الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مؤلفة «فيتامينات للروح» تعلمنا كيف نوقظ ذواتنا

مؤلفة «فيتامينات للروح» تعلمنا كيف نوقظ ذواتنا
18 أكتوبر 2015 15:23
بعيداً عن المدينة «الشارقة» بوصفها تاريخاً، سياسياً واجتماعياً يخص جماعة بشرية بعينها هي شعب الإمارات.. بعيدا عن كَوْن ذلك التاريخ درامياً وحافلًا بشخوصه وأحداثه والمؤثرات الأخرى فيه سواء أكانت داخلية أم خارجية.. بعيدا عن ذلك كلّه، فإن المرء لا يبالغ في القول إن معرض الشارقة الدولي للكتاب، بما تضمنه منذ انطلاقته من أنشطة وفعاليات ثقافية موازية أو نابعة منه، فإنه هو الذي نقل اسم الشارقة إلى المستوى العربي، ومن ثم العالمي عبر ثلاث وثلاثين سنة من تاريخه الذي بات طويلًا الآن. منذ العام 1982، انطلق معرض الشارقة للكتاب ضمن حزمة من الأنشطة والفعاليات الثقافية التي تفككت فيما بعد إلى فعاليات سنوية قائمة بذاتها؛ ليحتفظ المعرض بفرادته التي سرعان ما جعلته منبرا ثقافيا إماراتيا وحيدا في تلك الثمانينيات المحتدمة على المستوى الثقافي العربي، والتي كانت تمور بنوع من الأسئلة المعرفية الكبرى، ومثّلت ساحة لجدل اختلط فيه الثقافي بالسياسي والراهن الابداعي بماضيه ومستقبله.. أسئلة لم يكن لها أن تُثار هنا في الإمارات لو لم تكن تتغذى على الكلمة الطازجة التي كانت تصل سنويا من المطابع العربية إلى رفوف الكتب. صحيح أن معرض الشارقة الدولي للكتاب بدأ سوقا تأتي إليه بضاعة «المعرفة» من أغلب الأسواق العربية ليزود بها المبدعون والمثقفون والأكاديميون الإماراتيون، لكنه كان معرضا طموحا أيضا سرعان ما تحول إلى منبر للمثقفين والمبدعين العرب، إلى حدّ أنه خلال النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي وحتى منتصف التسعينيات كان قد استضاف ألمع الأسماء في الثقافة العربية، وخاصة الشعراء البارزين من بينهم طراز محمود درويش وأدونيس ونزار قباني ومحمد مهدي الجواهري، والكثير الكثير من مثقفي ومبدعي مشرق الوطن العربي ومغربه إلى جوار المثقفين الإماراتيين. لقد مثّل المعرض علامة فارقة في الحياة الثقافية الإماراتية، خاصة لدى جيل تلك الحقبة من المبدعين الذين كانوا قد تخرّجوا للتو في الجامعات، إذ وفّر لهم المعرض مصدرا أساسيا للمعرفة فضلا على نقطة التقاء بالمبدعين والمثقفين العرب من خلال الكتب والإصدارات الحديثة وأتاح لهم فرصة مهمة للتعرف على أنفسهم وعلى أبناء جيلهم من المبدعين العرب، وخاصة الشعراء، لتصبح الإمارات بعد ذلك جزءا فاعلا في المشهد الثقافي العربي من خلال عدد من الأسماء وما أنجزته من إبداع وليست ساحة ثقافية يقتصر دورها على التلقي والتأثر. جيل التسعينيات بدءاً من التسعينيات ظهر أثر ذلك واضحاً في منجز إبداعي إماراتي كان لافتا للنظر واستحق العديد من الجوائز العربية التي بشرت بـ «شباب» شعري وقصصي لا يخص الإمارات وحدها بل يتجاوز ذلك إلى المنجز الابداعي العربي. والحديث هنا يخص، على وجه التحديد، ذلك الجيل الذي تبلور وعيه الشعري خلال الثمانينيات، وبدأ عطاؤه الشعري في الظهور مع مطلع التسعينيات، أو ما يعرف في الدرس النقدي العربي بجيل التسعينيات. ثمة أسماء كثيرة إلى حدّ لافت على هذا الصعيد، من بينها حضرت الشاعرات بنسبة كبيرة وغير معهودة بل وجريئة أيضا إلى حدّ أنها، كنسبة حضور فاعل ومرئي من قبل الجميع، لم تكن مطروقة من قبل في المشهد الثقافي الإماراتي، سواء السابق على تأسيس الاتحاد أو اللاحق أيضا. في أية حال، بهذا المعنى يكون معرض الشارقة الدولي للكتاب، الذي نشأ في فضاء منفتح على أشكال الإبداع والأفكار والتوجهات والتيارات بكل تباينها، قد أسهم في الارتقاء بوعي عام تجاه القراءة والتلقي مثلما أسهم، لدى المبدعين، في اختصار الوقت والجهد بأن وفّر للمثقف الإماراتي جوّا تعدديا للنقاش حول ما يدور في الثقافة العربية. فباتت الشارقة خلال فترة انعقاد المعرض مدينة ثقافية أقرب في حيويتها الابداعية والثقافية إلى المدن العربية المعروفة بكونها تحتكر إنتاج الثقافة العربية وكذلك تلقيها. لقد رسخت تلك الفترة، ولا تزال راسخة، في وجدان الكثير من المثقفين والمبدعين الإماراتيين بوصفها الفترة الذهبية للثقافة في الإمارات، ربما بسبب أن الفعاليات الثقافية إجمالا كانت نادرة، قياسا بما هي عليه اليوم كمّاً ونوعاً، لكن المعرض شكّل أرضية صلبة منذ نشأته جعلته يستمر ويطرح الجديد، حيث من الواضح أيضا أنه لو لم يتشكل نوع من الخبرات لدى القائمين على المعرض بالتعلم من الممارسة وتصويب الأخطاء مثلما من تجارب في الجوار العربي القريب لمَا أتيح لتلك الأرضية أن تحمل الأسس الطموحة في الارتفاع أعلى فأعلى للمعرض، منذ البدايات. وسط «الحياد الثقافي» قفزا إلى العام 2012 لا على التعيين، كان الفرد قد تغير بدءا من العام 1989، على الأقل في المنطقة العربية. فرضت العزلة أسوارها العالية على المدن أيضا مثلما على الجغرافيات المتجاورة والبعيدة، وانكفأ المثقف العربي إلى عزلة أخرى أثثها بالكثير من اليأس والضوء ولم يعُد يُسمع سوى تلك الأصوات التي، كأنما، ظهرت فجأة وتنادي برؤية أحادية لا تجد سبيلا إلى تطبيقها سوى الرصاص والدم والتهديد والوعيد. كان وجه العالم أيضا قد تغيّر. ونأى الإبداع وأي إحساس للفرد بفرديته إلى ما وراء ذوات هي جزر معزولة لا حول لها ولا سند، بل لم تنج في بعض الأحيان من وضع كارثي. بمعنى آخر، لو لم يكن معرض الشارقة الدولي للكتاب قد أصبح مؤسسة راسخة لما قُدِّرَ له الاستمرار في عاصفة من «الحياد الثقافي» إذا جازت التسمية، أمام سيل جارف من التغيرات السوسيوثقافية على مستوى المنطقة وليس على مستوى كل بلد عربي على حدة. لقد تراجع المنطق مثلما تراجعت العقلانية وانشغلت الناس بشأنها الحياتي اليومي أكثر، حتى المثقفون من بينهم، وتراجعت نسبة القراءة على المستوى العام رغم تحقق تقدم ملحوظ أنجزته الدولة العربية مقارنة بما كان عليه الأمر في سنوات سابقة. طبعا هذا الأمر نسبي وليس كله سلبيا تماما بل نشأ في التسعينيات ومطلع الألفية جيل من المبدعين والمثقفين الأصيلين في المنطقة العربية كلها، فكانت لافتة حقا تلك الأصوات الأنثوية التي دخلت إلى مساحة الإبداع من بوابة السرد، وذلك على مستوى عربي تقريبا. باختصار لقد تغيّر العالم أجمع. قفزا إلى العام 2012 لا على التعيين، كان معرض الشارقة الدولي للكتاب قد أصّل في أجنحته مشاركات أجنبية مثلما أتاح لغات أخرى مجاورة أو بعيدة، ملتفتا إلى الجاليات الأجنبية أيضا التي تعيش على أرض الدولة، فاتسعت رقعة المساحة التي يشغلها مكانيا وزمنيا، إلى أن استقر في اكسبو الشارقة وعلى مدى أسبوعين مكتملين مثلما أصبح مليئا بأنشطة وفعاليات مختلفة وبلغات متعددة جعلت من الصعب على المرء متابعة المعرض بكل تفاصيله وبات الاختيار ضرورة، بل إن اختيار العناوين التي من الممكن أو المطلوب شراؤها من قبل الشخص بات ضرورة أيضا من فرط تلك الزيادة في العناوين وخاصة الترجمات التي بات الاهتمام القرائي بها أعلى. من هنا لم يعد غريبا أن تجد كاتبا هنديا (أم تي فاسوديفان نير)، في العام نفسه، يستقبله أفراد الجالية الهندية في الشارقة ومن الإمارات كلها بوصفه رمزا قوميا لهم، يقفون أمام طاولته في طابور يكاد لا ينتهي طالبين توقيعه على كتبه خاصة روايته «كلام»، في مشهد يثير الغيرة بالفعل، إذ إنه أمر لم يتحقق لأي من الكتّاب العرب أو الأجانب أو حتى الهنود انفسهم على الرغم من حضور مثقفين ومبدعين مسموعي الصوت في أوساط الجالية الهندية هنا مثلما في بلادهم. أهمية إقليمية هكذا أخذ معرض الشارقة الدولي للكتاب، وشيئا فشيئا بدءا من مطلع الألفية في تحقيق موقع ذي أهمية إقليمية خاصة بالنسبة للناشر الأجنبي وليس المحلي والعربي وحدهما. في الوقت ذاته خرجت إدارة المعرض بالعديد من المبادرات في سياق دعم الناشر المحلي والعربي كان آخرها افتتاح مركز للترجمة: «مركز الشارقة للترجمة» الذي يقوم بتمويل شراء حقوق التأليف والملكية الفكرية لكتب حديثة الإصدار من ناشريها ومؤلفيها ومنحها لناشرين محليين وعرب على أن يتم نقلها إلى العربية من لغتها الأم من دون الحاجة إلى لغة وسيطة. عزز ذلك كله من الحضور العالمي في معرض الشارقة، في حين لم تدع إدارة المعرض أية فرصة دولية للمشاركة في معارض شبيهة في العالم إلا وتواجدت في تلك المعارض بهدف الترويج للمعرض على نطاق دولي، لذلك ليس كثيرا وبعد جهد تراكم طيلة الثلاث وثلاثين سنة أن يكون معرض الشارقة الدولي للكتاب أحد المعارض المعروفة عالميا، بحسب إحدى المؤسسات الغربية التي أعلنت عن ذلك مؤخرا، هو الذي استطاع الاستمرار من دون توقف وبعزيمة على التميز والاختلاف والخلق والابتكار على الرغم من الظروف السيئة كلها التي مرّت بها المنطقة وما زالت.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©