الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بريطانيا العلمانية منقسمة حول الدين!

11 مارس 2012
ربما كان السكان المحليون يتوقعون أن يروا شرراً يتطاير من مبنى مجلس المدينة المكتظ، ليس فقط بعابد أوثان، وملحد متشدد، وراقصة ستريبتيز سابقة من أتباع مذهب اللاأدرية، واثنان من المسيحيين الإنجيليين، وعازف أورج في إحدى الكنائس "الميثودية"... ولكن عدداً قليلاً منهم فقط هو من كان بإمكانه أن يتنبأ أن صراعاً في مدينة محلية حول إلغاء الصلوات المسيحية في الاجتماعات العامة، سوف يتصاعد ليتحول إلى تجسيد لصراعات بريطانيا الثقافية. فحتى في الوقت الذي تسلط فيه الانتخابات الجمهورية التمهيدية الضوء على انقسام الأميركيين حول فصل الدين عن السياسة، تجد بريطانيا نفسها منغلقة في سجال حول الدين يشارك فيه، ليس الحكومة البريطانية بل الملكة اليزابيث الثانية نفسها. فالخطوة الخاصة بحظر الصلوات العامة في مدينة بايدفورد الصغيرة، وربما في جميع أنحاء انجلترا وويلز، قد بدأت في قتال بالوكالة حول مسألة ما إذا كان يتعين على المسيحية أن تحافظ على مكانة متميزة في المجتمع البريطاني العصري والمتنوع والعلماني إلى حد كبير. وقد بدأت الشرارة الأولى التي أشعلت النيران في تلك المدينة الصغيرة عندما قام النائب الملحد "كليف بون" بتحدي التقليد المستمر منذ فترة طويلة بافتتاح الاجتماعات العامة بأدعية وتبريكات من رجال الدين المسيحي الحاضرين. وبعد أن خسر التصويت الذي جرى في مجلس المدينة بصوتين، قرر مقاضاة المحكمة وكسب الشهر الماضي القضية، فيما اعتبر سابقة تقول إن الحكومة ليس من حقها إجبار المواطنين على الاستماع للصلوات. وسارعت الحكومة البريطانية التي يقودها المحافظون إلى التصرف حيال هذا الحظر والدفاع عن الوضع الرسمي للمسيحية وخصوصاً كنيسة إنجلترا. وقام المحافظون بعدة خطوات نَظرَ إليها الخصوم على أنها محاولةٌ لاسترداد الأرض المفقودة للتقاليد المسيحية ومن ضمنها وعد من وزير التعليم البريطاني بإرسال نسخة الملك جيمس من الإنجيل لكل مدرسة في بريطانيا. وحتى الملكة أليزابيث التي تحاول من وراء ستار نفض الغبار عن الدور التاريخي الذي كانت تقوم به الملكية في بريطانية في حماية العقيدة المسيحية والكنيسة البريطانية، أدلت في الآونة الأخيرة بأقوال تعني في مجملها بأن المجتمع العلماني، باستهدافه للصلوات العامة، ذهب أبعد مما ينبغي. وحدود المناقشة المحتدمة في بريطانيا حول الدين تختلف اختلافاً حاداً عن مثيلتها في الولايات المتحدة، رغم حقيقة أن هامشاً ضئيلا هنا ما زال يعارض الإجهاض المشروع ووسائل منع الحمل الممولة من الخزينة العامة، إلا أن تلك المسائل، بشكل عام، ينظر إليها على أنها قد حسمت من قبل العديد من المحافظين منذ زمن بعيد. لكن رئيس الوزراء ديفيد كاميرون، حتى وإن كان هذا بتحريض من اليمين المتطرف في حزبه، قد ذهب إلى أبعد مما ذهب إليه أوباما من خلال دعمه علناً للزواج بين مثليي الجنس والقول بأن الحقوق المتساوية في كل شأن من الشؤون تمثل جانباً جوهرياً من جوانب القيم السائدة في المجتمع البريطاني. لكن المسيحيين في هذه المدينة الصغيرة يرون أن تقاليدهم الدينية تتعرض للهجوم، ومن ذلك الادعاءات التي تقول بأن موظفي مجلس المدينة الليبراليين قد مارسوا التمييز ضد الآباء المسيحيين المتدينين في قضايا التبني. وهم يرون الحظر الأخير على الصلوات العامة باعتباره القشة التي قصمت ظهر البعير، أو النقطة التي جعلت ماء الكوب يفيض. ويقول "تريفور جونز" عمدة بايدفورد وهو مزارع متقاعد وتابع مخلص من أتباع الكنيسة الميثودية، معلقاً على الأمر: "لا أستطيع أن أفهم أن هناك حكومات محلية في أماكن مثل لندن لا تريد الصلاة لأنه لم يعد لديها دين". ثم يضيف: "ومع ذلك نرى أن هذا الحظر يحدث هنا في هذه المدينة الصغيرة في غرب البلاد، حيث لايزال يوجد لدينا إله ومازلنا نعتقد أنه لا انفصال بين الكنيسة والدولة". أما "بون" الذي قدم الدعوى ضد الصلاة في الأماكن العامة وفاز بها، وهو أصلاً لندني يعيش في هذه المدينة واستشاري إداري معتزل تنازل عن مقعده في مجلس المدينة، فقد قال: "المسألة لا تتعلق بحرية الأديان. فأنا سوف أدافع عن حقهم في إقامة الصلاة داخل كنائس حتى آخر نفس في حياتي. لكن دعونا لا نستمع لتلك التبريكات والأدعية في بداية كل اجتماع عام أكثر من ذلك. فهو في رأيي تقليد متخلف يؤدي لإقصاء بعض الناس في هذا البلد". وحتى قبل صدور الحكم الخاص بهذه القضية، كان كاميرون، وهو محافظ معتدل، قد شرع يخوض في موضوع الدين المتفجر؛ ففي خطاب تاريخي له في شهر ديسمبر الماضي، أقر بأنه "يدخل عرين الأسد" عند مناقشته لموضوع الدين في أمة علمانية متنوعة وذلك عندما قال: "نحن دولة مسيحية ويجب ألا نخجل من إعلان ذلك". وهذا البيان من جانب كاميرون جوبه بردٍ من تيري ساندرسون" رئيس "الجمعية العلمانية الوطنية" الذي قال: "إنه لشيء يبدو خارجاً عن المألوف بالنسبة لي أن أرى الحكومة البريطانية وهي تروج للدين"، وأضاف: "وهذا في رأيي يعتبر دليلاً على أن المحافظين يطلقون بالون اختبار كي يروا ما إذا كانت التكتيكات التي يتبعها الجمهوريون الأميركيون يمكن أن تنجح هنا أم لا؟ وأنا شخصياً لدي شك عميق في إمكانية نجاحها". أنتوني فايولا محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©