الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أميركا .. لماذا لا تفهم بوتين؟

أميركا .. لماذا لا تفهم بوتين؟
19 مارس 2014 01:03
بدأت حياتي في جامعة هارفارد بالتخصص في الدراسات السوفييتية، وذلك في سبعينيات القرن الماضي، عندما كان الاهتمام بالاتحاد السوفييتي في قمته، وكان الطلاب الذين يدرسون السياسة السوفييتية يحصلون على دعم وافر. وكان الفرع المعرفي قد تأسس في نهاية أربعينيات القرن الماضي، عندما أدركت واشنطن مدى ندرة ما تعرفه عن خصمها في الحرب الباردة. ومولت الحكومة مجال دراسات الاتحاد السوفييتي ومناطق أخرى من شرق آسيا إلى أميركا اللاتينية، لأنها أدركت أهمية تدريب أشخاص يستطيعون فهم المنطقة ولغاتها وتاريخها وثقافتها واقتصادها وسياستها. وقد يكون الزمن قد تجاوز الدراسات السوفييتية، كما حدث مع الاتحاد السوفييتي نفسه. لكن الحاجة إلى فهم متخصص ودقيق لروسيا خاصة دوافع وآليات عمل الكريملن أمر حيوي، كما كان دوماً. وبغير هذا، فإن على الولايات المتحدة أن تعيد دورات «إعادة الإطلاق»، التي تبدأ بتوقعات كبيرة لعلاقات أفضل مع روسيا، تتبعها سلسلة من خيبات الأمل. وليست «إعادة الإطلاق» التي قام بها أوباما إلا الأحدث بين عمليات مماثلة منذ نهاية الحرب الباردة. في الثمانينيات، أعلن رونالد ريجان مسمى «إمبراطورية الشر»، وتوفي ثلاثة من القادة السوفييت العجائز واحداً بعد الآخر. ثم جاء الشاب المفعم بالنشاط ميخائيل جورباتشوف الذي أعلن في ديسمبر عام 1991 انتهاء الاتحاد السوفييتي، وتغير الزمن بالنسبة لنا أيضاً نحن الخبراء في الشأن السوفييتي، وتحول معظمنا إلى خبراء في الشأن الروسي، أو الروسي الأوروبي. وفي حالتي كان هذا يعني التخلي عن محاضراتي في الماركسية اللينينية وكيفية عمل المكتب السياسي، والتحدث بدلًا من هذا عن الانتخابات والأحزاب السياسية، والرأي العام الذي يؤثر على السياسة الخارجية، ويعني أيضاً تناول جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق باعتبارها دولًا مفردة. وبدأت أول عمل حكومي لي في مكتب التخطيط السياسي في وزارة الخارجية الأميركية، بعد أن وصلت حرب كوسوفو بالعلاقات الأميركية الروسية إلى مرحلة القطيعة. فقد قالت موسكو إن واشنطن تتجاهل المصالح الروسية، وتحاول أن تدمر علاقاتها مع حليف تقليدي (وهي صربيا في هذه الحالة). والخطاب يشبه بشكل غريب ما نسمعه اليوم. وانتهت محاولات إدارة كلينتون في «إعادة إطلاق» العلاقات مع روسيا. وسعت إدارة بوش الابن أيضاً إلى إصلاح العلاقات مع روسيا، وفي وزارة الخارجية سعينا إلى أن نقدم لروسيا عضوية مجلس حلف شمال الأطلسي أملًا في أن نعطي موسكو حصة في النظام الأمني في أوروبا بعد الحرب الباردة، وهو النظام نفسه الذي تسعى إلى نقضه اليوم باحتلال شبه جزيرة القرم. وبعد شهور واعدة كانت روسيا فيها شريكاً في الحرب في أفغانستان تبددت عملية «إعادة إطلاق» العلاقات بسبب حرب العراق وثورتي جورجيا عام 2003 وأوكرانيا في عام 2004 وهي تحركات أطاحت الحكومات، وتبشر فيما يبدو بحقبة جديدة من الديمقراطية. وفي مقابل دعم الولايات المتحدة بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، طالب الكرملين بأن تعترف واشنطن بما تطلق عليه موسكو «مجالها من المصالح الامتيازية» في نطاق ما بعد السوفييتية، ثم كما هو الحال اليوم، شعر الكرملين بالخيانة عندما دعمت الولايات المتحدة جماعات في أوكرانيا تريد علاقات أوثق مع الغرب. وتعقيدات منطقة ما بعد الاتحاد السوفييتي هائلة كما تجلى الأمر في أزمتي أوكرانيا عامي 2004 و2014، لكن عدد المشتغلين بالشأن الروسي في الحكومة الأميركية وفي المجال الأكاديمي يتضاءل. وأحد المتسببين في هذا هو البحث الأكاديمي الذي أصبح يجري التقليل من قيمة مجال الدراسة ويجري تقليص الميزانيات بشكل كبير. والمؤسسات التي لا تدعم مجال الدراسات هذه الأيام إلا نادراً تتحمل أيضاً بعض اللوم. ورغم مرور وقت طويل على انتهاء الحرب الباردة، فإن روسيا الحديثة أحياناً تبدو كروسيا القديمة، و مازلنا بحاجة إلى مهارات فهم الكرملين التي اكتسبناها من قبل لنفهم لعبة بوتين في أوكرانيا على سبيل المثال. والخبرة المتخصصة أساسية إذا أردنا ألا تدهمنا أزمة تلو أخرى. ولدينا فرصة في تدريب جيل جديد من الباحثين يمكنهم أن يطوروا معرفة عميقة بروسيا المعاصرة بطرق لم تكن متاحة عندما بدأنا الدراسة لأول مرة. وعندما كنت في موسكو أثناء حادثة تشيرنوبل النووية عام 1986، سألني صحفي غربي «ما الذي يعتقد رجل الشارع في موسكو؟» وكانت إجابتي: رجل الشارع غير موجود على الأقل بالمفهوم الغربي. رجل الشارع في موسكو لم يصله علم بالحادثة، وقد لا يجرؤ على الحديث إلى أميركي لا يعرفه يطرح عليه أسئلة في الشارع. لكن اليوم من الممكن معرفة ما الذي تفكر فيه طائفة واسعة من الرجال والنساء الروس في الشارع والميدان. إذن، ما لم نستطع إدارة الأزمة الحالية بفعالية، ونمنعها من أن تصبح أكثر خطورة سيكون من الأصعب علينا التركيز في مناطق للولايات المتحدة فيها مصالح متداخلة مع روسيا، مثل إيران وسوريا وأفغانستان والقطب الشمالي. لأن بعد انتهاء أزمة أوكرانيا وتلاشي كل الخبراء في الشأن الروسي، مثلي، من شاشات التلفزيون وموجات الراديو سيظل هناك مساحة لعلاقة يعتمد عليها مع روسيا استناداً إلى الواقعية وليس على «إعادة إطلاق» العلاقات. وما لم نلزم أنفسنا بتعليم جيل جديد عن هذا الخصم السابق والشريك المحتمل، فإننا لن نكون مستعدين للتعامل بشكل فاعل مع الجيل التالي لبوتين في روسيا بكل ما يحمله من تحديات وأيضاً فرص. ‎أنجيلا ستنت مدير مركز الدراسات الأوروآسيوية والروسية وشرق أوروبا بجامعة «جورج تاون» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©