السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رمضان بغداد بين «طك الطوب» ولعبة «المحيبس»

رمضان بغداد بين «طك الطوب» ولعبة «المحيبس»
9 يونيو 2016 11:14
سرمد الطويل (بغداد) لشهر رمضان في العراق طقوس خاصة، وفي عاصمته يألف البغداديون عادات توارثوها منذ أجيال وأشهرها انتظار «طك الطوب أبو خزامه»، وممارسة لعبة المحيبس، وصنع الحلويات، وتبادل الأطعمة بين الجيران، وجولات المسحراتي، إلا أن بعض هذه التقاليد غابت في ظل التحديات التي تواجهها بلاد الرافدين. وعلى الرغم من أصوات التفجيرات، لم تغب عن شوارع العاصمة منذ أكثر من عقدين، فإن أهلها ينتظرون صوت المدفع القديم على نهر دجلة إيذاناً بموعد الإفطار، قبل أن يؤذن المؤذن، ويسمي أهل بغداد صوت مدفع الإفطار بـ«طك الطوب»، و«الطوب» هو المدفع القديم، الكائن أمام المبنى القديم لوزارة الدفاع مقابل ساحة الباب المعظم وسط بغداد، ويعد أحد أهم الشواهد الرمضانية في بغداد. وعلى الرغم من أن المدفع القديم نقل إلى المتحف البغدادي، واستبدل بآخر، إلا أن أهالي بغداد لا يزالون يطلقون عليه «الطوب»، واللافت أنه رغم كل ما مر على العاصمة من حروب وتفجيرات إلا أن هذا المدفع، الذي أطلق عليه البغداديون اسم «طوب أبو خزامه»، لم يصمت في أي شهر رمضاني. ويعد «طوب أبو خزامه»، الذي ظل جاثماً أمام باب القلعة (وزارة الدفاع) جزءاً من التراث الشعبي البغدادي، ومن تراث شارع الرشيد مذكرا بمجد عسكري عثماني أفل. ويبلغ طول المدفع أربعة أمتار، وقطر فوهته نصف متر، وهو مصنوع من النحاس، وسمي بـ«طوب أبو حزامه» لوجود عروتين على جانبيه مع خرم في فوهته، وشبّه العامة كل عروة منهما بـ«الخزامة»، وهي الحلقة التي تلبسها المرأة في الريف في أنفها. وقد شاع بين عامة البغداديين أن هذا المدفع، الذي ربض على باب القلعة ومن ثم وزارة الدفاع على رصيف المارة عقوداً طويلة يراه يومياً كل من يمر بشارع الرشيد، يعد «صاحب معجزات»، وبعض من كتبوا عنه قالوا إن له الفضل الكبير في دحر الفرس، وكانوا يشعلون الشموع حوله كل ليلة جمعة وأكثر زواره من النساء. ولأهل بغداد أصول وشعائر يلتزمون بها عند قدوم شهر الطاعات والحسنات، فهم يستعدون ويتهيؤون لاستقباله والترحيب به، ولرمضان لوازم خاصة به، قلما يحتاج إليها أحد في غيره من شهور السنة، فترى الأسواق، ولاسيما أسواق الشورجة والدهانة والصدرية وقنبر علي من جانب الرصافة، وأسواق الكرخ والكاظمية والأعظمية والكرادة، تعج بالمتسوقين الذين يشترون الحاجيات الرمضانية من بقول وسكريات وعطاريات وفواكه مجففة، كالعدس والترشانة وقمر الدين وماء الورد والبخور والكمون والدارسين والنومي بصرة، وما إلى ذلك، فلرمضان أكلاته الخاصة في الفطور وفي السحور. وبغداد رغم اختلاف وتعدد محالها وأحيائها وأطرافها تتقارب وتتشابه في إعداد الأكلات الشهية، ليس لإشباع نهم الصائمين فحسب، وإنما لتوزيع بعضها على الجيران، وعلى الفقراء الذين يطرقون الأبواب، أو الذين يتقاطرون على أعتاب الجوامع والمساجد، أو يترددون على البيوت. ومع حلول شهر رمضان المبارك من كل عام تنتشر لعبة المحيبس التراثية في الشارع العراقي الشعبي بشكل لافت، وهي لعبة تعتمد على الفراسة، وتستهوي آلاف العراقيين من لاعبين ومشجعين، وتمارس في الأحياء والمقاهي الشعبية منذ مئات السنين. واشتهرت في أقدم المدن البغدادية القديمة كالكاظمية والأعظمية والجعيفر والرحمانية فتقام مباريات بين أبناء المنطقة الواحدة، وبين المناطق المتجاورة مثل المباريات التي تقام كل عام بين منطقتي الكاظمية والأعظمية. تتكون اللعبة من فريقين كل فريق يتكون من عدد من الأشخاص قد يتجاوز العشرين ويجلس الفريقان بصورة متقابلة وبشكل صفوف ويقوم أحد أعضاء الفريق الأول بوضع خاتم (محبس) بيد أحد أشخاص فريقه، ويتم اختيار أحد الأشخاص من الفريق الثاني ليعرف (يحزر) مكان الخاتم، ويتم تسجيل النقاط لكلا الفريقين حسب عدد المرات التي تمكن خلالها من معرفة مكان الخاتم، والفريق الذي يحقق الحد الأعلى من النقاط (21 نقطة) يكون الفائز. ومن طقوس هذه اللعبة أن يتناول الفريقان والجمهور بعد انتهائها بعض الحلويات العراقية المعروفة بالزلابية والبقلاوة، التي يتحمل ثمنها الفريق الخاسر. وتهدف لعبة المحيبس إلى تقوية أواصر المحبة والصداقة بين أبناء الحي الواحد، والتعارف وتوطيد المحبة والألفة بين أبناء المناطق المختلفة. تزيين المساجد كانت دوائر الأوقاف وما تزال تستعد لاستقبال شهر رمضان بما يستحقه من تكريم، فتقوم بتزيين منابر المساجد والجوامع بالأنوار الكهربائية طيلة ليالي هذا الشهر المبارك، وفي أيامه الأولى تنطلق أصوات المؤذنين بالترحاب به بنداءات ثابتة: «مرحباً يا شهر رمضان.. مرحباً بشهر الخيرات والبركات»، تعقبها الأدعية والاستغفارات، وتبقى أبوابها مفتوحة إلى ساعات متأخرة من الليل، حيث يؤدي المصلون صلاة التراويح بعد صلاة العشاء. وعند صلاة العصر يقوم خطيب الجامع بإعطاء الوعظ والإرشاد الديني إلى ما قبيل الإفطار. فجوامع بغداد ومساجدها، وتكياتها كانت تستقطب اهتمام الناس لاحترام شعائر الدين الإسلامي الحنيف ولاسيما في شهر الصيام والتقرب إلى الله تعالى.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©