السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التنوع الدّيني في الصين

التنوع الدّيني في الصين
26 ابريل 2017 19:36
من الصعب أن نعثر في الصين على إشكال ديني صرف، إذ غالباً ما تحضر مسائل الدين على صلة وثيقة بالتاريخ أو القومية أو الأيديولوجيا. وبرغم الوجود العريق للمسيحية، التي تعود إلى تاريخ بعيد يعود إلى النساطرة العرب إبان حقبة أسرة تانغ الحاكمة، فإن البروتستانتية الموجودة في إقليم تايوانغ، على سبيل المثال، تعود إلى فترة اجتياح الجيش الهولاندي، وتعود الأرثوذكسية التي دخلت البلاد إلى الجنود القوزاق الروس الذين هاجموا ياكيسا إحدى مناطق إقليم هايلونغ جانغ. وأيما كان الأمر، فإن الحقبة التي تطوّرت فيها أعداد المسيحيين، قد ترافقت مع الفترة التي كانت فيها القوى الغربية تحتلّ أجزاء واسعة من الصين. الخلفية التاريخية في أواخر عهد أسرة كينغ (1840) هاجمت القوات الغربية بقيادة بريطانيا الصينَ، وقد رافقها في الإبان حشدٌ من المبشِّرين المسيحيين توغّلوا بشكل حثيث في أرجاء البلاد. وبحسب القراءة التاريخية الرسمية، ترافقت أنشطة المبشِّرين الدينية مع الاعتداءات العسكرية الأجنبية. فقد عملت القوات الغازية على تشييد الكنائس، وسعَت في مدّ أنشطتها على مختلف أقاليم الصين: فعلى سبيل المثال غطّى نشاط التبشير البرتغالي أقاليم نانكينو وبيكين وماكاو. وبموجب الترابط بين الأنشطة العسكرية والأنشطة الدينية، أذكت أعمال الرهبان المسيحيين الصراعات بين الصين والقوات الغربية، لكن وبرغم تعدّد قوميات الصين الستّ والخمسين يُعدّ البلد موحَّداً رغم الكمّ الهائل من التنوع الإثني والتعدد الديني. فشعب الهان، الإثنية الأكبر عدداً في الصين، يدين بدين البوذية وفق تقليده الخاص؛ وأما شعبا المنغول والتبت فكلاهما يدين بدين بالبوذية وفق التقليد التبتي. في حين شعب الهُوي، الذي تعود أصوله إلى أرومة عربية، وكذلك شعب وايوور الذي تجمعه صلات وثيقة بالأتراك على مستوى اللسان والعادات، كلاهما من أتباع دين الإسلام. ففي منطقة كسينجانغ، نجد السواد الأعظم من الأهالي يدينون بدين الإسلام، وأما في منطقة التبت فتدين الأغلبية بديانة بوذا، حيث توجد مشكلة في المنطقتين على صلة بموضوع الحكم الذاتي، والأمر عائد بالأساس إلى عوامل دينية جلية، لكن وبحسب الرؤية السياسية السائدة في الصين، تُعدّ وحدة التراب الصيني الرصيدَ الأهمّ، ويُصنّف أي نشاط انفصالي في عداد الأعمال الخطرة. عقب العام 1949، وبالتحول إلى جمهورية الصين الشعبية، غدت الماركسية أيديولوجيا رسمية للدولة، ما أشاع في أوساط الطبقة الحاكمة مقولة «الدين أفيون»، والذي من شأنه أن يبثّ روح الوهن في عزائم الناس، وبالتالي لفّ الدين ملمحٌ سلبي: وقد ساد هذا التصور طويلاً في الأوساط الحكومية. وعلاوة على ذلك الموقف الرسمي حريّ أن نأخذ بعين الاعتبار أوضاع التنافس الحاصل بين الأديان، فقد ظلّت الكنفشيوسية، إلى ما قبل العام 1949، ديانة مهيمنة في الصين على مدى ألفيْ عام؛ ومنعَ بعض الأباطرة استيراد الاعتقادات خشية أن يُسهم ذلك في إلحاق ضرر بالتقاليد المحلية، وعقب العام 1949، بعد أن حلت الماركسية محلّ الكنفشيوسية، ما كانت لدى أولئك الذين أملوا الماركسية رغبةٌ أن تزاحم منظومةٌ دينيةٌ الماركسيةَ. أهمّ أديان الصين تحضر كبرى الديانات الكونية في الصين، ونقصد بذلك البوذية والمسيحية والإسلام. فقد بدأ انتشار الأرثوذكسية الروسية منذ العام 1671 في إقليم ياكيسا، التي كانت في ذلك العهد تابعة إلى إمبراطورية الصين، وفي مطلع القرن التاسع عشر وفدت البعثات التبشيرية الأرثوذكسية الروسية إلى الصين، وبخلاف ذلك، يبدو تأثير الأرثوذكسية اليونانية مفقوداً. منذ أمد بعيد، يعود إلى أسرة الهان، انتشرت البوذية في أرجاء الصين قادمةً من الهند، ليعقب ذلك تصدير البوذية من الصين شطْر اليابان، وعلى العموم تنقسم بوذية الصين إلى تفرّعين، حيث ينتشر تقليدٌ بوذيٌّ في أوساط الهان؛ رافقه توسعٌ لمعابد هذه الديانة في شتى أرجاء الصين، لكن تأميم التعليم ذي الصبغة الإلحادية، وهو ما تبنّته الحكومة عقب العام 1949، خلّف تراجعاً في أعداد البوذيين لا سيما في صفوف الشبيبة، وإضافة إلى تقليد الهان البوذي ينتشر تقليد تبتيّ قادم من الهند، انتشر في فترة لاحقة في أوساط الإثنية المنغولية، وبحسب القراءة السوسيولوجية لهذين التقليدين ثمة اختلافات في المضامين الدينية بين الثنائي: حيث يولي التقليد الأول اهتماماً أوفر للحياة المدنية، في حين يطبع الثاني طابع روحيّ هو إلى عالم الآخرة أمْيل. وضمن هذا التنوع الديني يُعتبر الإسلام دينَ الهُوي بامتياز، وهي شعوب توجد في منطقة واسعة، كما يُعدّ الإسلام دين قوميات غرب الصين، وايويرن وهاساك، ممن تقطن إقليم كسينغ جانغ، وقد شهد إقليمَا كسينغ جانغ و نينكسا ميلاً نحو الانفصال؛ ما يبرزُ قوة تأثير الإسلام كعامل مؤثر في وحدة الصين؛ وهو الدور الذي يمكن أن تلعبه البوذية بشكل مماثل. اللافت أن سائر الأديان التي تعرضّنا إليها هي ديانات دخيلة على الصين، بشكل ما، وتُعدّ الطاوية فحسب ديانة أصلية، ومن منظور غربي، تُعدّ الكنفشيوسية أيضاً ديانة أصلية في الصين؛ لكن مجمل الصينيين لا يعدّون الكنفشيوسية ديانة، بل مجرّد نظام فكري حول كيفية بناء شخصية المرء وكيفية تسيير مقاليد الدولة بشكل رشيد؛ وبالتالي الكنفشيوسية هي رؤية دنيوية، لا تصلها واصلة بالعالم العلوي، تفتقر إلى إكليروس وإلى كهنة وإلى جهاز طقوسي، ففي الصين ثمة إجلال لكنفشيوس بوصفه أحد أعمدة الثقافة الصينية لا غير. وفضلاً عن الديانات الكبرى، توجد في الصين طائفة من النِّحل مرتبطة بآلهة أقلّ بروزاً، وعلى سبيل الذكر إلهة الأرض وإلهة النار، علاوة على ذلك، نجد في الصين تجمعات لأتباع الديانات الصغرى مثل نِحلة اللوتوس البيضاء، ونحلة طاو ييغوان، ونِحلة باب هويدايو، وعادة ما يتمّ استغلال هذه النِّحل والديانات لإثارة القلاقل المناهضة للحكومة. المواقف الرسمية تجاه الأديان بسبب كون ديانات الصين الكبرى هي ديانات وافدة، اتخذت الحكومات مواقف حذرة، فمن جانب ثمة أتباع كثيرون لتلك الأديان، وهو ما يطرح إشكالاً في التعامل معها؛ ومن جانب آخر تشكّل تلك الأديان منافساً فعلياً للكنفشيوسية بما يترتّب عنه تأثير جلي على نمط الحياة التقليدية، لذلك غالباً ما سعت الحكومات لعرقلة تقدّم الديانات «الأجنبية»: وقد سلكت ذلك المسلك حكومات أسرتيْ تانغ و كينغ؛ ثم تغاضت الحكومات الصينية اللاحقة عن الوجود الديني «الأجنبي» بسائر أنواعه، البوذي والمسيحي والإسلامي. بعد العام 1949 اجتثّت الحكومة الصينية دابر الوجود الاستعماري، وسعت في تضييق الخناق على التأثيرات الدينية الوافدة مع هؤلاء، بعد أن صُنّفت في عداد الانتهاكات الثقافية. والواقع أن الصين قد تعرّضت إلى اعتداءات أجنبية حتى غدت شبه مستعمَرة. وبالنهاية تبنّت الصين، وبشكل رسمي، الشيوعية، التي تَعتبر الأديان عائقاً من عوائق النهوض، وبالتالي استحال خوض أي منافسة لتلك الأديان مع الأيديولوجيا الرسمية. لكن الصينَ حاضرةٌ في خضمّ العالم، ومختلف الأديان العالمية، مثل المسيحية والإسلام والبوذية، تملك هيئات ويسايرها أتباع في شتى أرجاء العالم؛ الأمر الذي جعل الصين حين تتخذ موقفاً دينياً، تجد نفسها أمام تبعات سياساتها وقراراتها على مستوى العلاقات الدولية، لذلك يمكن القول إن وضعَ الدين بقدر ما يكون ذا طابع عالمي بقدر ما يسود حذر في التعامل معه، لما تترتّب عن ذلك من آثار، في حين لا يكون لذلك أمر يُذكر إذا ما تعلّق بديانات ذات طابع قومي داخلي. علاوة على ذلك أرسى الحزب الشيوعي منذ استلامه زمام السلطة، وعلى نطاق قومي، تقليداً خاصاً في التعاطي مع الشأن الديني. نقرأ في دستور الصين، الفصل السادس والثلاثين: «يتمتّع سائر مواطني الصين بحرية الاعتقاد. ليس ثمة أي هيئة وطنية، أو منظّمة عمومية، أو فرد، بوسعه إلزام الصينيين بالاعتقاد أو عدم الاعتقاد؛ كما ليس بوسع أي كان التمييز بين المواطنين على أساس الاعتقاد أو عدم الاعتقاد في أي دين. فالدولة هي الراعية للأنشطة الدينية، وليس بوسع أي كان استغلال الدين لإثارة القلاقل التي تمسّ أمن النظام العام، أو إلحاق الضرر بصحة المواطنين، أو التدخل في النظام التعليمي التابع للدولة. كما لا تخضع الهيئات الدينية ولا الشؤون الدينية لسيطرة الأجنبي». في ضوء هذا النص المرجعي يقرّ الدستور الصيني حرية المعتقد ويعترف في الأثناء بحرية عدم الاعتقاد. فهو من جانب يسمح بوجود الأديان، ومن جانب آخر يعدّها في عداد الأفكار البالية المناهضة للأيديولوجيا الرسمية، المتمثّلة في المادية التاريخية؛ وبالانتصار النهائي لهذه الفلسفة يعتقد صنّاع القرار تواري الأديان. كما ثمة تأكيدٌ من الدستور الصيني على رفض تسليط رقابة على الدين أي كان شكلها من الأطراف الأجنبية. وصحيح أن الدستور الصيني قد بقي ثابتاً لم يمسسه تنقيح، غير أن تاريخ الصين الشعبية الحديث يمكن تقسيمه إلى مرحلتين بارزتين: عصر ماو تسي تونغ وعصر دينغ شياو بينغ. عصر ماو تسي تونغ تميزت الحقبة الماوية المتراوحة بين 1949 و1976 بطابع التشدّد مع كل التقاليد الدينية، فقد ساد تضييق على الحريات. ويمكن توصيف الفترة بأنها مرحلة الكدر الكبير مع الأديان. فقد دفعت الاضطرابات، خلال العام 1948، إلى التضييق على حرية الأديان، وتم إيقاف عدد من القادة الدينيين أكانوا من مواليد الصين أو من أصول أجنبية، والبعض منهم جرى طرده. وكل من أبى التعامل مع السلطة المركزية طالته المضايقات، وتمت مصادرة ممتلكات المعابد والكنائس والمساجد على حد سواء. وازدادت أثناء الحرب الكورية وطأة الدولة تجاه الأديان الوافدة لاسيما من الغرب، كما جرى قطع كل العلاقات مع حاضرة الفاتيكان. وبحلول العام 1956 تمّ إنشاء كنيسة الصين ذات الاستقلالية الثلاثية: في التسيير والتمويل والتبشير، والتي لا تربطها رابطة بكنيسة روما. وضمن ذلك السياق جرى رفض تعيينات بابا روما أساقفة الصين، وتبعاً لتلك الاستقلالية رسمت كنيسة الصين الكاثوليكية تسعة أساقفة دون العودة في ذلك إلى روما. عصر دينغ شياو بينغ منذ العام 1979 وحتى تاريخنا الراهن سلكت الصين مسلكاً مغايراً في سياستها الدينية، فقد كان دينغ رجلاً واقعياً يتطلّع وبشكل رئيس إلى نهضة بلده أكثر منه إلى البحث عن النقاوة الأيديولوجية، لذلك أمسى الموقف الرسمي من الأديان أكثر ليونة، وشهد التعامل مع رجال الدين نوعاً من التسامح وتقليصاً واضحاً للعراقيل في تشييد المعابد وافتتاحها. ففي التبت على سبيل المثال، موّلت الحكومة الأشغال العمومية للمعابد البوذية بغرض تحسين علاقاتها مع الأهالي. وقد مسّ هذا التحول الكاثوليكية أيضاً، فقد تطورت أعداد الكاثوليك من ثلاثة ملايين ونصف المليون سنة 1949 إلى خمسين مليوناً اليوم، لكن الاشتراط على أعضاء الحزب الشيوعي الصيني بعدم الانتماء إلى أي دين بقي سارياً وإلاّ أُجبر المخالف على الاستقالة. والملاحظ أن الفراغ الهائل الناتج عن تراجع الشيوعية قد ولّد أزمة معنوية في الصين، فضلاً عن أن الطابع المادي والربحي الذي بات يطبع حياة الناس، وهو ما يجعل الحقبة الحالية الأسوأ من حيث المستوى الخلقي في تاريخ الصين. أمام هذا الاهتراء الحاصل ثمة مراجعة على صلة بموضوع الدين ومضامينه القِيَمية، حيث يسود حديث عن الأوجه الإيجابية للدين، وبالمثل تحول في المواقف الحكومية تجاه مسائل الاعتقاد تنحو نحو التسامح، مرفوقة بتطور نحو الحريات بشكل بارز، بات يطبع الراهن الصيني. حرية الاعتقاد نقرأ في دستور الصين، الفصل السادس والثلاثين: «يتمتّع سائر مواطني الصين بحرية الاعتقاد. ليس ثمة أي هيئة وطنية، أو منظّمة عمومية، أو فرد، بوسعه إلزام الصينيين بالاعتقاد أو عدم الاعتقاد، كما ليس بوسع أي كان التمييز بين المواطنين على أساس الاعتقاد أو عدم الاعتقاد في أي دين، فالدولة هي الراعية للأنشطة الدينية، وليس بوسع أي كان استغلال الدين لإثارة القلاقل التي تمسّ أمن النظام العام، أو إلحاق الضرر بصحة المواطنين، أو التدخل في النظام التعليمي التابع للدولة. كما لا تخضع الهيئات الدينية ولا الشؤون الدينية لسيطرة الأجنبي»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©