الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فلسطينيو المنفى بين الحرية والعنصرية

فلسطينيو المنفى بين الحرية والعنصرية
28 ابريل 2010 21:08
في روايتها الرابعة “في البال”، تستمر غصون رحال في طرح إشكالية المنفى بالنسبة إلى الفلسطيني عموما، وبالنسبة إلى المرأة الفلسطينية على نحو خاص، من دون أن تعطي امتيازا لمنفى المرأة، بل هي تضعها في المواجهة نفسها التي يواجهها الرجل مع المنفى. كما يتركز جهد الكاتبة على تسليط الأضواء على فلسطينيي الكويت في مرحلة اجتياح صدام حسين لها، وما تبع ذلك من اجتياح وحرب أمريكيتين على العراق والمنطقة، ولجوء البعض إلى دول عدة منها بريطانيا. تضع الكاتبة روايتها على لسان راوٍ. رجل بصورة أساسية، ورواة وشخصيات يعيشون المنفى البريطاني من مواقف ومواقع مختلفة، وهو المنفى الذي تعرفنا عليه منذ الرواية الأولى للكاتبة “موزاييك” ثم الرواية الثانية “شتات”، حيث تخوض غصون في أسئلة المنفى الحياتية والمعيشية من جهة، لكنها من جهة ثانية تتعمق في إثارة الأسئلة الوجودية لهذا الفلسطيني الذي يعيش المنفى مكرها أو مختارا لا فرق. وليد الفارس فلسطيني دفعت به وبعائلته ظروف الحرب الأولى في الخليج إلى الإقامة في بريطانيا كمنفى قسري لا يملك أمامه خيارا آخر، ورهام مختار كاتبة اختارت الهجرة هربا من “حرب من نوع خاص” كما تقول، وفي لقائهما نكتشف تفاصيل من تاريخ كل منهما ومن عائلتيهما، وفكرة الرواية تركز على لقاء هاتين التجربتين من المنفى، الاختياري والقسري. وقد التقى بطلا الرواية في مكان محايد هو لندن، كما أن الرواية تعطي فكرة عن (حاملي الوثائق) وترصد معاناة العلاقة بين البطل والبطلة التي تشوبها تناقضات الحياة وتساؤلات الوجود، وظروف المرض وتجربته. منذ البداية نحن أمام وليد وهو يراقب حالة رهام في فراشها “ورأسها الحليق يختفي تحت قبعة قطنية ناعمة لا تفارقه ليلا أو نهارا”، ووسط الوقائع السياسية وما تبثه الفضائيات عما يجري في فلسطين، تشعر المرأة باقتراب نهايتها وتشتد غربتها فتنادي الغريب “يا غريب، إن متُّ فألِّف نشيد أناشيد لي، واحفر اسمي على جذع قبر قرب شجرة ياسمين”، فيتأمل في هذيانها ويرد “أيتها الغريبة، ما أنا بمنشد، فأي إرث تحملينني؟”. وفي البدء أيضا ثمة معاناة الكاتب حين يجلس أمام أوراقه البيضاء ليكتب هذا النشيد، فتستعصي الكتابة لأن الموضوع ينطوي على حالة وجودية رهيبة لا يسهل التعامل معها كتابة، بل تتطلب قدرا كبيرا من تأمل يتطلب بدوره كفاحا لفصل الذات عن الآخر الذي يعاني زفرات الموت، وجعل هذا الآخر موضوعا، لكن هذا الفصل لن يتم، والكتابة ليست مهنة محايدة. الفلسطيني وعذاباته وما يعانيه في كل مكان تأخذ حيزا في الرواية، لكن الكاتبة تلفت إلى أشكال من العنصرية الشائعة حتى في هذه “الحاضنة” البريطانية، فبقدر ما هي حاضنة من الموت الشائع في العالم العربي، بقدر ما تجسد عنصرية بغيضة، “تكثر فيها الثعالب، ثعالب أخرى بشرية تحتكر الحرية، وتعتبرها خاصية لا تشمل غيرها من الأمم، خاصة نحن.. نحن بالنسبة لهم متخلفون أو رعاع! لم ننضج بعد، وعلينا البقاء تحت وصايتهم إلى أن نتعلم كيف نصبح مثلهم، نحن بالنسبة لهم أحرار فقط عندما يتعلق الأمر بتقليدهم..”. والعلاقة مع بريطانيا في هذا الشأن تعود إلى أيام الانتداب، حيث القوانين البريطانية تتيح الحصول على جنسيتها لمن يملكون بطاقة قديمة، وهنا تطرح قضية دور بريطانيا في تشريد الفلسطيني ثم احتضانه مواطنا من الدرجة العاشرة، فهي توفر له العيش ضمن حدود الضرورات والأساسيات. وتختار الكاتبة هذا المكان، لندن، ليمثل الحاضنة لقصة الحب التي تدور فيه، لأن الوطن العربي الكبير كله لم يسمح بمثل هذا اللقاء لبث الهموم والأشواق، فيغدو المنفى هو المكان الذي يتيح الفرصة لاستكشاف العوالم العوامل الداخلية للشخصين، فكيف تكون الغربة “الحضن لاستكشاف الآخر، الهوية، الوطن. وفي الرواية أزمنة متعاقبة ومتداخلة، فمن زمن الانتداب إلى العام 2006 الذي هو زمن السرد، تقع الكثير من الحوادث، ويتذكر الراوي والبطلة الكثير من ذكرياتهما الشخصية وذكريات الأهل، لكن الزمن الراهن ـ البريطاني هو الطاغي في مواجهة الماضي “الزمن يا صديقي لدينا محاصر، أسير، محنط، لا حدود فاصلة بين البداية والنهاية.. نعيش في أمس أبدي أطاح باليوم والغد..”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©