الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

ابن باجة.. أبو الفلسفة العقلانية الإسلامية

ابن باجة.. أبو الفلسفة العقلانية الإسلامية
8 يونيو 2016 13:26
إبراهيم الملا (الشارقة) حظي الفيلسوف والطبيب والعالم ابن باجه بلقب (أب الفلسفة العقلانية العربية) استناداً إلى جهوده البحثية الواسعة وتحليلاته الفكرية العميقة، انطلاقا من نزوع شخصي لتغيير الواقع الإسلامي في مجتمعه الأندلسي والمغاربي وتخليصه من قبضة الفقهاء المتشددين، وسعيا منه أيضا لنقل أطر التفكير في المجتمعات الإسلامية من حيز الانغلاق، إلى أفق الانفتاح، ومن ضيق التفسير الأحادي الماضوي، إلى فضاء التأويل الواعي لظروف المكان المختلف والزمان الجديد. ولد أبو بكر محمد بن يحيى بن باجه، حسب غالبية الكتب التي تبحث في سيرته، في أواخر القرن الخامس عشر الهجري، ونشأ في سرقسطة في الأندلس، وكان مولعاً بالموسيقى والموشحات، وأصبح وزيراً للمرابطين مدة عشرين عاماً حتى مات مسموماً في مدينة‏? ?فاس? ?المغربية، ?بعد ?معاناة ?وحصر ?وتضييق ?من ?قبل ?خصومه ?من ?الفقهاء. من أهم مؤلفات ابن باجه: «شروح أرسطوطاليس»، و«التجربتين على‏? ?أدوية ?ابن ?وافد»?، ?و«اختصار ?الحاوي ?للرازي?» ?و«كلام ?في ?المزاج ?بما ?هو ?طبي» ?وله ?مصنفات ?عديدة ?في ?الطب ?والرياضيات ?والحكمة ?والطبيعيات ?والحيوان، ?كما ?ترك ?كتباً ?غير منجزة، ?منها ?كتاب ?في ?النفس ?والمنطق، ?وعدد ?كبير ?من ?الرسائل. ?أما ?أشهر ?مؤلفاته ?فهي كتاب? ?تدبير ?المتوحد ?ورسالة ?الوداع، ?وترك ?مدرسة ?فلسفية ?كبيرة ?تتلمذ ?فيها ?من? ?العلماء ?ابن ?رشد ?وأبو ?الحسن ?الغرناطي ?وغيرهم. قسم ابن باجة الموجودات إلى متحرك وغير متحرك، «فالمتحرك أجسام متناهية‏? ?وحركتها ?أزلية ?ومن ?ثم ?يكون ?لها ?محرك ?أزلي ?لامتناهٍ، ?وهو ?العقل، ?وتتوسط? ?النفس ?بين ?الجسم ?والعقل، ?لذلك ?يجمع ?إدراكها ?للجزئيات ?بين ?الإحساس ?والتعقل،? ?ويتدرج ?العقل ?في ?الكمال ?من ?الأدنى ?إلى ?الأعلى، ?فيدرك ?أولاً ?الصور ?المعقولة? ?للجسمانيات ?ثم ?التصورات ?النفسية ?التي ?تتوسط ?بين ?الحس ?والعقل، ?ثم ?العقل? ?الإنساني ?ذاته، ?والعقل ?الفعال ?من ?فوقه، ?ثم ?عقول ?الأفلاك ?المفارقة. ?ويتجاوز? ?الإنسان، ?بترقية ?من ?الجزئي ?إلى ?الكلي، ?طور ?ما ?هو ?إنساني ?إلى ?ما ?هو ?إلهي? ?بإرشاد ?من ?الفلسفة، ?فالعقل ?الإنساني ?عند ?ابن ?باجه ?لا ?يبلغ ?مبلغ ?الكمال ?بالأحلام ?الصوفية? ?ولكن ?بالمعرفة ?العقلية؛ ?فالنظر ?العقلي ?هو ?السعادة ?الكبرى، ?وليس ?من ?سبيل? ?إليه ?باعتزال ?الناس، ?بل ?بتنمية ?العقل ?باستمرار ?وبلا ?حد ?ولا ?قيد». وعمد ابن باجة في مشروعه الفكري إلى العودة بالفلسفة إلى أصولها الأرسطية خالصة‏? ،?كما ?هي ?في ?كتب ?أرسطو، ?مبتعداً ?عن ?أفكار ?العرفان ?والأفلاطونية ?المحدثة؛ ?فكان? ?بذلك ?أحد ?أفراد ?التيار ?التجديدي ?الأندلسي، ?كما ?حاول ?فصل ?الأفكار ?العرفانية ?التي ?اختلطت? ?كثيراً ?بالفكر ?الإسلامي ?وخصوصا ?بعد ?استبعاد ?ابن ?حزم ?للقياس ?في ?الفقه، ?وفصل ?ابن ?باجه ?الدين ?عن ?الفلسفة ?كأنظمة ?استنتاجيه ?وربطهما ?عن ?طريق ?الغايات ?والأهداف. ويرى ابن باجه أن كل حي يشارك الجمادات في أمور، وكل إنسان يشارك‏? ?الحيوان ?في ?أمور، ?لكن ?الإنسان ?يتميز ?عن ?الحيوان ?غير ?الناطق ?والجماد ?والنبات? ?بالقوة ?الفكرية، ?ولا ?يكون ?إنساناً ?إلا ?بها، ?ويصنف ?الناس ?إلى ?منازل ?ومراتب ?وهي: ?المرتبة? ?الجمهورية: ?وهؤلاء ?لا ?ينظرون ?إلا ?للمعقول. ?والمرتبة ?النظرية ?: ?وهؤلاء ?ينظرون? ?إلى ?الموضوعات ?أولًا، ?وإلى ?المعقول ?ثانياً ?ولأجل ?الموضوعات، ?وأخيراً ?مرتبة ?السعداء:? ?وهم ?الذين ?يرون ?الشيء ?بنفسه. كما يرى ابن باجه أن الغزالي خدع نفسه، حينما قال إن الإنسان يرى الأمور الإلهية بالخلوة، مشيراً إلى أن العقل هو العنصر الأول في مراتب الأهمية، فالمعرفة الصحيحة والمعرفة المطلقة تكون بالعقل، والسعادة تنال بالعقل،‏? ?والأخلاق ?مبنية ?على ?العقل، ?وربط ?المعرفة ?بالحواس ?التي ?اعتبرها ?طريقها، ?فكل? ?ما ?نعرفه ?يجب ?أن ?يكون ?قد ?مر ?بحواسنا ?شيء ?يشبهه ?ويقوم ?مقامه، ?كما ?أن ?الصور? ?لا ?يمكن ?أنت ?توجد ?في ?الذهن، ?إن ?لم ?تكن ?حسية، ?لأن ?الصور ?الذهنية ?تتألف ?من? ?صور ?مرت ?بالحس ?المشترك. ويصف المؤرخ‏? ?ابن ?طفيل، ?ابن ?باجه، ?بأنه ?أهم ?فلاسفة ?الجيل ?الثاني ?في ?الأندلس، ?ويقول ?عنه ?في ?كتابه «?حي ?بن? ?يقظان»?: «?إنه ?من? ?بين ?أولئك ?المتعاقبين ?لم ?يشهد ?أثقب ?ذهناً، ?ولا ?أصح ?نظراً، ?ولا ?أدق ?روية ?من ?ابن ?باجة، غير ?أنه ?شغلته ?الدنيا، ?حتى ?اخترمته ?المنية? ?قبل ?ظهور ?خزائن ?علمه، ?وبث ?خفايا ?حكمته»?. توفي ابن باجة في العام 1117م، وأجمع المؤرخون على كونه مفكرا اجتماعياً وسياسياً بامتياز، واستطاع أن يجمع بين الأدب والشعر والفلسفة والطب في‏? ?آن ?واحد، ?كما ?تمكن ?من ?نشر ?مبادئ ?إنسانية ?متطورة، ?إذ ?أوصى ?الإنسان ?بأن? ?يحيا ?مجتمعه ?بكل ?أخلاطه ?وطبقاته، ?وأن ?ينفق ?المال ?في ?وجوهه ?المفيدة ?وذات ?النفع، ?ودعا ?إلى ?التواصل ?مع ?الناس ?بما ?لا ?يجرح ?كرامتهم ?وشعورهم، ?وبما ?يمكن ?أن ?يسمو ?بالمحافظة ?على ?الآداب? ?الاجتماعية ?وآداب ?السلوك.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©