها استئساد القبح وتربع الجهل وامتطاء التخلف لصهوة حياتنا. هو عملية اغتيال للأرحام والأجنة واستباحة كل شيء في حياتنا... لأنه يقتحم الرؤوس وهو خالٍ من أي شيء... فيروس في شكل إنسان». ويضيف «بصاص الأمس وبصاص اليوم وجهان لعملة واحدة، اختلف الزيّ وبقيت الرذيلة فيهما». ويميز زيدان بين الفضول العادي الذي هو فطرة لدى الإنسان وفعل مراقبة الناس، ويقول «الفضول أمر ممكن أن أتقبّله، لكن المراقبة شيء مقزز». فاقد المجد الشاعرة اللبنانية ماريز يونس، أحبّت أن تعبّر عن رأيها بالبصاص قديماً وبصباص اليوم بمقطع نثري صاغت فيه لعبة التخفي والتحري ولعبة الأمانة والافتراس، وكتبت للاتحاد: «لطالما كان «يبصبص»، هو البطل الذي فقد مجد بطولته منذ ولادتها. نعم! هو البطل الذي لا يموت! هو التحرّي البصاص! إنما...! لطالما كانت بصبصته- على الرغم من «صدقيّتها الأمينة الحريصة»- بصبصة عذرية تحيكها الأعذار... يرتدي القناع للفريسة ليكشف للمفترس، وبين التخفي والظهور، ها هو مجدداً يلعب دور «البصاص»... كي لا تضيع الأمانة! ومرّت الأيام وتتالت الأزمنة على بصبصة التحرّي، وكان لا بد للأخير من أن يلتقي في أحدها ببصاصٍ أمانته الوحيدة فريسته، نعم، تلك التي كانت ولا تزال فريسة المفترس بعينه، إنما...! لا ثالث بينهما! فثارت غيرة التحرّي «المهنيّة»، وارتأى أن يرتدي القناع للبصاص غير المكترث لمبصبصيه... فضاعت الأمانة وتوّج البطل المتخفّي شهيداً، «كان» على لائحة الملاحقين».
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©