السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المخيال مصادراً التاريخ لمصلحة الأسطورة

المخيال مصادراً التاريخ لمصلحة الأسطورة
19 مارس 2014 20:48
ما زال المخيال الغربي واقعاً في أغلبه تحت تأثير غواية البحث والاكتشاف في عالم مسكون بالأساطير والغرابة والبدائية، وهو عالم الشرق المثير بوصفه الآخر المختلف والغريب. جاك كاليبو السينمائي والكاتب البلجيكي، في رحلة البحث عن الجماعات الدينية والإثنية التي تعيش عزلتها بين العراق ولبنان وتركيا، رحالة آخر مسكون بروح المغامرة والبحث، يقوم برحلة البحث والتعرف إلى تلك الجماعات المنسية، من حيث ثقافتها ومعتقداتها وطقوسها لتصوير أفلام تسجيلية عنها، وتدوين وقائع تلك الرحلة المثيرة في كتابه المشترك مع زوجته «مذاهب وملل وأساطير في الشرقين الأدنى والأوسط»، وانطلق منها إلى دمشق، ومن هناك إلى العراق في منتصف السبعينيات من القرن الماضي. منذ العنوان يكتشف الشاعر تلك الروح الشعرية التي سنجدها تهيمن على لغة السرد والوصف التي يستخدمها الكاتبان في وصف الأمكنة والعوالم الغريبة والمثيرة لأقدم المعتقدات الدينية عند مجموعة كبيرة من المذاهب والملل التي امتزج الإلهي في معتقداتها مع الأسطوري، أو تداخلت فيها الرمزيات الدينية المختلفة والمعتقدات التي أضفتها على رموزها ومعتقداتها، الأمر الذي جعلها، إما أن تنغلق على نفسها، وتعيش في عزلة عن التيارات الدينية السماوية الكبيرة، التي انشقت عنها ولم تعترف بها محافظة على هويتها الدينية الخاصة. طفولة الحضارة الأولى يكشف كاليبو في بداية الكتاب عن الأهداف الحقيقية لرحلتهما التي قاما بها سعياً وراء استخراج أول بطاركة التوراة من التخيل الأدبي؛ انطلاقاً من بلاد أور الواقعة في جنوب العراق؛ وذلك لأجل تصوير فيلم سينمائي عنهم، ما استدعى منهم الأخذ بعين الاعتبار في هذه الرحلة أن تتزامن مع الأعياد الدينية ومواسم الحج لتلك الملل والمذاهب بغية إحصاء تلك الطوائف ومعرفة تاريخها وعاداتها وتعلم العربية والعبرية للوصول إلى هذا الهدف. تتجلى شاعرية اللغة في وصف طرق الرحلة من بيروت إلى دمشق التي تفتنهم أسواقها بسحرها ومعروضاتها المثيرة واتساعها على خلاف ما سيواجهونه بعد خروجهم منها «خطوة واحدة وتبدأ الصحراء، وخطوة أخرى وتبدأ الأرض المروية، أرض غنية عضوية أمومية: عالمان يتجاوران ولا يتداخلان أبدا. ينطلق الرحالة من وعي توراتي منجز بوصفه حقيقة تاريخية وعلمية، وهذه مغالطة علمية كبيرة لم تبرهن على صدقها الحفريات، أو أي مصدر تاريخي موثق. الطاووسيون في أعالي جبالهم من النجف وكربلاء ينطلق الكاتب رفقة دليله الحكومي إلى منطقة جبل سنجار، حيث يعيش هناك عبدة الشيطان. في هذه الأماكن البعيدة يتعرف إلى معتقداتهم وطقوسهم ويعيشها معهم أثناء احتفالاتهم الدينية التي جاء الكثيرون من المسلمين والمسيحيين لرؤيتها. ومما يكتشفه لدى الطائفة اليزيدية هو تلك الخلطة العجيبة من الطقوس التي يمارسونها، فهم يصومون مع اليهود ويتعمدون، كالمسيحيين ويتطهرون كالإسلام. يؤمن اليزيديون أيضا بقوة الدائرة ولديهم كتابهم الأول (الجهونة) ويتميز ملاكهم الطاووس بقوة وحظوة تجعلهم يعتقدون أنه سوف يعود ليكون الملاك الأول عند الله. ويحاول كاليبو استعادة تاريخ النساطرة الآشوريين المنتشرين في شمال العراق من خلال علاقتهم بالساسانيين خلال مرحلة الحرب الناشبة بين امبراطوريتهم والإمبراطورية البيزنطية، ما جعل ولادة هذه الكنيسة المسيحية تتطور وتتنظم في ظل حكم الساسانيين. ونظرا لأن تاريخ هذه الحقبة ليس واضحا، فهو يقوم بعرض ما هو أساسي فيها. ومن خلال متابعاته لكيفية انتشار تلك الملل والطوائف يجد أن عمليات التبشير الديني وانتقال الأفكار الدينية كان يتم مع انتقال القوافل التجارية نحو آسيا الوسطى واليونان وفارس عبر طريق الحرير التجاري، حيث شكل العراق مركز إشعاع وانتشار للكثير منها. في طريق رحلته للتعرف أكثر إلى اتباع اليزيدية في أعالي جبال عزلتهم التاريخية يتعرف إلى المسيحيين النساطرة أو الآشوريين الذين يشاركونهم الحياة في تلك المناطق الصعبة. من لبنان إلى تركيا في زيارتها إلى لبنان تروي نيكول كاليبو وقائع زيارتها إلى جبل لبنان ووادي قاديشا، الذي يشكل معقلًا للموارنة، حيث تتعرف هناك من خلال آباء كنيستهم إلى تاريخ نشوء مذهبهم وحياة قديسهم مار مارون في شمال مدينة حلب السورية، ورحلتهم من هناك إلى هذه الأماكن هربا من الاضطهاد العثماني لهم. وما تكتشفه في طقوسهم أنهم ما زالوا يستعيدون فيها الكثير من أسطورة أدونيس وطقوسها التي ما تزال حية لديهم. طائفة مسيحية صغيرة ومجهولة تدعى البكتاشيين تغريه بالتعرف إليها وزيارة مناطق وجودهم في أعماق تركيا، بعد أن سمعوا بها من كمال جنبلاط، حيث يختارون موسم حجهم إلى قبر الحاج بكتاش في وسط الأناضول في منتصف شهر آب موعدا لزيارة مناطقهم. بين هاتين الرحلتين يتحدث بإسهاب عن الأسرار الدرزية وتاريخهم ومعتقداتهم كما شرحها له كمال جنبلاط، بما في ذلك الفلسفة الأفلاطونية الحديثة وعلم الفلك. ويفرد للمتصوفين في الإسلام الذين عاش معهم، وشاركهم رقصهم وطقوسهم فصلا ضافيا. ويركز كاليبو على موضوع الرقص والغناء لديهم واصفا تلك الرقصات الطويلة ودلالتها. غيتو داخل الغيتو الهاسيديم الأتقياء ظاهرة دينية ظهرت في أوروبا الشرقية على يد إسرائيل-بل- توف. وكان ظهورها استجابة لحاجة عند الشعب اليهودي، وهي تقوم على مبدأ الاتحاد الثابت بالله أو الاتحاد الصوفي اليهودي. عانى الرحالة كثيرا حتى استطاع العيش فيما بينهم، والتعرف إلى معتقداتهم فهم شديدو التعصب لمعتقداتهم ويبدون كثيرا من العداء لليهود الآخرين. كما أنهم لا يعترفون بدولة إسرائيل ويتكلمون اليدّيشية بدلا من العبرية. يتميزون بلباسهم المحتشم والقاتم الشبيه باللباس الإسلامي. ومن الطوائف اليهودية الأخرى التي تعيش في عزلة عن محيطها اليهودي السامريون المتحجرون، أو التاريخيون الحقيقيون، كما يسميهم المؤرخون. يتعامل اليهود معهم باحتقار وهم بالمقابل لا يعترفون بالتوراة والتلمود بل يؤمنون بأسفار موسى الخمسة وكتاب يوشع ويعتبرون النبي سليمان وثنياً وهيكله مزيفاً.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©