الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التجربة التونسية في اجتياز المرحلة الانتقالية

19 مارس 2014 23:25
مارك فريمان - المدير التنفيذي لمعهد الانتقال المتكامل سيث كابلان - محاضر في مدرسة الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز بعد أكثر من عامين من المفاوضات، تم إقرار دستور جديد في تونس الشهر الماضي. واحتفى الإسلاميون والليبراليون على السواء بالدستور باعتباره نموذجاً للتوافق. ورغم كثرة الأزمات السياسية وركود الاقتصاد واحتمالات وقوع أعمال عنف، تظل تونس البلد الوحيد من دول «الربيع العربي» الذي يسير بنجاح فيما يبدو طريق الانتقال إلى الديمقراطية. وتبين إنجازات تونس أنه يتعين على زعماء الدول التي تمر بمرحلة انتقالية عاجلاً أم آجلاً أن يتخذوا من الاحتواء مبدأ منظماً لوضع سياسات اقتصادية وسياسية واجتماعية إذا كان الناس يأملون في دعم السلام وتحقيق الديمقراطية. فعندما يدخل بلد ما مرحلة انتقالية بعد حرب أو مرحلة استبداد سياسي، يكون الشعب مفعماً تلقائياً بالأمل ويحدوهم توقعات كبيرة بأن زعماءهم واقتصادات بلادهم ومجتمعاتهم ستتغير. لكن القليل من عمليات الانتقال تحقق الآمال التي علقت عليها. الرئيىس المصري السابق محمد مرسي، أقصى معظم مواطنيه، ثم أطاح به الجيش في انقلاب مدعوم باحتجاجات شعبية حاشدة. وتكافح ليبيا للحفاظ على الأمن في غمرة انقسامات قبائلية وعرقية. وأفرخت الحريات الجديدة في ميانمار صراعاً دينياً. وكافحت نيبال لسنوات لتكتب دستوراً جديداً وسط خلافات مريرة. وسجلات العراق وأفغانستان ونيجيريا والكونغو تخيب الآمال أيضاً. ويتمثل جزء من المشكلة في أن الدول التي تخرج من حرب أو مرحلة استبداد تواجه مشكلات ربما لم يواجهها السابقون. فالاختلافات العرقية والدينية والجغرافية والقبائلية والأيديولوجية غالباً ما تمنع تشكيل أنظمة مستقرة تحظى بمشروعية على نطاق واسع. والحكومات الضعيفة التي لا تستطيع التصرف باقتدار ولا تشجع بشكل متساو الجماعات لأن تسعى للوصول إلى السلطة على أساس شروط عادلة. فالصراع يولد صراعاً في دائرة جهنمية صعب كسرها. والاقتصاد يتضرر لتزداد معاناة الناس ذاتهم الذين علقوا آمالاً هي التي أدت إلى المرحلة الانتقالية في المقام الأول. والمرحلة الانتقالية في مصر وليبيا واليمن وفي مناطق أخرى مثل أوكرانيا بحاجة ماسة إلى مبدأ استرشادي يركز جهود طائفة واسعة من الفاعلين ويساعدهم على وضع أولويات لما يواجهونه من تحديات مختلفة. ووقع عدد من هذه الدول ضحية الخلافات الحادة التي تقف عقبة كأداء ضد التوصل إلى نهج جامع يصل بالزعماء الذين يتبنون نهج الاحتواء في السلطة. وفي الديمقراطيات الجديدة التي تتشكل في مجتمعات منقسمة طائفياً فإن المرشحين أصحاب نهج الاحتواء يواجهون صعوبة أمام المرشحين الذي يجتذبون طائفة سكانية معينة. وكمثال، فإن الانتخابات الرئاسية المصرية الأخيرة خسرها المرشحون أصحاب البرامج والأيديولوجيات الأكثر قرباًَ للاحتواء مما جعل السباق يدور في جولة الإعادة بين مرشحين هما الأكثر استقطاباً، مرسي العضو في جماعة «الإخوان»، وأحمد شفيق آخر رئيس وزراء في عهد مبارك. وأثبتت جنوب أفريقيا قبل عشرين عاماً أن عمليات الانتقال قد تتحرك باتجاه زعماء جدد للفصائل المختلفة يقبلون بضرورة الاحتواء والحلول الوسط. ومثل هذا النهج يتعين أن يأخذ في الاعتبار حاجات جميع قطاعات السكان مع بناء هوية قومية جامعة ومؤسسات عادلة وقوية تكون قادرة على الصمود لفترة طويلة. فبعد انتهاء سياسة التمييز العنصري بدأ الزعماء الديمقراطيون الجدد يستخدمون الشعار الشهير الجديد وهو «أمة ألوان الطيف». في وصف لطبيعة التركيبة السكانية للبلاد لكنه يصف أيضاً نوع المجتمع الذي تطمح البلاد إليه في العصر الجديد. فعندما يتبنى الزعماء السياسيون والاجتماعيون رؤية شاملة ويدعمونها بالعمل فإن كلماتهم وأفعالهم تحقق نتائج إيجابية في كل جانب من جوانب عملية الانتقال. وفي حالة تونس، سلم حزب «النهضة» الإسلامي الحاكم قيادة الحكومة إلى مجلس وزراء غير حزبي وقدم تنازلات في عدد من النقاط الدقيقة في الدستور ليتوصل إلى توافق ثبت أنه حيوي لإحراز دعم كبير لعملية الانتقال الديمقراطي. وسلك حزب «النهضة» هذا النهج بسبب مزيج من الضغط الشعبي والوعي بمصالحه الذاتية. فبعد أن رأى زعماء الحزب إخفاقهم في السلطة، وبعد أن شاهدوا إقصاء «الإخوان المسلمين» في مصر، أدركوا ضرورة التوصل إلى حلول وسط من أجل مستقبلهم السياسي. وهذا يلقى الضوء على أن الاحتواء ليس مبدأ سامياً فحسب بل سياسة ذكية أيضاً. وبوسع ممارسات الاحتواء أن تؤثر فقط على الجوانب الملموسة في عملية الانتقال مثل العمليات السياسية والإصلاحات الاقتصادية- لكن أيضاً على الجوانب غير الملموسة التي نادراً ما يجري التركيز عليها. فبوسعها أيضاً أن تعزز التوافقات السياسية وقوة الحكومة، وأن تقلص فرص اندلاع العنف، وأن تبني الثقة والطمأنينة على امتداد البلاد. ويستطيع نهج الاحتواء أيضاً أن يتصدى مباشرة لأصعب التحديات في البلاد التي تمر بظروف بداية صعبة وتحديداً الانقسامات المجتمعية القائمة منذ وقت طويل وضعف المؤسسات والصراعات الإقليمية التي ابتلي بها كثير من الدول العربية على مدار السنوات الثلاث الماضية. ومن خلال إرساء رؤية تقيم جسوراً بين الانقسامات يستطيع نهج الاحتواء أن يقوم بدور نسيج الوصل الذي يساعد في تقليص التصدعات التي تعاني منها الدول في مراحل الانتقال بإرساء الثقة والتلاحم المطلوبين لاجتياز فترة تتميز بأزمات لا يمكن تفاديها. لقد فعل نيلسون مانديلا هذا وتونس تتحسس طريقها. فالاحتواء لا يمكن أن يضمن نتائج سريعة أو مثالية لكنه يقدم النهج الواقعي الوحيد تجاه مستقبل أفضل. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©