الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«ملحمة جلجامش».. نشيد البحث البشري عن الخلود الخُلَّبي

«ملحمة جلجامش».. نشيد البحث البشري عن الخلود الخُلَّبي
30 يوليو 2009 03:41
أصدر المركز القومي المصري للترجمة طبعة جديدة من «ملحمة جلجامش» التي ترجمها عن الألمانية د.عبدالغفار مكاوي، وراجع الترجمة على اللغة الأكادية، استاذ اللغات السامية بجامعة عين شمس د.عوني عبدالرؤوف، وكانت الطبعة الأولى من هذه الترجمة قد صدرت عام 1991 ونفدت في مدة وجيزة. والملحمة البابلية هي إحدى ملاحم العالم القديم. اكتشفت بمنطقة دجلة والفرات بالعراق منذ منتصف القرن التاسع عشر. يطلق عليها «الأوديسة البابلية» وهي ليست مكتملة الى الآن، فهناك مقاطع وأجزاء ناقصة من النص الموجود. ويقول د. عوني لا يوجد نص مماثل لها في اي من لغات الشرق القديمة سواء المصرية أو العربية. وفور اكتشافها أثارت اهتمام الدارسين والباحثين في الجامعات الغربية وكان اكتشاف معظمها من نصيب الأثريين الألمان. تتكون الملحمة من 12 لوحاً، يشمل كل منها حوالي ثلاثمائة سطر، باستثناء اللوح الاخير الذي يضم أقل من نصف هذا العدد. وقد اكتشفت ضمن خرائب مكتبة معبد الإله نايو، ومكتبة الملك الاشوري اشور بانيبال «668-627» تقريباً قبل الميلاد، وكلاهما كان في نينوى آخر عاصمة للامبراطورية الآشورية. وكان اكتشاف الملحمة بداية اهتمام بالدراسات المسمارية عموماً في أوروبا، وجرى الاهتمام بها باعتبارها التفسير الكلداني للطوفان. وفي سفر التكوين كان يطلق على «جلجامش» اسم «النمرود» وتعددت التفسيرات ما بين المتخصصين في الدراسات الشرقية القديمة وعلماء الاشوريات تحديداً. المترجم العاشق وتعامل المترجم مع هذا النص كشاعر عاشق وكأستاذ للفلسفة الألمانية المعاصرة، فالشاعر داخله يرى الملحمة نصاً أدبياً وشاعرياً عالمياً بامتياز سبق أوديسة هوميروس. والملحمة تكشف تراث الشرق المجهول والمغمور، فالغربيون عموماً يفخرون بأن «اوديب» هو أول فرد حاول أن يخرج من حصار الاسطورة والملحمة ويستقل بنفسه عن روح الجماعة متحرراً من نسيج التقاليد والأسطورة، ومن حق ابناء هذه المنطقة من العالم ان يفخروا بأن بطلهم «جلجامش» سبق «اوديب» بأكثر من الف وستمائة عام على الأقل. ويفخر الأوروبيون كذلك أن «سقراط» هو صاحب مقولة «اعرف نفسك»، وانه بذلك يعد أول من عبر عن الذاتية الوجودية الحقة حتى ان الوجوديين في القرن العشرين اعتبروه رائدهم الأول، لكن «جلجامش» كان اسبق من «سقراط» في الاستقلال الوجودي والاغتراب في سبيل ذلك. وبهذا المعنى كذلك كان اسبق من «اوديسيوس» بطل الأوديسة في التنوير. كان «جلجامش» ملكاً لمدينة «اوروك» في جنوب بابل، وسماها العرب (الوركاء). تقع اطلالها على بعد عشرين كيلومتراً من نهر الفرات، وهي واحدة من اهم المدن السومرية التي نزلت عليها نظم الملكية من السماء بعد الطوفان وآلت إليها السيادة على سائر المدن السومرية بعد انتصارها على مدينة كيش. ونسب الى «جلجامش» بناء السور العظيم للمدينة الذي أشادت بذكره الملحمة في بدايتها وخاتمتها. جلجامش الطاغية وقد تواترت حول شخصية «جلجامش» العديد من القصص والحكايات العجيبة عن طغيانه واستبداده بشعبه، وصداقته النادرة المؤثرة لوحش البرية «انكيدو» ومغامراته معه وأسفاره التي انطلق اليها بحثاً عن سر الحياة والموت والخلود ثم رجوعه الى موطنه ومسقط رأسه بعد أن أضاع «عشبة» الخلود الشائكة فتطهر واقتنع بالحدود التي لا يجوز للإنسان ان يتخطاها، مهما صورت له نفسه أو صور له الكهنوت ان ثلثيه إلهي والثلث الباقي بشري فانٍ. وهناك دراسات عديدة في الغرب عن تأثير ملحمة «جلجامش» وتحديداً اللوح الحادي عشر منها على سفر التكوين في العهد القديم، حيث تروي قصة الطوفان، بالإضافة الى تأثير بعض نصوص أدب الحكمة البابلية على سفر ايوب (المزامير). وهناك أحاديث عن تأثر «هوميروس» شاعر الالياذة والاوديسة بالملحمة التي تحولت الى نص مأثور، خاصة ان بعض شخصيات «هوميروس» فيها ملامح من شخصيات ملحمة «جلجامش»، فمن المرجح أن تأثير الملحمة والادب البابلي عموماً قد انتقل الى شعوب البحر المتوسط مثلها مثل العديد من جوانب السحر والتنجيم البابلي. وفي عالمنا العربي لابد من مزيد من الدراسات حول تأثير الملحمة وشخصية «جلجامش» على الروايات الشعبية العربية بل وعلى بعض حكايات ألف ليلة وليلة، وهذا يقودنا الى ضعف الدراسات المقارنة في الجامعات العربية فضلاً عن ان تلك الدراسات تتطلب إلماماً كافياً باللغات الشرقية القديمة وكذلك بعض اللغات الأوروبية الحديثة.. ثم هل لنا ان نطالب بدراسات مقارنة حول تأثير «جلجامش» وغيرها من نصوص وملاحم الحضارات الشرقية القديمة، مثل كتاب «الموتى» للفراعنة في الفكر الديني العربي عموماً؟. وجدت الملحمة اهتماماً كبيراً في العالم الغربي، يكفي أن لها أكثر من عشر ترجمات الى اللغة الانجليزية ونفس الشيء بالنسبة الى اللغة الالمانية وكذلك الفرنسية، وجرت حولها العديد من الدراسات اما في لغتنا العربية فان الاهتمام بها ضعيف. وهناك ترجمة اولى قام بها الراحل العلامة طه باقر مع زميله بشير فرنسيس ونشرت عام 1950 في مجلة «سومر» وصدرت منها عدة طبعات بعد ذلك، وقد اعتمد باقر على اللغة الاكادية وعدد من الترجمات الأوروبية. وحاول المترجمان الجمع بين الجانبين الأدبي والعلمي في وقت واحد. وزوداها بمقدمة شارحة مطولة وصدرت بعد ذلك في بغداد ترجمة د.سامي سعيد الأحمد وترجمة ثالثة في بيروت قام بها فراس السواح واعتمد اساساً على الترجمة الانجليزية ثم ترجمة القاهرة التي بين أيدينا. ? الكتاب: ملحمة جلجامش ? ترجمة: د. عبدالغفار مكاوي ? مراجعة: د. عوني عبدالرؤوف ? الناشر: المركز القومي المصري للترجمة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©