الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أوهام

أوهام
25 يوليو 2009 21:08
على هامش العملية الانتخابية التي شهدها لبنان مؤخراً مرت إحدى الطرائف المثيرة للاهتمام، وهي من شأنها أن تحفِّز نقاشاً حيوياً حول بعض ما يدرج زمناً في خانة البديهيات، ليتبين لاحقاً أنَّ تصنيفه يحتمل إعادة النظر.. أصل الحكاية أنَّه وبينما كان الناخبون والمنتخبون يخوضونها حرباً طاحنة لا تبقي ولا تذر، تسلل صحفيٌ مشاكسٌ نحو لوائح الشطب، وهي سجلات رسمية تُعلَّق أثناء سير العملية الانتخابية فوق جدران الغرف التي تحتضن عمليات الاقتراع (الأقلام)، وتتضمن أسماء كل المواطنين الذين تحق لهم ممارسة الانتخاب، مع أرقام سجلاتهم، وبياناتهم العائلية، والأهم: التواريخ الواقعية لميلادهم... وجدها صاحبنا سانحة للاطلاع على الأعمار الحقيقية للفنانات، والفنانين أيضاً، لما يقتِّرون في الاعتراف بها، ويخفِّضون من السنين ما استطاعوا، وما أمدتهم به أدوات ومساحيق وعمليات التجميل من وسائل وسبل.. غنيٌ عن القول أنَّ الاطلاع المشار إليه لم يكن يهدف إلى إرضاء الفضول الشخصي فحسب، إنَّما هو يطمح، بطبيعة الحال الوظيفي، إلى النشر والتعميم. لم يذهب جهد الصحفي هدراً، بل هو يسعه القول، وبلذة لا تداري صلفها، أنَّه أدرك ما سعى إليه من سبق مهني مستحق، لقد اكتشف باختصار أنَّ اعتراف الفنانين (ذكوراً وإناثاً) بأعمارهم الحقيقية إنَّما هو حكاية عتيقة شبع الدهر منها وعليها أكلاً وشرباً، وأنَّ موسوعة ويكبيديا، التي تضم في ما تضم معلومات عنهم، بينها أعمارهم المفترضة، قد تلقت خدعة مركبة تفوق بأضعاف مضاعفة، ما احتوته، وما تعد نفسها به، من أرقام قياسية.. وقد يثير مزيداً من الاهتمام أنَّ بعض المضلِّلين (وبعضهن) كان ممن يوحي بالثقة، ويبدو فوق مستوى الشبهات.. بعيداً عن الإدانة المستسهلة، أو التعاطف المشكوك بأمره، أو حتى النزعة التوفيقية التلفيقية المألوفة في مثل هذه الحالات، يمكننا القول إنَّ زميلنا المتسلل إلى الدهاليز المظلمة للأعمار الفنية قد وضعنا أمام معضلة يكاد حلُّها المنصف أن يكون مستعصياً.. فمن جهة لدينا صحفي يتكئ حضوره المهني على دافعية الكشف حتى لو أدركت المستوى الفضائحي، ومن غير المنطقي أن يُطلب منه التساهل أو التجاهل لما يمكن أن يشبع غريزته العملانية المستندة إلى الإيغال في البوح، ومن غير العادل كذلك أن لا يصفق له على ما يجب اعتباره إنجازاً.. ومن جهة أخرى تطالعنا حفنة من أهل الفن الطامحين إلى سنوات إضافية من العيش في كنف وميض ضوئي آسر، وبريق جماهيري جذاب لا توازي ألقه إلا رغبات المنضوين ضمن إطاره في الازدياد منه حتى الرمق الأخير، وهو رمق مرذول، من حقهم، بل من واجبهم للدقة، أن يستبعدوه ما (وكيف) أمكنهم ذلك.. وثمة طرف ثالث في اللعبة أيضاً نمثلِّه نحن، معشر المتلقين الذين تحلو لنا أحياناً معرفة الحقيقة، لكنَّنا نستطيب الأوهام في أحيان كثيرة أخرى، لا سيما إذا كانت متقنة الصياغة.. فعل الفنانون فعلتهم، وقالت الصحافة كلمتها، بقي علينا أن نمتلك جرأة الاعتراف بأنَّ السنين التي خبأها أهل الفن تحت ظلال الأضواء والمساحيق لم تمثل إستهدافاً لوعينا، ولا يحق لنا بالتالي المطالبة بها، كما لو أنَّها سُرقت منَّا.. بل يكاد العكس أن يكون صحيحاً، فأعمارنا لم تكن بمنأى عن تلك الأيام التي أضيفت، ولو محقة، إلى تواريخ ميلاد فنانينا، والحق أنَّ هؤلاء بتسترهم على بعض أعوامهم، إنّما كانوا، كما دوماً، يمدوننا بجرعة نقية من متعة الوهم الجميل.. علي العزير
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©