الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

فيلم «منشفة الرأس» يسرد الازدواج الثقافي عند المهاجر

فيلم «منشفة الرأس» يسرد الازدواج الثقافي عند المهاجر
27 يوليو 2009 02:45
يثير فيلم «منشفة الرأس»، الذي يعرض في السويد حاليا، أسئلة تحيل مشاهده للتفكير في موضوعة الاندماج ومدى قدرة المهاجر العربي على التوافق بين ذاته الموزعة: بين منظومة القيم الموروثة من مكانه الأول وبين القيم الجديدة في المكان الجديد. ومن خلال علاقة اللبناني، رفعت، المنتسب للطبقة المتوسطة بحكم عمل في وكالة ناسا للفضاء، بالمجتمع الأميركي وثقافته من جهة وتعامله مع ابنته المراهقة من جهة أخرى، تكمن ضفتي الحبكة التي تتمحور حولها أحداث الفيلم المقتبس عن رواية بنفس الاسم كتبتها المصرية المقيمة في الولايات المتحدة الأميركية أليسا اريان. وهذا الفيلم الذي جمع بين إدانة العنصرية والمواقف الجاهزة وبين طبيعة الإنسان وتناقضاته في كل مكان، يبدأ الصراع فيه بين المراهقة جسيرة (الممثلة سمر بيشيل) ووالدها (الممثل بيتر مقدسي) حين ترسلها والدتها المطلقة إليه في ولاية هيستون. في بيتها الجديد ستجد جسيرة نفسها في مواجهة قوانين صارمة يفرضها الأب المسيحي عليها، وستفاجأ بتناقضات سلوكه مع الخارج الأمريكي. فهو يسعى بكل السبل لإضهار نفسه أمام جيرانه وكأنه أميركي أكثر منهم. يرفع علم بلادهم عاليا، وكأنه يرفع علم بلاده، ويزيد عليهم بتسليطه مزيدا من الأضواء الساطعة عليه، ليظهره جليا في عتمة الليل. في ذات الوقت كان يمارس داخل منزله، سلوكا مختلفا ومتناقضا مع السائد من الثقافة الأميركية. فهو يمنع ابنته من الخروج ويطلب منها ارتداء ملابس محتشمة، وفي الليل يصطحب عشيقته الى نفس المنزل. تناقض سلوكي صارخ يتجلى تدريجيا مع التصعيد الدرامي للشريط. وحين تعلن الإدارة الأميركية استعدادها للدخول في حرب الخليج الأولى ضد صدام حسين، يعلن هو موقفا مؤيدا له. فموروثه الاجتماعي والأخلاقي اللبناني ظل غالبا داخله، وفي الخارج كان الظاهر الأميركي الشكلي يغلب سلوكه. هذا التناقض سيدفع ابنته للبحث عن حنان وانسجام في مكان أخر غير بيتها. ونتيجته لاندفاعها تتعرض لمحاولة اعتداء جنسي من قبل جارهم المتزوج والمستعد للذهاب الى الخليج متطوعا في الجيش الأميركي. وحتى لا يسقط المخرج آلان بال فيلمه في سطحية سقطت فيها أفلام كثيرة حين تناولت نفس الموضوع، وسع لأجل هذا موضوعه ليشمل المجتمع الأميركي كله. لقد أخرج «منشفة الرأس» من فيلم يسرد بصريا حالات فردية الى شريط يتناول المشهد الاجتماعي كاملا. فمقابل السلوك الشائن للجار تظهر امرأة أميركية شجاعة تحتضن جسيرة وتضع حدا لسلوك الجار. وبالمقابل خلط آلان بال بخبرة كاتب سيناريو متمرس، كتب أعمالا سينمائية ناجحة من بينها «جمال أميركي»، حالة المراهقة جسيرة الخاصة بالجو العام اللافظ للمهاجر والعنصري المبطن. ومن خلال شخصيات وعوائل أميركية زنجية، سنتعرف من خلالها على نمط من السلوكيات العنصرية وعن قيم أخلاقية منحطة تستغل ضعف الكائن لتبرر أفعالها بأسباب واهية وتتستر بشعارات وطنية أو سياسية، كمحاربة الإرهاب والوجود العربي المؤيد للعنف كما يدعون، الى جانب كراهية الأبيض للأميركي للأسود من أبناء وطنه. لقد أبعد بالي فيلمه من السقوط في الكليشهات فجاء معبرا عن حالات إنسانية تتجاوز السائد في المشهد الإعلامي. وحتى لا ينشغل، فقط، برصد سلوك الأب المزدوج واندفاع المراهقة الجسدي الأهوج أضفى المخرج بعدا جديدا حين أعطى لشريطه جرعات من الكوميديا السوداء ساعدت في التخفيف من حدة مناخه القاسي. وقد نجحت الممثلة سمر بيشيل في دورها، وربما يُسمع مستقبلا باسمها في أعمال سينمائية قادمة. فأداؤها العفوي ساعد كثيرا في توصيل دواخلها المضطربة، وقدم شخصية واضحة الملامح دراميا، فجاء الدور مطابقا لها. لقد قدم بالي فيلما متوازنا وشخصياته العربية حملت طابعا ايجابيا في نهايتها. فالأب كان في تشدده يعتقد أنه يساعد ابنته بها. وهو لم يكن سيء السريرة على الإطلاق وموقفه النهائي من جاره دلل على شهامة مع ازدواجية، ولكنه ظهر في النهاية ككائن يعاني من مشكلة الازدواج الثقافي مثل آلاف غيره من المهاجرين. والأشخاص المحيطون به ظهروا خاضعين لمؤثرات المجتمع وإعلامه الذي فرض عليهم شروطه بقوة. وفي ذات الوقت أكد، في أكثر من موقف، على وجود دائم لأناس يواجهون بقوة هيمنته. فالاندماج في أي مجتمع يحتاج لمعونة المجتمع نفسه. وأول شروطه الاندماج الصحيح: احترام القادم الجديد وموروثه المختلف.
المصدر: استوكهولم
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©