الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أجيال الفن التشكيلي الفلسطيني في دبي

أجيال الفن التشكيلي الفلسطيني في دبي
28 ابريل 2010 21:09
مر الفن التشكيلي الفلسطيني، منذ بداياته حتى اليوم، بمراحل عدة وتحولات كبيرة، وبحسب الفنان التشكيلي الفلسطيني كمال بلاطة، في كتابه “الفن الفلسطيني من 1850 إلى الحاضر”، فثمة ثلاثة مفاصل رئيسة من تاريخ هذا الفن يتمثل أولها وأكثرها أهمية بالانتقال من رسم الأيقونات إلى الرسم الدنيوي الذي استحوذ على الجزء الأول من هذا التاريخ. أما المفصل الثاني فيكمن في الانفصال بين الرسم الرمزي والرسم التجريدي في الفن الفلسطيني، وقد جرى هذا الانفصال في بيروت في حقبة تتراوح بين العام 1952 والعام 1982 عندما وضع الاجتياح الإسرائيلي حداً للتبادل الحر للأفكار في بيروت. وجاء المفصل الثالث مع بدايات الألفية الثالثة. نحن أمام ثلاثة أجيال قد تكون بينها فوارق أساسية، لكنها تلتقي عند فلسطينيتها كهوية تجمع فناني فلسطين في الداخل وفي الشتات. وهو ما يمكن أن يلمسه المتابع للأعمال المشاركة في معرض إبداعات فلسطينية أقيم مؤخرا في “سوا آرت غاليري” في دبي، وشارك فيه ما يقارب خمسين فنانا من أجيال ومناطق مختلفة، من حيفا إلى أقصى نقاط الشتات الفلسطيني في العالم. من أعمال للراحل إسماعيل شموط مرورا بجيل السبعينات أمثال نبيل عناني وتيسير بركات، وصولا إلى الجيل التالي ممثلا في محمد الجالوس وجواد المالحي ورائدة سعادة ودينا مطر وسواهم. التنوع في إطار الوحدة هو ما يميز أعمال هذا المعرض، ففي إطار وحدة الهم وما ينجم عنه من وحدة للهوية تجيء أعمال المشاركين حسب موقع كل منهم الجغرافي والبيئي، وتختلف في التفاصيل والعناصر، لتعود وتلتقي في الإطار المذكور. رموز المقاومة يحضر الفنان الراحل إسماعيل شموط حضورا رمزيا وفاء لذكراه وتجربته التأسيسية، وتحضر بعض الأعمال لفنانين من الخارج لتمثل أيضا حضورا يجسد التنوع والاختلاف في الاتجاه، لكن الحضور الأبرز والأهم هو لفناني الداخل المحتل، من فلسطينيي العام 1948 ومن الضفة وغزة، لتشكل أعمالهم العصب الرئيس بين مجموع محتويات المعرض الذي يشكل فرصة للاطلاع على هذه التجارب التي يحضر بعضها للمرة الأولى في معارض خارج فلسطين. روح شموط حاضرة في أعمال المعرض، من خلال الهم الفلسطيني الواحد الذي يجمع الداخل والشتات، روح المقاومة لكل أشكال القمع والقتل والتدمير في الداخل، ومشاعر الاقتلاع والحنين بكل تعبيراتها ودلالاتها، مهما أغرقت في التجريد. فثمة من يرى أن “الجيل الشاب من الفنانين التشكيليين في فلسطين أكثر انفتاحاً على المدارس الفنية الحديثة والجديدة، ومع ذلك فهم أكثر التصاقاً بالقضية الفلسطينية في بعدها الداخلي والخارجي، ويشكلون صورة حقيقية لمختلف أشكال الحياة في الأراضي المحتلة”. هذا المعرض الذي جاء بعد مسابقة أقامتها غاليري “آرت سوا” لمجموعة كبيرة من الفنانين الفلسطينيين، يمثل هذا التنوع والانفتاح، وحول هذه المسابقة قالت آمال مكاوي مديرة الغاليري “إن هدف هذه المسابقة هو تقديم مساحة إقليمية للفنانين الفلسطينيين للتنافس وعرض نتاجاتهم في إطار حدث عالمي، سيشمل استعراض أبرز الأعمال الفنية المعاصرة من فلسطين ومنطقة الشتات”، وعن العمل الفائز قالت “تتجلى لوحات فضل في الفن الحداثي، المنمنمات والفرح اللوني الذي يكشف عن قرب العوالم الإنسانية التي تعيش في دوامات لا نهاية لها”. الفنان محمد فضل الذي فاز بالمرتبة الأولى في المسابقة شارك بلوحتين تحت عنوان “العسل”، يصف فيهما الحالة التي يعيشها طفل فلسطيني تحت تأثير العامل النفسي والسياسي على حياته اليومية، وتتضمن اللوحات ضمن أسلوب فضل الخاص استخدام العسل كعنصر في موضوع اللوحة، فيستبدل الفوسفور الأبيض الذي استعملته الطائرات الإسرائيلية خلال الحرب على غزة بالعسل. وفي اللوحة الثانية مشاهد تحدّ للواقع من خلال أطفال يلعبون بالعسل. تنوع واختلاف ونجد في هذا المعرض أعمالا متعددة ومتنوعة، من التجريد كما هو حال عملين لمحمد الجالوس، إلى محاولة التعبير بأدوات ورموز فلسطينية في أعمال نبيل عناني الذي يعمل منذ عقود لترسيخ بصمته من خلال الاشتغال على مواد مختلفة منها الجلد والورق المقوى، متخذا من رموز المكان والتاريخ مستندا للوحته التي قد تتخذ شكلا دائريا حينا، وطوليا حينا آخر. وكذلك الأمر في ما يتعلق بعمل تيسير بركات الذي ينتمي إلى الجيل نفسه، ولكنه يعمل في مساحة مختلفة، معتمدا على الحفر بالخشب بصورة أساسية. وإلى هؤلاء تبرز أعمال بتوجهات مختلفة، فهناك العمل المباشر الذي يمثل مدينة القدس وقبة الصخرة، وهناك التصوير الفوتوغرافي كما في لوحة الرقص الفلكلوري الفلسطيني، بينما تحضر بعض الأعمال التي تمثل الطفولة في صورة من الصور. وتتعدد وجوه التلوين ما بين الألوان الهادئة والصارخة، فالعمل الفني كما يقول أحد الفنانين الفلسطينيين “لغة عالمية، يمكننا من خلالها إيصال رسالتنا للعالم والتعبير عن سياسة الاضطهاد والقتل والتشريد التي نتعرض لها يومياً، واخترنا قضية المعرض لأنها تمس كل فلسطيني وعربي وكل إنسان حر في العالم”. القدس في الواجهة عكست انطباعات بعض الفنانين وأعمالهم صورة عن مدينة القدس نراها ببعدها الواقعي من خلال عمارتها وطبيعتها إضافة إلى تركيبة هذه المدينة بجانب الرمزية في هذه الأعمال، بهدف إبقاء صورة القدس في الذاكرة الفلسطينية من خلال اللوحات وقبل ان يشوهها الاحتلال الإسرائيلي بجدرانه العازلة ومستوطناته ضمن خطة التهويد التي يقوم بها. وحول تصويره المسجد الأقصى قال المصور منير علاوي “التصوير هوايتي وأحب أن استخدمه كوسيلة تبعث الأمل، فحاولت من خلال تقديم صور للمسجد الأقصى أن أقدم رسالة لأهل بلدي ليتمكنوا من مواصلة مشوار التحدي.. على الفنان أن يتحلى بالمسؤولية، ولا سيما حين يتعلق الأمر بالتصوير، فالصورة أقوى من الكلام، لذا أحكي الوضع الفلسطيني من خلال الصور”. ومن جهتها، أكدت التشكيلية رهام عودة في حديث للصحافة أن “المعرض مهم جدا لها، لأن الفنان الفلسطيني بحاجة إلى من يسانده ويدعمه، وبالتالي شكل هذا المعرض دعما للفنانين الذين يعيشون في فلسطين أو خارجها لتقديم أفكارهم وعرضها”. وتقول فنانة أخرى “إنني فنانة فلسطينية وعلى الرغم من أني أعيش في أميركا إلا أنه لا يمكن أن أنفي إطلاقا أنني لم أعش الأسى والحزن الذي يعيشه غيري، فكما يُعذبون في غزة، عشت عذابا من نوع آخر، حين انتقلت من بلد إلى آخر ولهذا أبرزه في أعمالي”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©