السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الزوجة العذراء

الزوجة العذراء
26 يوليو 2009 23:25
لم أشاهد ابن عمي، مع إنه خطيبي، ولم أكن أتذكر ملامحه، فقد كنت ألعب معه منذ أن كنت طفلة ولكن وجهه لم يبق في ذاكرتي مع مرور الزمن. كبرت وأنا اسمع من أهلي بأنني سأتزوج من «فلان» فهذه العادة موجودة في عائلتنا، حيث أن ابن العم يستطيع حجز ابنة عمه باختيار الأهل وقرارهم، فلا يحق لها أن تتزوج غيره، ولا يحق له أن يعترض على هذا الاختيار. لم أتعب نفسي بالتفكير بغير هذا الواقع، ولم أكلف نفسي مشقة الأحلام غير الواقعية، فأنا أعلم جيداً بأن أحكام عائلتنا ستطبق علينا، شئنا أو أبينا، وما المانع في أن أتزوج من ابن عمي أو من غيره؟ فأنا لست في موضع الانتقاء أو الاختيار بحكم الانغلاق الاجتماعي الذي أعيشه، فكان ما سمعته من أهلي عن وسامة ابن عمي وعن أخلاقه والتزامه بالدراسة والتفوق، كل ذلك كان حافزاً إيجابياً يجعلني راضية ومقتنعة بقدري، أنهيت دراستي الثانوية، وجلست في البيت انتظر ابن عمي ليكمل دراسته الجامعية، كنت أتمنى من كل قلبي أن أدخل الجامعة، فقد كنت متفوقة في الدراسة، وأملك قدرات متميزة في الرياضيات والكمبيوتر، وقد اعتبرتني معلماتي معجزة زماني في ذلك المجال، وقد حاولن محاولات كثيرة لإقناع أهلي بضرورة إكمال دراستي الجامعية، خصوصاً بعد أن حصلت على نسبة مئوية عالية، ولكن للأسف فإن أهلي لم يتراجعوا عن موقفهم، وأبقوا على قناعتهم بعدم دخول بناتهم للجامعات، وبعد إلحاح شديد مني أخبروني بأن موعد زواجي قريب، فإن شاء زوجي ورضي بأن أدخل الجامعة فلا بأس بذلك. كانت تلك الفكرة هي أجمل حافز يجعلني انتظر زواجي بفرح كبير، فقد كان أملي كبير بأن يتفهم ابن عمي رغبتي في إتمام دراستي، لأنه إنسان جامعي ومتفوق ويعرف ماذا يعني حب الإنسان لتطوير ذاته بالعلم والمعرفة. بانتظار الفرح جاء موعد العرس بعد تحضيرات واستعدادات كثيرة ملأت كل وقتي وغمرتني بشكل كبير لأشهر طويلة، وقد مرت الاحتفالات المتعددة التي سبقت العرس، وكنت فرحة وسعيدة بكل شيء، ولكن كان بداخلي خوف مبهم لا أدري ما سببه، كنت أحاول تجاهله، وكنت أقنع نفسي بأنها مجرد وساوس لا أساس لها. في العرس لبست فستاني الأبيض الرائع، وظهرت أمام الناس كأجمل عروس، كانت لحظات صعبة ولكنها جميلة وممتعة، حتى وصلت إلى الكوشة وأنا أتنفس بصعوبة، ثم جلست على مقعدي وصرت أسلم على الناس والتقط الصور، ثم دخل «المعرس» فازدادت ضربات قلبي، فلما اقترب مني نظرت إليه بخجل فوجدته جميل الوجه، بهي الطلعة كما وصفوه لي، فارتحت كثيراً، ولكني لاحظت بأنه لم يحاول أن ينظر إلي، وتذكرت بأنه لم يطلب رؤيتي حتى بعد أن تم عقد القران بيننا، فهل يعقل أن يكون خجولاً لهذه الدرجة!! كنت أبعد تلك الوساوس، وأحاول جاهدة أن لا أجعلها تخرب أجمل لحظات حياتي، وقد خططت بداخلي بأن أبذل جهدي كي أجعل ابن عمي يحبني، وسأحبه وأجعله متعلقاً بي بشكل كبير جداً، فلا يرفض لي طلباً، ذلك لثقتي بجمالي وقوة شخصيتي، حيث كانت لي مكانة متميزة في المدرسة، وكنت موضع الإعجاب والحب والتقدير لزميلاتي ومدرساتي، لذلك أحسست بأنه ليس صعباً علي التأثير على زوجي وكسب محبته وإعجابه. تمت جميع المراسيم الخاصة بليلة الزفاف ودخلت غرفتي الجميلة مع زوجي وأنا انتفض وارتعش خوفاً كغيري من العرائس الصغيرات، توقعت كل شيء عدا ما حدث فعلياً في تلك الليلة. الليلة العجيبة لم أكن أتوقع أبداً بأن تكون هذه الليلة هي بداية لسلسلة من المعاناة، وتحطيم أمالي وطموحاتي، وفيها سيفتح أمامي باب مظلم شديد القسوة لمعاناة جديدة، لم أفكر بان أعيشها مطلقاً. فما حدث هو أن زوجي أعرض عني ولم يلمسني، ولم يكلف نفسه مشقة النظر إلى وجهي، فبمجرد دخولنا الغرفة، دخل الحمام وغير ملابسه ثم أدار ظهره ونام، تركني جالسة في كامل زينتي لا أدري ماذا أفعل. دارت الدنيا أمام عيني ولم أعرف كيف أتصرف!! وماذا أقول!! وماذا يحدث!! ولمَ يتصرف ابن عمي بهذا الشكل؟ هل هنالك أسرار لا أعرفها؟ خشيت أن أسأله وتركته لينام، ذهبت فمسحت الأصباغ عن وجهي، وألقيت بثوب عرسي ولبست ملابس النوم واستلقيت إلى جانبه وأنا أتقلب على جمرة التفكير والقلق حتى جاء النهار. في اليوم الثاني جاء الأهل للمباركة، فلا أحد يعلم ما حدث، عندما سألتني أختي، قلت لها لم يحدث شيء مطلقاً، استغربت ولكنها بررت الموقف وقالت: إنها الليلة الأولى وربما كان مرتبكاً. حدث نفس الشيء في الليلة التالية، وكل ليلة يدخل الغرفة ويغلق الباب بالمفتاح ويغير ثيابه ويذهب لينام، وكأنني غير موجودة في الغرفة، لا يحاول حتى أن يقول لي كلمة واحدة!! حاولت أن أتحدث معه ولكنه لم يرد علي!! مرت الأيام والشهور وأنا على هذا الحال، أقضي نهاري مع عائلته، وعندما يعود زوجي نذهب إلى غرفتنا فينام ويتركني لوحدي. لم أخبر أحداً بهذا الأمر سوى أختي التي تكبرني وطلبت منها عدم إخبار الآخرين لأنني لا أحب أن يتحدث الناس عني، وقد فكرت بأنه ربما سيتغير مع الوقت، ولربما كان يعيش أزمة نفسية معينة أو أي شيء آخر يجعله متوتراً أو تعباً، وربما هي مرحلة مؤقتة، بهذا الحديث كانت أختي تصبرني وأنا أحاول إقناع نفسي به ولم يكن أمامي لتسلية نفسي وقضاء الوقت سوى الإنترنت الذي وضعه زوجي في غرفتنا لنفسه، فكان هو تسليتي الوحيدة، حيث كنت أتنقل عبر المواقع للتسلية وتمضية الوقت، وقد قادني فضولي إلى المواقع التي استطيع فيها التحدث مع الآخرين، وتكوين صداقات بدون أن يعرف أحدهم عن أسمي أو هويتي، فكانت هذه الهواية هي المتنفس الذي فتح الباب أمام مشاعري للتدفق والتعبير، فصار لي أصدقاء كثيرون يحسون بعذابي ويتألمون لألمي، ولكنهم سرعان ما ينقطعون عني لفترة ثم يعودون للحديث معي مرة أخرى، إلا واحد منهم. صديق الإنترنت كان يحادثني باستمرار، استطاع أن يتسرب إلى أعماق مشكلتي، كان متفهماً واعياً يحاول جاهداً أن يساعدني، حدثني عن نفسه وأخبرني بأنه يتمنى أن تكون له زوجة مثلي، ثم تطور الحديث بيننا حتى صارحني بحبه، وأخبرني بأنه مستعد للارتباط بي بعد تحرري، أقنعني بأن من حقي طلب الطلاق، وإنه من الخطأ الاستمرار في مثل هذا الزواج، ومن الخطأ إخفاء مثل هذا الأمر، والصبر عليه. كان حديثه حافزاً قوياً لي، ملأ نفسي بالقوة وشعرت بأنني فعلاً إنسانة مظلومة، وأن من حقي رفض هذا الواقع المؤلم الذي أعيشه، طلبت منه أن يأخذ بيدي، وأن يعلمني ما يجب علي القيام به، خطوة.. خطوة، لأنني كنت خائفة من مواجهة الأهل بالحقيقة، خصوصاً بعد أن مر على زواجي سنتان دون أن أتحدث عن مشكلتي لأحد، سوى أختي التي طلبت منها أن تكتم الأمر. استمعت لنصيحته ونفذت الخطة التي رسمها لي، فقد وعدني بأنه سيكون إلى جانبي طوال الوقت، وأنه سيعوضني عن كل معاناتي وسيسمح لي بإكمال تعليمي كما أحب. كانت الخطوة الأولى والتي حددها لي هي مفاتحة أهلي بما يحدث معي، وقد تشجعت على تلك المصارحة واستعنت بالله على مواجهتها بمساعدة أختي التي كانت على علم بكل شيء. كان أمراً رهيباً كما توقعت، فلم يصدق الأهل ما زعمته، واتهموني بالكذب، وقالوا: لم سكت كل تلك الفترة؟ وأهل زوجك يتهمونك بعدم القدرة على الإنجاب، ولمَ لمْ تواجهيهم!! فأكدت لهم بأنني استطيع إثبات صحة كلامي بإجراء فحص لعذريتي، فسكت الجميع. تحدث والدي مع عمي، وطلب منه توضيح سبب تصرف ولده، فتعجب عمي ولم يصدق قولي واتهمني بأنني إنسانة مريضة نفسياً أحاول أن أغطي عيوبي في عدم قدرتي على الإنجاب، وأحاول تشويه صورة أبنهم، كذلك فعل زوجي أيضاً واتهمني بالكذب، وأنني أفعل ذلك من أجل أن أغطي على عيبي في عدم القدرة على الإنجاب، مما اضطرني للذهاب إلى الطبيبة وأخذ تقرير يؤكد بأنني مازلت عذراء، وفي ظل إصرار أهل زوجي على تكذيبي قام والدي برفع دعوى في المحكمة لأجل تطليقي، فتم ذلك بكل سهولة، يبدو أن ابن عمي كان ينتظر هذه اللحظة، فهو إنسان جبان بمعنى الكلمة لأنه كان يحب فتاة أخرى ويريد الارتباط بها، فعجز عن مواجهة أهله بهذا الأمر، ولجأ إلى هذه الطريقة التي تجعلني أطلب الطلاق، فلا تكون هناك حجة أمام أهله ليرفضوا زواجه ممن يحب!! وفعلاً فبعد طلاقي بشهر واحد تزوج من الفتاة التي أحبها. أما أنا فانتظرت لمدة سنة، حيث يستعد الرجل الآخر للتقدم لخطبتي كما هي الخطة المرسومة، فبالتأكيد لن يوافق الأهل على تزويجي بعد طلاقي مباشرة، وكي لا يفتضح أمر العلاقة بيننا. المفاجأة قبل الموعد المحدد للخطبة انقطعت أخباره، لم يعد يتصل أو يرسل رسائل إلكترونية، أو يدخل النت، فعشت فترة في قلق وتعاسة، وأنا تحت تأثير الأفكار السلبية السيئة، حتى مرت ثلاثة أشهر كاملة، وصلت بعدها لحافة اليأس، فاتصل بي ليخبرني بأنه كان في المستشفى بعد تعرضه لحادث انقلاب السيارة كاد أن يودي بحياته، ثم أخبرني بأنه قد تحسن الان وإنه سيفي بوعده وسيتقدم لخطبتي. فعلاً وفى بوعده كاملاً وتم الزواج، وكنت في غاية الفرح والسعادة، ولكن ذلك هواجس القلق والخوف الداخلي سيطرا علي بشكل مخيف، حاولت إبعاد تلك الوساوس، وقلت في نفسي: إنها بسبب ما حدث معي في زواجي الأول، أما الآن فإن الوضع مختلف، فزوجي يحبني ولن يعرض عني أبداً، وقد شاهدته لأول مرة بعد أن تم عقد قراننا، فسعدت كثيراً لأنه شاب جميل ووسيم ولا ينقصه شيء أبداً. بعد أن جمعتنا غرفة الفندق، عرفت بأن هواجس كانت في محلها، فقد بدأ على زوجي الانهيار الكامل، وصار يبكي مثل الطفل أمامي، وقال لي: سامحيني، لقد ظلمتك، لم أرد أن أخلف وعدي معك، تزوجتك على الرغم مما حدث لي، يبدو إنني أخطأت بحقك ولن أسامح نفسي على ما فعلت. كدت أموت عند سماعي كلامه، لم أفهم ماذا يقصد، ولكني أدركت بأن شيئاً رهيباً قد حدث. بعد مقدمات طويلة عرفت بأنه خلال تعرضه لذلك الحادث، أصيب في ظهره إصابة تمنعه من القيام بدوره كرجل، ولكن الأطباء وعدوه بأن حالته ربما تتحسن مع الأيام. هذا هو قدري، أحمد الله عليه، المهم هو أن زوجي صار يعوضني بحبه وحنانه واهتمامه عن ذلك النقص، وقد سمح لي بإكمال دراستي وأخضع نفسه للعلاج المتواصل، والفرج بيد الله سبحانه.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©