الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فرنسا.. خروج «لوبين» من الهامش

26 ابريل 2017 00:08
تكره مارين لوبين، المرشحة للرئاسة الفرنسية، أن يطلق عليها وصف «الزعيمة اليمينية المتطرفة». وهي تقول إن معظم الناخبين الفرنسيين يؤيدون خططها المتشددة المناهضة للمهاجرين، وهذا يعني أنها وسطية، حسب رأيها. وبعد النتائج اللافتة التي حققتها الأحد الماضي، في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، ستنظر لوبين فيما يمكن أن تحققه. وزعيمة حزب «الجبهة الوطنية» الذي كان يوماً ما على الهامش، وحُجِبت عنه الأضواء بسبب دفاعه عن التعاون مع النازية أثناء الحرب العالمية الثانية، لم يعد أمامها الآن سوى جولة واحدة من الانتخابات لتنتقل إلى تزعم البلاد، إن فازت في الشوط الثاني. وإذا ما دخلت لوبين قصر الإليزيه في السابع من مايو المقبل، فسيكون هذا بمثابة تحول دراماتيكي بالنسبة لزعيمة متمردة لم يكن أحد قبل سنوات قليلة يمكن أن يتخيل حتى اقترابها من الفوز بالقيادة الفرنسية. ولكن بعد موجة من الهجمات الإرهابية الدموية، وازدياد معدل اللاجئين، والشعور المؤلم بأن الهوية الفرنسية تختفي ببطء، يبدو أن كثيراً من الناخبين باتوا على استعداد لتخيل امرأة أثـر التدخين على نبرة صوتها كرئيسة لبلادهم. «لا يمكننا تحمل خسارة هذه الحرب. ولكن خلال السنوات العشر الماضية، فعلت الحكومات اليمينية واليسارية كل ما بوسعها لتجعلنا نخسرها»، هذا ما قالته لوبين قبل أيام من إجراء الانتخابات، وبعد أن قتل مواطن فرنسي ضابط شرطة وأصاب اثنين آخرين في شارع الشانزليزيه الشهير، وذلك في هجوم أكدت جماعة «داعش» مسؤوليتها عنه. وأضافت لوبين: «نحن بحاجة إلى رئاسة تعمل على حمايتنا». وقد جاءت أعمال العنف متوافقة تماماً مع تحذيرات لوبين التي ظلت لسنوات تحذر من أن هوية فرنسا باتت تتلاشى ببطء أمام المهاجرين المسلمين - حتى قبل أن تؤدي الموجة الأخيرة من الهجمات الإرهابية إلى إعلان فرنسا رسمياً حالة الطوارئ. بل إن الرئيس الاشتراكي فرانسوا أولاند حاول لفترة وجيزة اللجوء إلى تجريد المواطنين المزدوجي الجنسية من جنسيتهم الفرنسية في حال إدانتهم بتهم إرهابية، وهي فكرة لوبين ذاتها التي قال المنتقدون إنها ستجعل الكثير من الفرنسيين المسلمين مواطنين من الدرجة الثانية. جدير بالذكر أن لوبين -48 عاماً- ولدت في عائلة سياسية، وكانت لعقود من بين أقرب مساعدي والدها «جان ماري لوبن»، الذي كان يقود حزب «الجبهة الوطنية»، باعتباره تجمعا غريباً من السياسيين اليمينيين المتطرفين الذين كانوا يعتقدون أن «الهولوكوست» كانت مجرد «تفصيل» من تفاصيل الحرب العالمية الثانية. وعلى مر العقود، أصبح هذا شعاراً حياً للسياسيين اليمينيين المتطرفين في أوروبا. فلوبين الأب غريب الأطوار، وهجومي ومغمور برائحة التعاطف مع النازيين، ولذا ظل دائماً بعيداً عن الوصول إلى السلطة. وقد جاءت بداية الاهتمامات السياسية لمارين لوبين عندما كانت في سن الثامنة، بعد أن تم استهداف شقة العائلة بمواد متفجرة، ولم يبذل المسؤولون جهداً يذكر للعثور على الجاني. وأدى الانفجار إلى تدمير واجهة المبنى، ولكنه لم يحدث خسائر في الأرواح. ولذلك كتبت لوبين في سيرتها الذاتية العام 2006 «لم نلاق نفس المعاملة التي يلقاها الآخرون»، وألقت باللوم في ذلك على اللامبالاة الرسمية إزاء وجهات نظر والدها السياسية. ولكن إن كان لوبين الأب على استعداد للتخلي عن النجاح في صناديق الاقتراع باسم النقاء الأيديولوجي، فقد أثبتت ابنته مارين أنها سياسية أكثر خبرة. وعندما خسر جان ماري لوبن في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية العام 2002، كان هناك اقتناع بأن الناخبين على جانبي الطيف السياسي سيتحالفون لهزيمته. وقد حصل على 18% من الأصوات، ومثل ذلك خيبة أمل ساحقة بالنسبة لابنته التي تلقت تدريبها كمحامية ولكنها أمضت الجزء الأكبر من حياتها المهنية كناشطة داخل الحزب. ولكن هذه المرة، هناك توقعات قليلة بأن الناخبين سيرفضون لوبين ببساطة بسبب ارتباط ماضي الحزب بالنازية. وبعد خسارة 2002، تعهدت مارين لوبين بتحويل الحركة إلى قوة يمكنها فعلاً الفوز في الانتخابات. وقد تولت مارين أمر الحزب في العام 2011، وسرعان ما تحركت بعيداً عن خطوطه السابقة. وقالت إنها هي أفضل حليف لليهود الفرنسيين -لأنها ستحميهم ضد المسلمين المهاجرين! وسعت أيضاً لضم أعضاء النقابات المنسيين إلى حزبها، وهم جوهر التحالف اليساري القديم في فرنسا، وذلك بقولها إنها ستحمي الإعانات الاجتماعية من خلال صدّ قوى العولمة إلى الوراء. وفي دراما بين لوبين الأب والبنت تستحق أن يكتبها شكسبير، بادرت لوبين الابنة بطرد والدها من الحزب بعد أن أصبحت آراؤه بشأن «الهولوكوست» بمثابة إلهاء عن مسار الحملة. ويقال إنه لم يعد بينهما أي حديث -على رغم أن لوبين الأب ما زال يمول تحركات ابنته السياسية. وهي الآن تثير حماس الحشود الذين يقولون إن كل المنافسين الآخرين ليس لديهم أي شيء جديد ليقولوه. وقبل الجولة الأولى، كانت الحالة المزاجية في مسيراتها تتناقض بشكل حاد مع خصومها المهزومين حالياً. وقد جمعت لوبين المؤيدين من جميع أنحاء شمال فرنسا الذي تضرر بشدة، حيث تم إغلاق المصانع التي كانت يوماً ما تثير مشاعر الفخر، فيما انتقلت الوظائف إلى بولندا والصين. «إن مشروعي يهدف إلى إعطاء فرنسا حريتها مرة أخرى، والسماح لها بالخروج من السجن. أعد بأن أعيد فرنسا إليكم، وأن أعيد فرنسا إلى العالم»، حسب ما قالت لوبين في آخر تجمع حاشد لها في باريس الأسبوع الماضي. ولكن إذا فازت، فإن فرنسا التي تود إنشاءها من الممكن أن تبدو مختلفة جذرياً عن فرنسا المتعددة الثقافات والموصولة بأوروبا كما هو الحال الآن. وقد تعهدت لوبين أيضاً إقامة حواجز حدودية ومنع الهجرة من داخل وخارج أوروبا على حد سواء. وهي تقول إنها ستعيد بناء القطاع الصناعي الفرنسي، الذي يلهث تحت وطأة المنافسة من قبل السلع الأجنبية الأرخص، وذلك من خلال السعي إلى إعادة الفرنك الفرنسي. كما أنها أدرجت أيضاً مجموعة من التكتيكات التي ستستخدمها لجعل فرنسا أقل كرماً مع سكانها من المسلمين، بما في ذلك تقديم لحم الخنزير في المدارس، وطرد أي فرد من غير المواطنين يتم الإبلاغ عنه لكي يكون تحت المراقبة بموجب نظام مكافحة الإرهاب في فرنسا. ويقول المنتقدون إن تكتيكاتها ستتراوح بين كونها غير دستورية وغير إنسانية، وهم يحذرون من أن الذعر المالي الذي ستحدثه أي محاولة لمغادرة الاتحاد الأوروبي سيدمر دخل مؤيديها أولاً، وهم الذين يعانون الآن بالفعل. أما هي فتقول إن تيار التاريخ يقف في جانبها، مشيرة إلى التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي «بريكسيت» وانتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، وهما علامتان دالتان على أن الناخبين حول العالم يرفضون العولمة والهجرة. كما ذكرت لوبين هذا الشهر أيضاً أن الفشل الرئيسي لترامب حتى الآن يتمثل في أنه يتحول إلى سياسي تقليدي، ولا يتمسك بوعوده الانتخابية المتطرفة. وأضافت خلال لقاء مع «راديو فرانس إنفو»: «إنه في تناقض مع الالتزامات التي تعهد بها. أما أنا فمتماسكة. إنني لا أغيّر رأيي في غضون أيام قليلة». *مدير مكتب «واشنطن بوست» في بروكسل ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©