الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نحن لا نعرف الحب..

نحن لا نعرف الحب..
11 مارس 2015 21:20
إعداد - عبير زيتون جدو كريشنامورتي... يليق به لقب عالم نفس الفكر الحر الروحي، الذي من الصعب تأطيره ضمن أطر وتوصيفات مراجعنا التقليدية المعتادة. فهو لم يطرح وجهة نظر أو يدعو الى معتقد أو فكرة أو يسعى إلى إقناع الآخرين برأيه، بل كان يدعو إلى رحلة لتقصي عمق المشكلات الإنسانية المختلفة، بفكر حر عميق سرّاني، نقي، متجدد، يتخطى كل الحدود والمقولات والتقسيمات المذهبية والعرقية والدينية، التي تفرضها الأعراق والمناهج والفلسفات والمذاهب، التي كان يرى فيها مزيداً من الانقسام والتجزئة والفوضى كما يحدث في عالمنا اليوم. «أريد تحرير الإنسان، وليفرح كالعصفور في السماء الصافية، بلا وزر، مستقلًا، منتشياً وسط هذه الحرية». ولد جِدُّو كريشنامورتي في العام 1895 في بلدة مَدَنَبلِّي الصغيرة في جنوب الهند، وتوفي في كاليفورنيا عام 1986 بعد حياة طويلة من العمل والتأليف وإلقاء المحاضرات، ويعتبر المترجم السوري – اليوناني ديمتري أفييرينوس، أول من قام بترجمة أعماله إلى العربية والتعريف بفكره الروحي النبيل. - ما الموت ياكريشنامورتي.. وهل ثمة حياة بعد الموت؟ = ألست حيا؟ لِمَ إذن تتساءل عما اذا كان الموت موجودا أم لا؟ حتى تفهم الموت، عليك أن تتحرر من كل خوف، الانسان الذي يرغب في الاستمرارية يهلع أمام الموت، الموت رائع كالحقيقة، فكلاهما مجهول، لكن ذهنا لا يعمل إلا في حدود المعلوم لا يستطيع أن يفهم المجهول. *** إذا رصد المرء بعمق فسيرى أن الذهن الآن لا يعيش مادياً فقط (فيزيائياً) وإنما أكثر وأكثر نفسياً على التعليقات والكتب والنصوص المتوارثة، ما الذي يحدث لذهن يعيش على هكذا نمط – وهو ما نفعله جميعنا، ليس في المدارس والجامعات فقط ولكن دينياً أيضاً؟، نعيش على الكلمات والنظريات وعلى ما قاله الآخرون، عندما يعيش المرء على هذا المنوال فإن الانحطاط وبكل وضوح سيحدث، والفساد ينتشر في كل مناحي الحياة كما يحدث الآن. *** كل أشكال التغيير الخارجية التي نتجت عن الحروب والثورات والإصلاحات والقوانين، والأيديولوجيات فشلت تماماً في تغيير الطبيعة الأساسية للإنسان، وبالتالي المجتمع. دعونا نسأل أنفسنا، كبشر يعيشون في هذا العالم القبيح والوحشي: هل بإمكان هذا المجتمع القائم على المنافسة والقسوة والخوف أن ينتهي؟، ليس كمفهوم فكري أو كأمل ولكن كحقيقة واقعة، بحيث يكون الذهن نشيطاً وجديداً وبريئاً وبإمكانه أن يخلق عالماً جديداً مختلفاً بالكامل؟ بإمكان ذلك أن يحدث فقط، حسبما أعتقد، إذا أدرك كل فرد منا الحقيقة الجوهرية وهي أننا، كأفراد وككائنات بشرية، في أي مكان من هذا العالم صادف أننا نعيش فيه أو في أي ثقافة يمكن أن ننتمي لها، كلنا مسؤولون عن حالة العالم كلها. *** كل واحد منا مسؤول عن كل حرب قامت، بسبب عدوانية حياتنا ذاتها، بسبب قومياتنا، أنانيتنا، آلهتنا، تحيزاتنا ومثالياتنا، كلِّ ذاك الذي يفرقنا. وفقط عندما ندرك – ليس فكرياً وإنما حقيقياً – بنفس الدرجة التي ندرك بها أننا جائعون أو متألمون، أننا – أنت وأنا - مسؤولون عن كل هذه الفوضى الموجودة، عن كل البؤس المتفشي في العالم لأننا نساهم فيه بحياتنا اليومية ولأننا جزء من هذا المجتمع المتوحش بحروبه وانقساماته وقباحته ووحشيته وجشعه، حينها فقط سنفعل. *** الأزمة ليست اقتصادية – الحرب، القنبلة، رجال السياسة، العلماء – الأزمة فينا، الأزمة في وعينا. فإلى أن نفهم فهمًا عميقًا جدًّا طبيعة ذاك الوعي، فنشكِّك ونغوص عميقًا فيه ونكتشف بأنفسنا إنْ كان بالمستطاع إحداث طفرة كلِّية في ذاك الوعي، سيواصل العالم اختلاق المزيد من البؤس، المزيد من البلبلة، المزيد من الرعب. *** نحن بحاجة إلى طاقة هائلة لإحداث تغيير نفساني في أنفسنا كبشر، لأننا طالما عشنا في عالم من التظاهُر، ومن الوحشية، العنف، اليأس، القلق. فلكي يحيا المرء حياة إنسانية، صحيحة، عليه أن يتغير ويُحدِث تغييراً في باطن نفسه، وبالتالي ضمن المجتمع، فهو بحاجة إلى هذه الطاقة الجذرية، إذ إن الفرد لا يختلف عن المجتمع: المجتمع هو الفرد والفرد هو المجتمع. ولإحداث التغيير الجذري، الجوهري، الضروري في بنية المجتمع لابدَّ من تغيير في قلب الإنسان وذهنه. *** إن السبب الرئيسي للاضطراب في نفوسنا هو البحث عن واقع وعدنا الآخرون به، نتبع آلياً من يعدنا بحياة روحية مريحة، إنه لأمر مثير حقاً، أن أغلبيتنا يعارضون الطغيان السياسي والديكتاتورية، ولكننا داخلياً نقبل سلطة وطغيان الآخر لحرف أذهاننا وطريقتنا في الحياة. *** ليس السلام بحوزة السياسي أو رجل الدين، ولا هو بحوزة المحامي أو رجل الشرطة. السلامُ حالٌ ذهنيةٌ توجد حين توجد المحبة. *** معنى الفضيلة أن تحب، أن لا تخاف، أن تعيش في أعلى مستويات الوجود وهو أن تموت عن كل شيء، داخلياً، أن تموت عن الماضي بحيث يكون الذهن صافياً وبريئاً، فقط مثل هذا الذهن يستطيع أن يصل إلى هذا الاتساع الاستثنائي، الذي ليس من اختراعك أنت وليس كذلك من اختراع فيلسوفٍ أو مُعلمٍ ما. *** أن ما يجعل الفهم أمراً ممكناً هو الحب، فعندما يكون قلبك ممتلئاً فستتمكن من الإصغاء للمعلم والشحاذ، ستصغي لضحكة الطفل، لقوس قزح، ستسمع أسى الإنسان. *** لقد تعلمنا أن كل الطرق تقود إلى الحقيقة، وهذا يبدو - عندما تنظر إليه - سخيفاً جداً، لأنه ليس للحقيقة درب محدد، وهنا تكمن جمالية الحقيقة، إنها حية، الشيء الميت يملك طريقا إليه لأنه ساكن، خامد، ولكن عندما ترى أن الحقيقة حية ومتحركة وغير مستقرة في أي معبد أو مسجد أو كنيسة، حيث لا دين ولا معلم ولا فيلسوف، ولا أحد يستطيع أن يدلك عليها – حينها سترى أن هذا الشيء الحي هو أنت بالذات – غضبك وقسوتك وعنفك ويأسك، الألم والعذاب والأسى حيث تحيا. والحقيقة تكمن في فهم كل هذا. *** فعلياً نحن لا نعرف الحب، وإنما نحن عاطفيون، حسِّيون، انفعاليون وجنسيون، لدينا ذكريات لشيء نعتقد أنه حب ولكن فعلياً وبقسوة، نحن لا نعرف الحب. لأنه أن تعرف الحب يعني لا عنف ولا خوف ولا تنافس ولا طموح. *** إذا لم تكن في وصال مع أيِّ شيء فأنت إنسان ميت. عليك أن تكون في وصال مع النهر، مع العصافير، مع الأشجار، عليك أن تكون في وصال مع جارك، مع زوجتك، مع أولادك، مع زوجك. وأعني بالوصال عدم تدخُّل الماضي، بحيث تنظر إلى كلِّ شيء نظرة نَضِرة، جديدة، – وتلك هي الطريقة الوحيدة للوصال مع شيء ما، بحيث تموت عن كلِّ شيء من الأمس. وهل هذا ممكن؟ على المرء أن يكتشفه، لا أن يسأل: «كيف لي أن أفعله؟» – فما أحمق هذا السؤال! سؤال من يريد النتيجة فقط دون فعل. *** متى تأكَّد المخ القديم من عجزه عن إدراك ماهية الحرية، ومن قصوره عن اكتشاف شيء جديد، يكون هذا الإدراك، في حدِّ ذاته، بذرة الفطنة [...]. الفطنة ليست شخصية، وليست نتاجًا للمجادلة أو للمعتقد أو للرأي أو للمنطق. تنوجد الفطنةُ حينما يكتشف المخ عجزه، حينما يكتشف ما هو قادر عليه، وما هو ليس بقادر عليه.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©