الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مساءلات نقدية جمالية وفكرية

مساءلات نقدية جمالية وفكرية
28 ابريل 2010 21:01
استثمر الناقد السعودي عبدالله الغذامي الموروث النقدي العربي وقرنه بالمعرفة النظرية والتطبيقية، وتكمن أهمية جهده النقدي فيما قام به من تعريف بالمناهج النقدية الحديثة، والإفادة منها في إنتاج مصطلحات جديدة. ومنذ كتابه الأول “الخطيئة والتكفير” اشتغل على معرفته بنظريات الحداثة ومابعد الحداثة، نظرياً وتطبيقاً، وهو دوماً يحدد مهمته الأساسية بتعريب النظرية وتأصيلها. واتخذ الغذامي الفكر النقدي الألسني منهجاً واتكأ على مقولات النقد العربي القديم لأثبات تراثية هذا التوجه. عملية فلسفية ويرى الغذامي في مفهوم النقد أنه عملية فلسفية لسبر التكوينات الحضارية للعملية الإبداعية، وهو كما يشير الناقد محمد بن لافي اللويش في كتابه الجديد “جدل الجمالي والفكري” قراءة في نظرية الأنساق المضمرة عند الغذامي، بذل جهداً في تكوين خطابه النقدي الخاص والقائم على المعرفة التراكمية والمتغيرة والقادمة بفكرة جديدة دوماً ومطابقتها مع نقدنا العربي، وهو يقدم مصطلحات جديدة أخرى تندرج في إطار الشعرية مستوحاة من تراثنا النقدي القديم مثل البيان والتنظيم والتخييل كتحويل للأصل، ومن خلال قراءة اللويش لتطور الفكر النقدي لدى الغذامي يصل إلى تحوله من الألسنية إلى النقد الثقافي منذ كتابه “ثقافة الأسئلة” 1992، حيث استدعى فيه الإرث النقدي واستشهد بالكرم الحاتمي مثلاً، ومن ثم ظهر ذلك في كتابه “المرأة واللغة” حيث علاقة المرأة باللغة وبحثه حول تلك العلاقة، والفحولة والأنوثة والسياقات الاجتماعية المختلفة، ومن ثم انطلق الغذامي في مسيرته النقدية وبات جلياً تحوله نحو الدراسات الثقافية وكانت أولى مقارباته لقضية النقد الثقافي في عدد من المحاضرات فيما يتصل بموت النقد الأدبي، وبعدها في كتاب “المشاكلة والاختلاف” وهو قراءة في النظرية العربية وبحث في الشبه المختلف، وفي تأنيث القصيدة يطرح عدداً من الأفكار: الثقافة جسد مركب من الأنساق المتصارعة والحس الفحولي الذي شكل النسق الأساسي في الثقافة العربية ويندرج تحت النسق الفحولي مضمر ثقافي يسعى بحياء ومخاتلة لكي يشاغبه ويهز بعض جدران قلعته العتيدة، حسب مايذكره محمد اللويش، وانتهاء بإعلانه موت النقد الأدبي في كتابه الشهير “النقد الثقافي ـ الأنساق المضمرة” ومنه تحوله إلى النقد الثقافي الذي طرحه كفيلسوف وهو مايتفق مع نزعته التأويلية، بما فيها من استنطاق للظواهر والأنساق والمقولات ويطرح الكاتب فصلاً حول عبدالله الغذامي والنقاد الألسنيين في السعودية، وأثر مشروعه على الأوساط الثقافية المحلية والعربية ويشير إلى أن النقاد انقسموا حول الغذامي إلى طائفتين: 1 ـ النقاد الذين تأثروا بأطروحات الغذامي في “الخطيئة والتكفير” وهم محددون بحدود الساحة النقدية في السعودية، إذ لم يظهر تأثير الغذامي في الحراك العربي إلا لاحقاً. 2 ـ نقاد اشتغلوا بالنقد الثقافي فمنهم من اتفق مع اجتهاداته، ومنهم من خالفها وتعرض له بالنقد وهؤلاء جديرون بوقفة لمناقشة أطروحاتهم كما يفعل الكاتب. وظهر نقاد آخرون تأثروا بالفكر الألسني في البدء مثل سعيد السريحي ومعجب الزهراني الذي أشار بدوره إلى أصولها في النقد الغربي وعالي القرشي وتأثره الأكبر بناقد مثل لطفي عبدالبديع. ويعرض اللويش في قراءة خاطفة لكل من هذه التجارب ومنهجها النقدي. النظرية والمصطلح وفي الفصل الثالث يستعرض الكاتب نظرية النقد الثقافي، الكتاب/ النظرية، عند الغذامي من حيث المصطلح والذي يذهب بنا إلى دراسة أمور أخرى متعلقة به فكرياً ومنها: الثقافة والخطاب Disco rse والنسق، ومنه ينطلق إلى ماهية النقد الثقافي الذي ينتمي إلى مرحلة مابعد الحداثة وهو يدرس الممارسات الخطابية التي تأتي إلينا على شكل أبنية أدبية مرتبطة بالمعرفة والسلطة، ويهتم بالمضمرات الدلالية الكامنة وراء الخطاب الجمالي الظاهر، ولأن الخطاب الجمالي قد صنعته المؤسسة بعلاقات إنتاجها المختلفة يلقي الضوء على علاقة المعرفة بالسلطة والمؤسسة وارتهان الجمالي لشروط المؤسسة.. ويستعرض الجهد النظري للنقد الثقافي الممتد من باختين إلى تودوروف وإدوارد سعيد وبارت وفوكو وإيكو، ويكشف محمد اللويش عن أهمية النقد الثقافي كونه يقدم تصوراً عن الكيفية التي تقدم بها النصوص المعنى، وعن السمات الإيديولوجية للثقافة الشعبية، كما يشير إلى أن من أهميته أنه يركز على الكيفية التي نشأت من خلالها الأشكال المختلفة من العلاقات الاجتماعية مثلاً، واهتمامه بما وراء الجماليات من أنساق مضمرة. وحدد الغذامي أسس النظرية التي أخذ بها في النقد الثقافي إلى: عناصر الرسالة والمجاز الكلي والتورية الثقافية ونوع الدلالة والجملة النوعية والمؤلف المزدوج، وفي النسق الثقافي غير الغذامي النظرة الجمالية إلى النص الأدبي، ووسع أدوات النقد، ماجعله يوجه النقد إلى الجانب الثقافي في فضاء النص المفتوح، باتجاه الخارج، النسق في النقد الثقافي يختلف لديه اختلافاً جذرياً عما هو متعارف عليه في السابق، بحيث كان يعني البنية والنظام حسب مصطلح سوسير، فهو يحدد النسق الثقافي عبر وحسب وظيفته، ويمكن القول إن الحديث عن الأنساق المضمرة في الثقافة العربية هو رؤية فلسفية تقترب في طبيعتها من كتابات المفكرين المعاصرين في نقد العقل العربي مثلاً كما يشير اللويش. التطبيق الإجرائي وفي الفصل الرابع يطرح التطبيق الإجرائي للنقد الثقافي عند الغذامي وهو يسير حسب رأيه في أربعة اتجاهات: معتمد على النظرية والساعي إلى المهمش والشعبي في تقابل النخبوي والصراع النسقي على المستوى المحلي، وقد شكل كتابه فيما بعد “حكاية الحداثة” هذا التطبيق، والاهتمام بالنسقية الاجتماعية التي ظهرت في مرحلة مابعد الحداثة وتحديد هويتها التي تمثلت في الرجوع إلى المرجعيات والأصول والجذور وانهيار للخطاب العقلاني في كتابه الأخير “القبيلة والقبائلية”. وفي النقد الثقافي يرى أن هناك صفات أخلاقية وجمالية راقية في الشعر مثلاً، وأخرى ضارة وتكون أحد مصادر الخلل النسقي في تكوين الذات: 1 ـ شخصية الشحاذ البليغ، 2 ـ شخصية المنافق المثقف، 3 ـ شخصية الطاغية، 4 ـ شخصية الشرير المرعب، وهو بهذا يحمل الشعر أو النسق المتشعرن عيوب الشخصية الثقافية العربية، ومنه يأتي الغذامي إلى الجوهر في مشروعه النقدي وهو مصطلح “الفحل” ونواحيه وصناعته في ثقافتنا العربية، حيث هو واحد من المضمرات في ثقافتنا. ويطرح أخيراً شيئاً عن استمرار المشروع الفكري النقدي لدى الناقد عبدالله الغذامي وكيف تم استمراره من خلال كتابات أخرى لم تنشر بعد في كتاب مستقل، ومن خلال الثقافة التلفزيونية بحثه النقدي المهم، والكتاب يقدم في مجمله جدلاً بين الجمالي والفكري فيما يشبه السيرة الفكرية والنقدية لمشوار ناقد عربي مهم مثل عبدالله الغذامي، وجولة تأملية في مؤلفاته ومشروعه الذي اختلف معه فيه الكثير وأيده الكثير، بل وتأثرت به أفواج من النقاد والمفكرين طيلة هذه الأعوام.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©