الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أعمال التشكيلية آمنة النصيري.. تحرير الخيال

أعمال التشكيلية آمنة النصيري.. تحرير الخيال
30 يوليو 2009 03:38
بين مدينة رداع مسقط رأسها ومدينة التراث العالمي صنعاء، وأم الدنيا مصر، والعاصمة الروسية، مشوار تشكيلي حافل بالدهشة، رسمت ملامحة ريشة الفنانة اليمنية الدكتورة آمنه النصيري، في طريق لم يكن مفروشاً بالورد. وعندما تحاورها تكتشف أنها أكثر من امرأة في تكوينها عالم ثلاثي الأبعاد من الفن والفلسفة والنقد. وهي تعترف بأنها متمردة على الواقع، وترفض الانغلاق على الذات والانعزال عن العالم الواسع، والفنان في نظرها لا يمكن إلاَّ أن يكون مُتمرداً بالمعنى الإبداعي، وأن العمل الفني ليس إعادة إنتاج الواقع وإنما إعادة صياغة الواقع والحياة. آمنة النصيري وعالمها التشكيلي في هذه السطور. ُترجع الدكتورة آمنة النصيري سر نجاحها إلى والدتها التى علمتها الإمساك بالريشة منذ الطفولة، ووقفت إلى جانبها في معركتها ضد المعارضين لتعليمها، مُتحدثة عن الظروف الصعبة التى أحاطت بتجربتها الفنية والعوائق التي واجهتها، لكونها امرأة فُرضت عليها العزلة عن واقع وتفاصيل ظروف الحركة التشكيلية لأن الوسط التشكيلي اليمني كان ذكورياً!. ولعل هذا ما جعلها تنشغل في بداية تجربتها بقضية المرأة في بعدها الاجتماعي، ومعاناتها كمرأة داخل مجتمع مثقل بالهموم الاجتماعية. ثم اتسعت رؤيتها، لتتجاوز قضية الأنوثة والبعد الاجتماعي إلى ما هو اكثر شمولية، حتى أصبحت ترى نفسها كفنانة إنسانة لها اهتماماتها بالقضية الانسانية عامة، رافضة تصنيف الفن اعتماداً على الجنس (الذكورة والأنوثة). الثمانينية المعاصرة تنتمي النصيري إلى جيل الثمانينيات لكنها - بحسب ما تقول - ابنة هذا العصر وابنة الفن الحديث الذي يصعب الحديث فيه عن تيارات ومدارس واضحة المعالم لهذا فهي تنتمي لهذه المعاصرة، وإلى تيارات الفنون الحديثة المتحررة من أي قوالب، وهي توليفة من كل الفنون والمدارس. وتجمع في أعمالها بين الشكل المستلهم من بيئتها وتراثها، وعمق المضمون ودلالات رسالة الفن الإنسانية. وتنبثق رؤيتها الخاصة من عالمها وذاكرتها ومخزونها المعرفي والبصري ومن تراكم الخبرات التي تكونت بتعدد الأمكنة والأزمنة. وفي معظم أعمالها تُحلق في عالم الخيال. تحملها بروح الطفولة وبقيم وجدانية عالية. بينها وبين الواقع خيط رفيع، حيث الواقع حاضراً في أشكال مختلفة، لكنها لا تكرسه في أي نموذج بصورة مباشرة. تمرحلات وتحولات اتسمت مراحل وتجارب الفنانة بالعديد من التحولات التي تُميز مرحلة عن غيرها؛ فالمتابع لتجاربها السابقة يلمس حضوراً مكثفاً للعناصر والتفاصيل داخل اللوحة، ففي معرضها «كائنات» تمثلت التجربة عالماً رحباً من مختلف الكائنات التي يتم استدعاؤها من الإرث الفني المحلي والإنساني عامة ومن الواقع. ومع تنامي تجربتها، نجدها تُطلق الحرية لخيالها لتحقيق اكبر قدر من القيم الفنية الجمالية في النص، مُنطلقةً باتجاه مستوى إبداعي جديد مُحلقة في فضاءات رحبة، وهو ما نلسمه في معرضها الأخير ِ»تحليق في فضاءات الروح» حيث تفتح الفنانة نافذة جديدة في تجربتها. ففيه تعالج مفهومي التحليق والانعتاق بمعناهما المجرد المرتبط بالروح والحياة في وجودهما اللامحسوس، وتستعير مفردات تشكيلية متعددة لتجسيد الحالة الوجدانية الشفافة التي تُعبر عنها، كحركة أسراب الطيور وتحليقها. كما يظهر في تجربتها استغراق في التحولات الوجدانية، بين الفرح والحزن والانكسار والتفاؤل والألم والبهجة، تعكسها الألوان التي تتنوع بحسب الحالة النفسية. هذه التجربة الناجحة دفعتها للتأكيد بأن معرضها الأخير شكل تحولاً مهماً في تجربتها الفنية، على مستوى اللون وشكل المعالجة نفسها؛ فظهرت من خلال 45 عملاً فنياً، أكثر حرية في التعامل مع اللغة الملونة وأكثر شفافية مع المزيد من الاختزال داخل الصورة. محاولةً في هذه المرحلة التخلي عن التكثيف اللوني والعجائن، والابتعاد عن زحام التفاصيل الذي اعتمدت عليه في تجارب سابقة، ساعيةً إلى تشفيف اللون واعتماد التراكيب الفنية التي تخدم الحالة المُعبَّر عنها. وهي تتجه إلى المنحى التجريدي في بعض الأعمال، بينما نراها في لوحات أخرى تُبقي على ملامح من السياقات التعبيرية التي اشتغلت عليها سابقاً. الفنانة والناقدة وعن المفارقات التي جمعت آمنة الفنانة مع آمنة الناقدة وآمنة الأكاديمية الأستاذ المساعد بقسم الفلسفة في جامعة صنعاء، تؤكد أنها لا تجد أي تناقضاً بين تلك المجالات الإبداعية، كما أن دراستها للفلسفة والنقد الفني قد اعانتها على فهم علاقتها بالثقافة والفن والنظرة العميقة إلى العالم . وحول مدى حضور آمنة (الناقدة) لحظة إمساك آمنة (الفنانة) الريشة تقول: إشكالية الناقد والمبدع هي إشكالية قائمة بيننا وبين الآخر، فإذا تحدثتُ عن نفسي كناقدة، فهي إشكالية بيني وبين الآخر المبدع، لذا فإنني عند ولادة اللوحة أحاول تغييب آمنة الناقدة، فالفنان كالطائر يُحب أن يُحلق بكل حرية. ولهذا تحاول آمنة (الفنانة) الهروب من آمنة (الناقدة) لحظة ولادة اللوحة. محاذير ذاتية وتوضح النصيري أن معالجة المرأة التشكيلية اليمنية والعربية لقضاياها وأوضاعها، «تتسم بالحزن والإحباط والمعاناة في ظل منظومات تقليدية رجعية ومُتطرفة». وتُشير إلى أن «المحاذير والمحددات الموجودة في فن المرأة اليمنية والعربية هي ذاتية أكثر منها خارجية». وتضيف: «هُناك ثالوث مُحرم لا يجب أن يظهر بشكل مباشر سواءً في اللوحة أو القصة، يتمثل في (الدين والسياسة والجنس)، قضايا خطرة للفنان الرجل، وهي تزداد حدة بالنسبة للمرأة، وهو ما يُفسر لجوء الكثير من الفنانات إلى استخدام الترميز والتجريد والإشارات البعيدة». وتبقى حالة الرضا عند الفنانة «حالة مؤقتة سريعاً ما تتلاشى، فعلى الرغم من سعادتها بتجربتها إلاَّ أنها ليست راضية عما تحقق، ودائماً ما تثق في التجربة القادمة»، ولهذا نراها بعد كل تجربة تبدأ بفقدان الشعور بالإطمئنان لما تحقق، «فالشعور بعدم الرضا هو الدافع للإستمرار».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©