الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الزمان والسرعة والمكان·· ثلاثية ثورة النقل

الزمان والسرعة والمكان·· ثلاثية ثورة النقل
5 يونيو 2008 01:16
يعرض ''غاليري ووكر آرت'' لزائريه في هذا المعرض الذي يستمر حتى اغسطس المقبل، ما يقارب المائة قطعة فنية بين رسم وزيت وصور فوتوغرافية وطباعة تم استعارتها من مختلف المجموعات الفنية في العالم وتعود الى السنوات ما بين 1830 حتى ،1960 والمحفوظة في متاحف في واشنطن واتاوا ولندن ونيويورك وغيرها من متاحف كبرى، ليواكب المعرض بذلك احتفالية مدينة ليفربول البريطانية كعاصمة ثقافية لأوروبا هذا العام· وزعت الاعمال المعروضة على ستة اقسام بحسب المراحل الزمنية· فقد شكلت اللوحات الاولى التي انتجت بعد اختراع القطار اعمالا تعد توثيقية اكثر منها فنية، ففي الفترة ما بين 1830 ـ 1850 طبعت اكثر من ألفي لوحة في بريطانيا لوحدها، واعتمدت الطباعة كخامة لتلك اللوحات التي عكست التطور الكبير الذي وصلت اليه الهندسة في مجال الجسور والأنفاق، الخ· ويبين هذا القسم في المعرض أعمالا طباعية أو دراسات أولية أعدت للطباعة، حول طرق الخطوط الحديدية والقطارات والمحطات· ويمكن القول ان معظم الفنانين في هذه المرحلة كانوا من غير المشهورين، ولكن تخطيطات ورسوم الفنان جي سي بورن تظهر أنه اول فنان مهم يدخل عالم الخطوط الحديدية· تبعه من مشاهير الفنانين البريطاني تيرنر، ديفيد كوكس، والفنان الالماني الواقعي ادولف فون منزيل، وجميعهم قدموا القطارات وخطوطها تخترق المساحات الشاسعة خارج المدن فتظهر المناظر الطبيعية الريفية· أعمال مثل هذه بقيت نادرة، بسبب نظرة غالبية الفنانين الى القطارات كآلات قبيحة المنظر، اضافة الى ان ظهور التصوير في تلك الفترة (1939) اعتبر أعجوبة أخرى في عالم الاختراعات مثل القطارات البخارية، فصارت واحدتهما في خدمة الأخرى· ورحب المصورون البريطانيون والفرنسيون بالقطار كمادة لأعمالهم· ومن المصورين المشهورين هنا، ونستون لينك، بيل براندت، والفريد ستيجليتز· دراما إنسانية اللوحات التي تحكي قصصا كانت هي الشكل الأشهر في العهد الفيكتوري· وقد اختار عدد من الفناين بدءا من منتصف القرن التاسع عشر استخدام خطوط السكك الحديدية في هذا النوع من اللوحات، إما برسم المحطات وضجيجها، او باستخدام العربة من الداخل كمكان لخلفية لوحاتهم· إلا أن كليهما تعرضا بشكل أو بآخر لمسألة الطبقات داخل المجتمع· فالتناقض الذي انعكس في اللوحات بين ركاب الدرجة الاولى والثانية والثالثة اظهر بشكل واضح مدى غياب العدالة الاجتماعية آنذاك· وكي ننتقل من مجرد الكلام النظري نقدم بعض النماذج، من ذلك لوحة ''محطة القطارات'' للبريطاني وليم باول فريث التي رسمها عام 1862 وحققت نجاحا كبيرا، إلى حد أنه تم محاكاتها من قبل فنانين آخرين في بلدان عدة· إلا أنه وفي زمن متقدم من القرن التاسع عشر، بدأ بعض الفنانين بالتركيز اكثر على الفئات الاكثر فقرا، واستخدمت القطارات كخلفية مكانية لأعمال تلقي الضور على المشاكل والقضايا الاجتماعية· وبإمكاننا في هذه الجزئية ان نشير -بالإضافة لفريث- إلى فنانين امثال، ابراهام سلومون، اونوري دومييه، اوغست ايغ ''لوحة رفاق الرحلة''، فريدريك بيكون بارويل، كارل فيلهم هان، كارل كارجر، جيمس تيسو، فرانك هول، جوكان سورولاي باستيدا· عبور القارات كان الرسامون الاميركيون اكثر اهتماما من زملائهم الاوروبيين في تضمين القطارات في لوحاتهم التي تتناول المناظر الطبيعية· في الحقيقة كانوا فخورين بالتقدم الصناعي ولم يجدوا فيه أي تهديد لجمال الطبيعة· ولكن الفنانين نادرا ما أظهروا القطارات قريبة في لوحاتهم، حتى في لوحة ''وادي لوكاوانا'' للفنان جورد اينس، التي تعد اشهر الاعمال الفنية في هذا المجال، ظهر القطار من مسافة معتدلة· ارتبطت القطارات بمشروع اقتحام الصحراء الاميركية وتقدم المستوطنين من الساحل الشرقي الى الساحل الغربي· وقد استأجرت الشركات في حينها الفنانين والمصورين للترويج للتقدم الذي حققته في مجال خطوط السكك الحديدية· غير ان الاعمال الفنية من رسوم وصور المعروضة في هذا المعرض تقدم قسما خاصا بنماذج من الهند واليابان وافريقيا لتذكرنا ان اختراع القطارات وسككها كانت ظاهرة عالمية في القرن التاسع عشر تركت آثارها على العديد من دول العالم· الانطباعية وما بعدها كان فنانو تلكما المدرستين الفنيتين من اوائل الذين وجدوا بعضا من الشاعرية في الحركة المتواصلة في المدينة الحديثة، وكان للقطار دور مكمل في هذا المجال· فمحطة ''غار ـ سانلازار'' وجسر ''بونت ديروب'' الفرنسيان كانا محل تركيز عدد من اللوحات الانطباعية، لأن عددا من الفنانين امتلكوا استديوهات في تلك المنطقة من باريس، لقد قادهم اهتمامهم بالقبض على التأثيرات الناتجة عن الاضاءة والاجواء المحيطة بها، الى نقل عالم محطات السكك الحديدية والحياة المتحركة من حولها بسبب من الأبخرة والأدخنة· كذلك انجذبوا كثيرا الى الجسور التي صممت لخدمة مسار القطارات التي ربطت باريس بالضواحي والمناطق القريبة مثل ''ارجانتوي''، التي اوحت لفنان مثل كلود مونيه ببعض رسومه، وفي المعرض اربعة منها· اما كامي بيسارو الفرنسي، فقد عاش في لندن لفترة من الزمن واستوحي حركة القطارات في الفضاءات الخارجية، ولوحته ''محطة لورد شب لين'' مثال على ذلك· وصور الفنان الهولندي فان كوخ القطار القادم من المدن ليتلاشى في المناطق البعيدة لمنطقة ''بروفانس'' الفرنسية، حيث عاش فترة من الزمن صحبة غوغان، ونرى في المعرض لوحته ''القطار''· في المعرض ايضا نماذج من أعمال فنانين آخرين من تلك المدرسة التي شكلت أهم الأعمال المعروضة في التظاهرة الحالية، اشهرهم الفنان الفرنسي ادوار مانيه في لوحته ''سكة الحديد'' التي قدم فيها امرأة ترتدي ازياء على الموضة برفقة فتاة صغيرة وكلتاهما تنظران الى سحابة البخار التي تحوم فوق عربات القطار المتحرك، والفنان اونوريه دومييه في لوحة ''عربة الدرجة الثالثة''· أوضاع العقل واللاوعي عندما بدأ الفنانون ينتقلون اواخر القرن التاسع عشر من تقديم المظهر الخارجي الى التعبير عن دواخل العقل، حملت القطارات رموزا قوية للتعبير عن مختلف المشاعر داخل اللوحات، من ذلك تهديد طرق الحياة التقليدية، احلام التنقل والسفر الى الامكن البعيدة، بهجة السفر او القلق من الرحلة بواسطة القطار· بالنسبة لفناني الحركة التعبيرية في فرنسا وفناني الحركة المستقبلية الايطالية، ارتبط القطار بالتغرب عن المدينة، حيث النشاط المستمر للحياة المعاصرة والبحث عن معادل بصري لتلك الحركة، اضافة الى الإعجاب بقوة الآلة عند المستقبليين· وتطلع السيرياليون في القرن العشرين الى سبر أغوار الواقع من خلال ما هو غرائبي او متضمن في الاحلام· لقد حاولوا الوصول الى الروابط التي تربط بين بين رحلات القطار والتوتر، الحزن، الغموض، وحالات اللاوعي· وكان الفنان البلجيكي بول ديلفو مهووسا بموضوعة القطارات مستوحيا الاجساد العارية بصورة متناقضة مع تعقيدات العربات والمحطات· وفي اميركا، نظر الفنان توماس بنتون الى الفلكلور الذي احاط بالكوارث الشهيرة لحوادث القطارات واستوحى منها افكارا للوحاته، بينما وجد ادوارد هوبر في القطارات طريقة في التعبير عن العزلة والوحدة في المجتمع، كما في لوحته المعروضة ''غروب في طريق القطار''·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©