الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سنان أنطون: المشهد الشعري العربي بخير

سنان أنطون: المشهد الشعري العربي بخير
28 ابريل 2010 20:52
كان سنان أنطون واحداً من ضيوف معرض أبوظبي للكتاب في دورته الأخيرة حيث تحدث خلال ندوة عن روايته “إعجام”، قال فيها، ما معناه، إن هناك انحداراً سياسياً في المنطقة العربية يسير باتجاه معاكس تماماً لحالة الصعود التي يشهدها الأدب العربي في هذه الأثناء. وهذه العلاقة ما بين السياسي والأدبي أو الثقافي عموما، تبدو أمراً مركزياً في ما “يشتغل” عليه سنان أنطون سواء على المستوى الإبداعي أو الأكاديمي. وربما من الضروري، بداية، الإشارة إلى أن سنان أنطون أكاديمي وروائي وشاعر من مواليد بغداد 1967 حيث أكمل البكالوريوس، قسم اللغة الإنجليزية عام 1990، ثم هاجر إلى الولايات المتحدة عام 1991. وحصل على شهادة الماجستير في الدراسات العربية من جامعة جورجتاون عام 1995، ثم على الدكتوراه من جامعة ّهارفارد بامتياز عام 2006، وعمل أستاذاً مساعداً في كلية دارتموث 2003 ـ 2005، ويعمل الآن أستاذاً مساعداً في جامعة نيويورك منذ عام 2005. صدر له ديوان شعر بعنوان “موشور مبلل بالحروب” عن دار ميريت، القاهرة 2004 ورواية بعنوان “إعجام” عن دار الآداب عام 2004 وأخرج فيلماً تسجيلياً بعنوان “حول العراق” عام 2008 وديوان شعر بعنوان “ليل واحد في كل المدن” عن دار الجمل، 2010. وترجمت رواية “إعجام” من قبل الكاتب وربيكا جونسون ونشرتها دار سيتي لايتس في سان فرانسيسكو عام 2007، وترجمت مجموعة من أشعاره إلى الإنجليزية ونشرتها دار هاربر ماونتن برس عام 2007. ما يلي هذا الحوار معه وقد خاض بكل تلقائية ودون إعداد مسبق: ? سأبدأ من أمر إشكالي، ربما، هل ما تكتبه ينتمي إلى قصيدة النثر، بالمعنى الصافي لبنية النثر؟ ? إنني أكتب شعرا، فاللغة تنطوي على جماليات وفيها موسيقى أيضا سواء كان القول بالشعر أم بالنثر أي أن فيها إيقاعا عميقا، وأحاول أن أكتب نصوصا فيها إيقاع ما كما أحاول عبرها دراسة جماليات اللغة، بناء عليه، فلتسمها ما شئت، فهذا الأمر قد أسال حبرا كثيرا في الثقافة العربية بالاستناد إلى نصوص نثرية عربية من تراث النثر العربي تنطوي على موسيقى عالية. ثم أعتقد أنني محظوظ من نوع ما، فأنا أنتمي إلى جيل مسبوق بأكثر من جيلين أو ثلاثة ممن كتبوا قصيدة النثر وقدموا تجارب رائعة، كأنسي الحاج ومحمد الماغوط، وبسام حجار وسركون بولص، إنهم أمثلة على كتابة قصيدة نثر ممتازة، من الممكن التعلم والاستفادة منها. فنحن لسنا في الخمسينات من القرن الماضي، حيث ما من مرجعية لقصيدة النثر العربية أما الآن فلها مرجعية واضحة. ? كنت أقصد: كيف تكتبها أنت؟ ? إنني أنظر إلى كتابة قصيدة النثر كممارسة ثقافية وفنية وإبداعية. إن الإبداع مسؤولية أولا وأخيرا، عندما تدخل في سياق معين وتريد أن تدلي بدلوك فمن المفترض أن تعرف تاريخ هذا السياق وتاريخ هذه الممارسة. بالطبع، تنطوي الكتابة على متعة بالغة، لكن الممارسة الثقافية تبقى إحساساً بالمسؤولية تجاه الإبداع، إذ أنت تقول شيئا ما في السياق والحيز العام، ولذلك ينبغي أن تقول شيئاً جديداً ومختلفاً وشيئاً يعني جمهور القرّاء ويخصهم تماما، فتغير شيئا في السائد أو في ذهن القارىء، وهذا حلم كل الشعراء رغم أنه قد يكون وهما، وهذا ما أحاول أن أقوم به، لكن الفشل أو النجاح هما أمران نسبيان، وهو أمر آخر. صوت الضحايا ? هل لي أن أقول إن كتابتك في حقل الشعر كما في حقل الرواية قد تأثرت بموقفك من العالم ومن المعرفة؟ ? بالتأكيد، انني بعد أن أنتهي من الكثير من النصوص ألاحظ، أن ثمة هواجس بينها لها علاقة بصوت الضحايا والمهمشين أو ما يهمله التاريخ. كانت الرواية الأولى عن مخطوطة يتم العثور عليها وهي مذكرات لسجين لا يعرف لماذا أُدخل إلى السجن، ربما لمجرد نكتة سياسية أو شيء من هذا القبيل، فيحاول أن لا يفقد عقله كليا ويحاول أن يعيد تشكيل ذاكرته وماضيه، وفيها “لعب” باللغة وفيها شعر أيضا لأن الرواية تسمح بذلك بالطبع، على العكس من الشعر الذي يتطلب التكثيف في مقطوعات صغيرة، لكن الهاجس الأساسي هو الهاجس العام؛ هاجس الحرب؛ فالبلد قد جرى تدميره والمدينة يجري تدميرها كل يوم وثمة أشلاء لبشر تُلقى في القمامة. إنني لا أستطيع أن لا أكتب عن هذا، لكن ثمة تلك الأشياء الصغيرة عن الحب والجنس والحنين الشوق؛ وأيضا يُقال عن هذا الديوان أن هناك رؤوسا مقطوعة وفيه أشلاء،إنما أرى أن هذا هو ما ينبغي عليّ الكتابة عنه لأن هذا هو ما أراه في هذا العالم الذي نعيش فيه وربما هناك فيه ما يدعو إلى التفاؤل لكن في منطقتنا العربية. وأودّ أن أقول في هذا السياق إن هناك رد فعل خاطىء من قِبَل الشباب فيما يتصل بالأدلجة والمزايدات الإيديولوجية التي سادت في الستينات والسبعينات أو الارتهان لمعارف أنتجها خطاب يعمل لصالح بعض الأنظمة التي جيّرت الكثير من القضايا لصالحها. بالتالي أنا أكتب عن الهواجس السياسية للإنسان وبالتالي فقصيدة النثر حتى في سياقها الأوروبي وحتى بالنسبة لشاعر مثل رامبو فقد كان مسيساً جدا بل ثوريا ولم يكن على هامش صراعات الحياة. للأسف هناك صورة خاطئة عن قصيدة النثر في العالم العربي تتمثل في أن قصيدة النثر هي قصيدة منفصلة عن الحياة وأن الشاعر يكتب عن ذاته بنرجسية. ? لكنّ الصوت الغالب في قصيدة النثر إجمالا هو صوت الفرد لا الجماعة، فهل يمكن أن نقول إنّ هذا الأمر هو تعبير عن تحولات اجتماعية؟ ? بالطبع، ليس من الضرورة أن يكون هناك تناقض، فلكل منا الحق في الدفاع عن فضائه الخاص خصوصا في مجتمعاتنا العربية التي هي ضيقة جدا من ناحية ومن ناحية أخرى، يهاجمك عالم الرأسمالية المتوحشة أينما كنت ويجعلك تشعر بالاغتراب أينما كنت أيضا. لماذا ينبغي أن يكون هناك تناقض ما بين أن تحتفي بفضائك الخاص وبفرديتك وباختلافك بوصفك تعيش في العالم وليس في صومعة وهذا العالم فيه صراعات كما فيه جماليات ومشاعر،وعاجلا أم آجلا أنت في هذا العالم ومنه، فلقد كتب ادوارد سعيد كتاباً بعنوان: “الناقد، العالم، النص” ما يعني أن لكل من هذه الأقانيم الثلاثة وجوده الخاص غير أنها مترابطة مع بعضها البعض أيضا، لكن كلامك صحيح فأنا أحب الاحتفاء بلذة الحياة وبلذة كل ما هو شخصي وجميل، لكنني في نهاية الأمر مواطن في مجتمع ولدي إحساس بالمسؤولية بوصفي إنسانا يعيش ويتنفس على هذا الكوكب. في العقدين الأخيرين كان هناك نوع الهجمة الرجعية العالمية فحواها أن المثقف ينبغي أن لا يلتزم بأي أجندة سياسية وأن عليه أن لا يكون في طليعة المجتمع، لكن مع أنني مع ذلك النقد الموجّه للمثقف إنما هو صاحب دور ولا يمكن له أن يكون خارج الحراك السياسي، حتى لو قال المثقف إنه خارج السياسة فهذا موقف سياسي لأنه يختار أن يكون خارج اللعبة برمتها، أي أنه يوافق على ما يرد فيها من قذارات رغم أن هناك مجتمعات تشهد حروبا أو أقلها تعيش في أكناف الديكتاتوريات، وهل لأني أعيش في إمبراطورية ينبغي عليّ أن أدير ظهري لما تفعله هذه الامبراطورية من تدمير للشعوب؟ ينبغي علي قول شيء ما أو فعل شيء ما. جماليات الكتابة ? هذا فيما يخص المثقف، لكن ماذا عن الشعر حين يرتبط مباشرة بالمخيلة؟ ? كان لزاما عليّ أن أضيف أن كل ما قلته يشترط عدم التضحية بجماليات الكتابة، فما قلته قد دخل إلى اللاوعي الثقافي واللاوعي الشعري أيضا، إذ أنني أذهب إلى بياض الورقة أو شاشة الكمبيوتر لأكتب عن هذا الأمر أو ذاك وقد قررت مسبقا عما سأكتب فهناك الهواجس اليومية التي قد تخزنت في اللاوعي، والتي يمكن أن أن أختزلها بالقول بأن هذا الهاجس يتجسد بهذا التناقض والتعايش بين الجميل والبشع وكذلك هذا الحضور للبربرية التي هي جزء من عالمنا، ربما أبالغ قليلا، لكن ذلك كله قد ترسخ في اللاوعي وتظهر نتائجه في النص. ? تأسيساً على هذا الكلام، هل تمارس دوراً نقدياً على قصيدتك؟ ? بالتأكيد، أنا شديد القسوة تجاه ما أكتب، وبسبب ذلك تأخرت في النشر حتى وقت قريب، أيضا لأنني أحترم القارئ ولا أريد عبئاً على وقته وأضيف هذه التفاهات الموجودة بوفرة. إنني أحاول كتابة نص يتوقف عنده القارئ قليلا، أحيانا أشعر برعب من الكتابة، إنني أحسد أولئك الذين لديهم جرأة على الكتابة والنشر على هذا النحو المعهود، ليس من السهل أن تكون غزيراً في الكتابة وتحافظ على مستوى معين، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يتعلم المرء أن يحيد عن هذا السلوك في الإنتاج من جرّاء غياب النقد فيحرص كل الحرص على سوية ما ينشره ويظهره للناس، وهنا لن أدخل في أمر الشكوى من هذا الغياب. ? أنت تعيش هناك في الغرب، كيف يبدو المشهد الشعري العربي من هناك؟ ? لن أتحدث عن أزمة الشعر عربيا فهذا الأمر ينسحب على الثقافات كلها بل إن هذا هو حال الشعر دائما: أن يعيش أزمته الخاصة به، إذ أن هناك الكثير من الشعر الرديء الذي يُكتب لكن هناك نسبة ما من الشعر الجيد. طبعا هناك أزمة، لكنها ليست في الشعر وحده بل هناك أزمة وجودية خانقة على كل المستويات في الحياة العربية الراهنة، وفي الوقت نفسه وعن الشعر بات هناك معايير معينة ومرجعيات جعلت المشهد الشعري العربي بخير على من النواحي الأخرى عربيا، ولدينا شعراء يكتبون شعراً جميلا ومن العسير عدهم الآن. الانغماس بالترجمة ? ماذا عن الجانب الآخر، ماذا عن الشعر في الغرب؟ ? ما حدث لي كان غريبا، فرغم السنين التي قضيتها في الدراسات العليا إلا أنني كنت منغمساً بقراءة الشعر العربي الكلاسيكي، ربما أن هاجس الابتعاد قد جعلني أبالغ في القراءة بالعربية وهو ما تسبب بقصور لدي في الاطلاع على الأدب الأميركي إلى حدّ الاحساس بنوع من الذنب، وكي أفعل شيئا ما حيال هذا الأمر فقد قمت بترجمة الكثير من الشعر الأميركي إلى العربية ما أفادني كثيرا، مثل أودن وشارلز سيميك وهو بالنسبة لي نموذج فهو شاعر يكتب عن كل شيء في الحياة حتى لو كانت بسيطة وعادية ويومية ولا يخاف بالمقابل من الكتابة عن التاريخ أو الحرب أو التعذيب حتى أنه كتب مرة مقالة انتقد فيها الكثير من الشعراء الأميركيين، أنبهم فيها على التغاضي عن التاريخ والصمت حيال المسؤولية الأخلاقية التي ينبغي أن يتحلى بها موقف المثقف تجاه الواقع من حول. أيضا أقرأ الكثير من الشعر الأوروبي مترجما إلى الإنجليزية، لكن اطلالتي على الشعر الإنجليزي أقل بكثير مما يتوقع المرء. ? ماذا عن الموقف الأدبي من قصيدة النثر هناك، أو في أميركا على الأقل؟ ? ليس كله إيجابيا. عندما فاز شارلز سيميك بجائزة البوليتزر للشعر عن ديوان كله قصيدة نثر، كانت تلك أول مرة يفوز شاعر بالبوليتزر عن قصيدة نثر. حقيقة هناك ردة فعل تجاه قصيدة النثر ربما لصعوبة كتابتها وتاريخها الملتبس. ? للنتقل إلى حقل الترجمة وترجمتك لكتاب محمود درويش: “في حضرة الغياب”؟ ? أولا أنا أحب منجز محمود درويش الشعري جدا جدا، وهو أهم الشعراء بالنسبة لي عالميا وليس على المستوى العربي فحسب، وسابقا كنت ترجمت له قصائد نُشرت الي إحدى الأنطولوجيات بالإنجليزية واترجم له كثيرا على الحواف لأصدقائي وصديقاتي الذين لا يعرفون منجزه أو لا يعرفون العربية كما كتبت عنه مقالات أكاديمية عديدة. وعن هذا الكتاب “في حضرة الغياب” فهو نص استرجاعي ومن أهم كتب النثر العربي خلال النصف الثاني من القرن الماضي وحتى الآن، ويبرز إمكانيات مذهلة للنثر العربي، وهو جماليا وشعريا كتاب رائع أضف إلى ذلك المستوى الثقافي والسياسي، كل ذلك جعل من هذا الكتاب ظاهرة خاصة في تجربة محمود درويش، وهذا ما جعلني أخوض هذا التحدي مع هذا الكتاب الذي يدفعك إلى العيش مع كل كلمة، والذين يعرفون في حقل الترجمة وقرأوا الكتاب يدركون كم هو صعب تناول في حضرة الغياب، حيث ثمة جمل معقدة ليس من السهل أن تحافظ الترجمة على مستواها الجمالي في لغتها الأم، وأنا الآن على وشك الانتهاء منه وقرأت مقاطع منه في ندوة تذكارية عقدت في كاليفورنيا العام الماضي. واعتبر ترجمة الكتاب نوعاً من التقدير ورسالة المحبة لدرويش وللنثر العربي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©