الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

دولة واحدة للفلسطينيين والإسرائيليين··· سياسة رئيسية

دولة واحدة للفلسطينيين والإسرائيليين··· سياسة رئيسية
3 يونيو 2008 01:34
فــي ،2005 أتيحـــت لــي فرصـــــة القيـــام بشيء لا يستطيــع معظم الفلسطينيين سـوى أن يحلموا به، وهو زيارة المنزل الذي رُحلت منه عائلتي عام ،1948 وقد شاءت الظروف أن اكتشفَ مراسل لصحيفة ''نيويورك تايمز'' أن شقته مبنية على أنقاض منزل عائلتي القديم، عندما التقيتُ بــه هنــاك، أبدى السكان اليهود الذين أروني المكان أسفهم، فربما كانوا واعين بمدى اختزال هذا الحادث للقصة المركزية للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني، ولكنني حين سألــتُ المراسلَ كيف يستطيع كتابة مقالات تمثل خيانة للواقع، كان جوابه غامضا وفضفاضا· الواقع أن هذا الغموض ليس سوى جزء من صناعة إنكارٍ تسمى ''عملية السلام'' في الشرق الأوسط، حيث تروج هذه الصناعةُ للإجماع الدولي الحالي بشأن حل الدولتين باعتباره تسوية ''شاملة'' للنزاع، والحال أن ثمة حلا أفضل، أخذ في حشد التأييد له مؤخرا في أوساط الفلسطينيين والإسرائيليين، نموذج دولة واحدة· إن مقاربة الدولتين معيبة لسببين رئيسيين، أولهما حقيقة أن الاحتلال الإسرائيلي الطويل والمتوسع للأراضي التي احتلت في حرب 1967 جعل من خلق دولة فلسطينية هناك شيئا مستحيلا، فإسرائيل لم تعرض على الفلسطينيين أكثر من ''دويلة تتألف من كنتونات''، مما يعني الاستمرار في السيطرة على أكثر من نصف الضفة الغربية وكل القدس الشرقية، ولأن الموقف الإسرائيلي لن يتعرض للطعن من قبل القوى المؤثرة داخل المجتمع الدولي، فإن الطريق الوحيد إلى حل الدولتين في هذه الحالة يمر عبر الضغط على الجانب الفلسطيني الأضعف· وهو ما يقودنا إلى العيب الثاني في حقيقة أن حل الدولتين لا يعكس سوى المصالح الإسرائيلية، ذلك أنه يقترح تقسيم فلسطين التاريخية - وهي منطقة تشمل إسرائيل الحالية والضفة الغربية وقطاع غزة والقدس- بشكل غير عادل لصالح إسرائيل كدولة يهودية، وهو ما يقضي على إمكانية عودة اللاجئين الفلسطينيين، ماعدا أراضي الضفة الغربية الصغيرة والمقطعة التي خلقها الاحتلال الإسرائيلي، وإلى غزة المكتظة بالسكان التي لا تتسع للعائدين، وبالتالي، فإن ''عملية السلام'' إنما تتعلق في الواقع بحمل الفلسطينيين على التنازل عن حقوقهم الأساسية للاستجابة للمطالب الإسرائيلية، كما تستجيب للارتياب المَرضي الإسرائيلي من ''الديموغرافيا''، وهو مصطلح غامض وفضفاض يحيل إلى الرغبة المشينة أخلاقيا في الحفاظ على الصفاء العرقي اليهودي لإسرائيل· بيد أن أكبر عيب في حل الدولتين هو أنه يتغاضى عن السبب الرئيسي للنزاع، نزع حقوق الفلسطينيين وممتلكاتهم في 1948؛ فاليوم، يتوق ما ينيف عن 5 ملايين لاجئ ومنفي فلسطيني مشتتين في العالم إلى العودة، والحال أنه بات شبه مقبول اليوم تجاهل هذا الأمر، كما لو أن حق الفلسطينيين في العودة إلى وطنهم أقل من حق النازحين الكوسوفيين الذي انتصر له الناتو بقوة في 1999 حين اعتُبر حق عودتهم أساسيا لصنع السلام في الأزمة البوسنية· وهو أمر ينطبق أيضا على النزاع الإسرائيلي الفلسطيني! بيد أن عملية السلام الحالية تهدف إلى الحفاظ على كولونيالية إسرائيل وإدامة المعاناة الفلسطينية، وهو أمر ليس مجحفا وغير قانوني فحسب، وإنما ينم أيضا عن قصر النظر، فمثلما حذر المفكر الصهيوني ''فلاديمير جابوتينسكي'' في ،1923 فإن مقاومة نزع الحقوق غير قابلة للقمع، والصهيونية لن تستمر وتصمد إلا بوجود قوة دائمة لإخمادها· نصيحة اتبعتها إسرائيل جيدا، حيث قامت الدولة العبرية عبر احتلالٍ عسكري قمعي في الضفة الغربية وقطاع غزة باقتياد الفلسطينيين جماعات إلى جيتوهات وسجون بهدف شل أي مقاومة، غير أن رد الفعل على هذه القسوة والوحشية هو البؤس والغضب، الذي يعبِّر عنه البعض عبر العنف ضد الإسرائيليين واستمرار اللاستقرار في المنطقة· وعلاوة على ذلك، فقد أدى التواطؤ الأميركي مع إسرائيل إلى شعور متزايد بالمعاداة للولايات المتحدة في أوساط العرب والمسلمين· إذا كان هدف عملية الســـلام هو حل النزاع حلا حقيقيا، فعلينا في هذه الحالة معالجة جذور المشكلة المتمثلة في أن دولة شعب أنشئت على أرض شعب آخر، فالصراع الذي تسبب فيه هذا الأمر لن ينتهي إلا حين يتم احترام الحقوق الفلسطينية في العودة والتعويض، غير أنه أمر لا يمكن أن يحدث في ظل وضع يتميز بالهيمنة الإسرائيلية· إن الحاجة ماسة اليوم إلى مقاربة مختلفة تُعمل مبادئ المساواة والاقتســـام بدلا من الهيمنة والقمع، حل دولة واحدة حيث لا يضطر مستوطن إسرائيلي إلى المغادرة وحيـــث لا يضطــر فلسطيني للعيــش تحت نير الاحتلال، ووفق هذا الحل يمكن اقتسام الموارد بدلا من استحواذ إسرائيل عليها، ويمكن للقدس أن تكون مدينة للطرفين، ولعل الأهم هو أن الفلسطينيين الذين انُتزعت أراضيهم سيستطيعون أخيرا العودة إلى وطنهم· إن التساهل مع إسرائيل حماقة كبرى وخطيرة تؤخر الحل، وتضر بالفلسطينيين، والمنطقة، والمصالح الغربية بعيدة المدى· بل إنها تضر حتى بالإسرائيليين الذين يشعرون بأمان أقل في إسرائيل مقارنة مع أي مكان آخر· أما الدعم الفلسطيني والإسرائيلي لمقترح الدولتين، فلا يعكس سوى انصياع للقوة الإسرائيلية الأكبر وخوف من رد أميركي، وليس اقتناعا· وبالتالي، فإن مقترح الدولتين لا يمكن أن يحل محل حل دائم يقوم على المساواة والعدل والكرامة· قبل عقـــد من اليـــوم، كانــــت فكـــرة الدولة الواحدة محط سخرية واستخفاف، ولكــن مؤخرا، وفي وقـــت بــات يتراجـــع فيـــه التأييــد لحل الدولتين، بـــات حل الدولـــة الواحدة موضوع نقاش التيار الرئيسي، واليوم، يجب أن يصبح سياسة رئيسية أيضــا· غادة كرمي أكاديمية وكاتبة ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©