الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«رَمادُ الشمس».. نصوص تحيا بين الأسطورة والمقَّدس

«رَمادُ الشمس».. نصوص تحيا بين الأسطورة والمقَّدس
30 يوليو 2009 03:39
بعد ديوانيه «دم الشاعر» و «عصافير الطفولة» يطل علينا الشاعر المغربي مصطفى ملح بعمله الشعري الجديد «رماد الشمس»، الصادر عن جمعية أسيف للتراث الثقافي والمعماري بمدينة آسفي. وهذا الديوان هو العمل الشعري الفائز بجائزة محمد الوديع الأسفي للشعراء الشباب في دورتها التاسعة. يضم 18 قصيدة شعرية، وصورة الغلاف من إبداع الفنان عبد الحي مشتي. قصائد الشاعر المغربي الشاب مصطفى ملح تحبل بصور شعرية مائزة تنهل من عمق التجربة الإنسانية، كما تنهل من الأسطورة. نصوص شعرية تستمد قوتها من لغة باذخة وغنية بالدلالات المتعددة الأبعاد، تعمل على شد القارئ وتحويل الخطاب الشعري إلى عوالم يسبح فيها القارئ منذ الصفحة الأولى. فيما يجترح صوره الشعرية بأبعادها الصوفية الإشراقية التي تتجلى في قاموسه الشعري أحياناً بأبعادها الدينية من قبيل: معبد، وثني، عظام، مصلين، راكع، خاطئون، مذبوح، جحيم، دفن، البرزخ، الجثة، الصراط، قبور، الطوفان وغيرها من الكلمات. نقرأ في قصيدة «شمس سقراط»: منْ زَوايا المنْفذِ الضَّيِّق/ أبْصرْتُ يَدا تكْنِس رُكْنا مُهْمَلا،/ حتَّى إذا مرَ الفَتى/ أخْرجَتِ المرْأةُ كيْنونتَها الحُبْلى/ بلَوْن الدَّهْشَة الجارِح،/ ثُمَّ ارْتعَشتْ كامْرأَة هنْدِيَّة في يَد بُوذا../ ظُلْمة مشْلولَة تزْحفُ،/ يَنْهارُ الفَتى فوْقَ رصيفِ الشَّارعِ العامِر،/ بَعضُ المارَّةِ الأشْرارِ يرْمُونَ الحَصى/ فوْقَ تَماثيلِ الرُّخامِ البارِدِ/ حينَها ينْغلِقُ المنْفَذُ/ بعْضُ الباعَة السّودِ يَقولُونَ كَلاما مُبْهَما عنْ جُرحِ/ إفْريقْيا وعَنْ رائِحَةِ البُوليسِ،/ فيمَا الطَّابقُ العاشِرُ منْ َمبْنى حَديث/ دائِخ بالفَرَحِ القابِعِ فيهِ،/ حفْلَة سِرّيّة : خُبْزَةُ سُقْراط،/ مَرايا عقْلِه والسّمّ في الكأْسِ،/ وما قالَتْهُ في مقْتلِهِ كُلُّ أَثينا/ لمِ يزَلْ مُنْكَتِبا في حائِط/ يَحْرُسُه قانُونُ هَذا الغَلَطِ الفاخِرِ./ كُلُّ الفَتياتِ انْتحَرَتْ في الطَّابَقِ الأوَّلِ للْعالَمِ،/ تَرْعى الحِكْمَةُ التّارِيخَ،/ مَنْ أقْفلَ بيْتَ الفَتَياتِ؟/ مَنْ أَضاءَتْ يدُهُ عاصِمَةَ الجِنّ؟/ ومَنْ صافَحَ أنْهارَ الرَّمادِ؟ لَنُقْل إنَّ العَلاقاتِ انْتهَتْ،/ إنَّ الحَياةَ افْترَسَتْ تُفّاحَها،/ إنَّ أبَا يَعُرُبَ قدْ أَوْرثَنا طاوُوسَهُ/ فانْتفَخَتْ أوْداجُنا تِيها،/ وإنَّ الفَنّ والفلْسفَةَ احْتالا علَيْنا/ فنَسينا جُثَثا كانتْ لَنا،/ ثُمّ نَسِينا جُثَثا كانَتْ لهُم :/ هُمْ أبْصرَتْ أعْيُنُهمْ خِرْقةَ رِيح،/ مسَحوا حائِطَهُمْ حتَّى بَدَتْ/ خُدْعةُ أيْقونَاتِهِمْ واضِحَة كالحَرْبِ،/ لمْ يبْتَكِروا شَيْئا،/ كَراسِي البَرْلمانِ التَهَمَتْ أجْسامَهُمْ،/ هُمْ خدَعوا الأَشْجارَ،/ والأَحْجارَ،/ والأفْكارَ../ لا مَوْطنَ يرْتادُ الفَتى العائِدُ/ مِنْ آخِرِ حُلْم مُمْكِن، سُدَّتْ طَريقُ الحَقْلِ،/ شاخَ الحرْفُ،/ هُولاكُو قَدِ اسْتيْقظَ حَالا،/ سُمُّ سُقْراط لِكُلِّ الشُّعَراءِ الطَّيِّبينْ.» إن النفَس الشعري الذى يمتاز به هذا الشاعر هو نفس إستثنائي إنقلابي ينهل من معين الأعالي ومن معين المقدس والصّوفي، ومن هذا النموذج وغيره نرى الشاعر يتجاوب مع النواميس ويطرح تساؤلات وجودية تنبش في قلق الذات والكون، متماهياً مع الأسئلة الكبرى التي طرحها قبله المعرّي وابن عربي وأفلاطون وكبار الفلاسفة والمتصوفة، كما في نص «البرزخ»: أينَ نُدْفنُ حينَ نَموتُ/ وكُلُّ الحُقولِ اِّلتي بَقِيتْ/ زُرِعتْ بالجَماجِمِ.. والخَوفِ؟/ كيْفَ نُغطِّي َضفائِر زوْجاتِنا/ وتَقاليدِ أطْفالِنا في اصْطِيادِ الفَراشِ/ وتَزْويقِ ظِلِّ الطّبيعَةِ في حِصَّةِ الرَّسْمِ؟/ كيْفَ نَموتُ؟/ وكيفَ تُعامَلُ أرْواحُنا خارِجَ الجاذبِيَّةِ؟/ نحنُ ِبالْكادِ نحْمِلُ ذَاكِرَة/ مَسَحَ الخَوفُ لاوَعْيَنا الباطِنيّ،/ تَصيرُ النّجومُ أقلَّ انْسِجاما وأكْثرَ حُزْنا/ يُمَزَّقُ ثوبُ السّماءِ، فَيَصْرُخُ كلّ صبيّ/ ويسْألُ كلّ فتّى: أيْنَ نحْنُ وماذا جَرى؟/ حِينَما نَسْمَعُ الرَّدَّ: أنْتُمْ ضُيوف بجُغْرافيا البَرْزَخِ! لغة مصطفى ملح في هذا الديوان – كما في أعماله السابقة – بعيدة كل البعد عن لغة الواقع اليومي، وتحقق تفردها بغوصها في عمق التاريخ والفلسفة والفن كما تتجاوب مع الطبيعة والجمال. إنه يرحل حاملا معه أوراقه ليستقطر الصور الشعرية من كبار الفلاسفة والفقهاء وصناع الرمز والحكمة عبر العصور أمثال: سقراط، المتنبي، أرسطو، ابن رشد، الفارابي. إننا ونحن نقرأ الديوان نجد أتفسسنا أمام عمل شعري يحبل بالرموز والإيقونات الفكرية والجمالية والفلسفية. والديوان في مجمله معمار شعري يقف شامخاً حاملا للدلالات والأسئلة الوجودية العظيمة، ونصوص هذا العمل لا تستسلم لإغراءات الحداثة المفرغة من طين الأبدية ولا تنقصه اللمحات والأبعاد الصوفية والجمالية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©