الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

استراتيجية إلغاء اتفاق «النووي» الإيراني

31 مارس 2018 21:46
الاتفاق النووي الإيراني لن يصمد فيما يبدو بعد 12 مايو وهو موعد المرة التالية التي يتعين على الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن ينهي فيها التخلي عن فرض عقوبات صارمة على إيران، ويجعل أميركا تنسحب من الاتفاق. وترامب سينسحب من الاتفاق ما لم يلتزم الحلفاء الأوروبيون بإصلاح مثالبه الرئيسة، بما في ذلك البنود المتعلقة بانتهاء العمل ببعض القواعد عند مدى زمني معين ما لم يجر تمديدها، وكذلك مسألة الافتقار إلى القيود على الاختبارات الصاروخية الإيرانية، وفيما يتصل أيضاً بالضمانات الضرورية لعملية التفتيش التي تجري عرقلتها باستمرار من جانب إيران. ويبدو أن الرئيس ترامب يعد المسرح بالفعل لقرار كهذا. فقد أقال وزير الخارجية ريكس تيلرسون الذي كان أبرز المدافعين عن الاتفاق وعين محله مايك بومبيو المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي. أي. أيه) وهو من صقور اليمين الأشد انتقاداً للاتفاق. ثم هناك مستشار الأمن القومي الجديد جون بولتون الذي وضع قبل نحو ستة شهور من الآن استراتيجية لخروج الولايات المتحدة من الاتفاق نهائياً. وثمة حجج قوية لداعمي ذلك النهج في التعامل مع اتفاق النووي الإيراني. ويروق لبنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي القول بأن إيران ستصبح قوة نووية مع مضي الوقت، حتى ولو التزمت ببنود الاتفاق الحالي؛ فالقيود على اليورانيوم منخفض التخصيب، وحظر أجهزة الطرد المركزي المتقدمة.. كل ذلك ينتهي بين عامي 2026 و2031. والأهم من هذا أن الصفقة النووية بتفاهماتها السرية وبنائها المعقد يُراد بها حفز حلفاء الولايات المتحدة على الهرولة إلى الاستثمار في اقتصاد أبرز دول العالم دعماً للإرهاب. وهذا لن يؤدي إلى تطبيع النظام المصرفي الإيراني المبهم والنشاط الاقتصادي الفاسد الذي تملكه الدولة الإيرانية فحسب، بل أيضاً سيخلق جمهور ناخبين أصحاب نفوذ في أوروبا يعارض فيما بعد فرض عقوبات قد تهدد الاستثمارات التي يفترض أن الصفقة النووية تجعلها أمراً واقعاً ومشروعاً! وقد قيل إن الانسحاب من الاتفاق الإيراني في الوقت الحالي سيكون خطأ؛ لأن الولايات المتحدة وحلفاءها يتمتعون بأفضل الخيارات، وهي إذعان إيراني من دون استثمارات دولية تستطيع طهران الاعتماد عليها. فالبنوك والأنشطة الاقتصادية الأوروبية ما زالت تتهيب السوق الإيرانية حتى وقتنا الحالي. وقد أخبرني مسؤولون أميركيون أن أوروبا تطلب المزيد من التوضيحات من جانب وزارة الخزانة الأميركية بشأن نوعية الاستثمارات التي لن تنتهك العقوبات القائمة. والصفقات التي أُبرمت فيما يبدو إبان انتهاء إدارة باراك أوباما، مثل بيع طائرات بوينج بمليارات الدولارات لإيران، أصبحت محل شك وريبة الآن. والريال الإيراني في حالة انهيار، حيث فقد ربع قيمته خلال الشهور الستة الماضية. وهناك أسباب كثيرة لا تجعل اقتصاد إيران جاذباً للاستثمارات الأجنبية الكبيرة خلال عام 2018. فأجهزة الأمن الإيرانية مازالت تعتقل أشخاصاً يحملون جنسيات مزدوجة بناءً على اتهامات باطلة. ووكلاء إيران وعملاء قوات حرسها الثوري مازالوا يشنون حرباً في سوريا واليمن، وبنوكها لا تتوقف عن غسل الأموال لصالح جماعة «حزب الله» اللبنانية الإرهابية. هذا بالإضافة إلى الاستراتيجية الجديدة التي تتزعمها المملكة العربية السعودية للضغط على الأنشطة الاقتصادية الغربية كي لا تدخل السوق الإيرانية. صحيح أن إلغاء الصفقة الإيرانية الآن سيكون خطأً، لكن ترامب يستحق أن ينسب إليه الفضل في إلقاء الشك على مستقبلها؛ فكل ستة أشهر يتعين عليه أن يتخلى عن فرض عقوبات ثانوية على النفط والبنوك رفعها الاتفاق. وكل ستة شهور يتذمر ترامب ويهدد بألا يفعل. وحين تقدم ترامب أخيراً باستراتيجيته حول إيران، في الخريف الماضي، أصدر إنذاراً مفاده أنه ما لم يتعهد الكونجرس والحلفاء الأوروبيون بإصلاح عيوب الاتفاق فإنه سينسحب منه نهائياً. وهذا سبب أهمية الموعد النهائي المقرر في 12 مايو المقبل. لكن قبل أن يمضي قدماً في تعهده، ينبغي على ترامب أن يتمهل قليلا ليفحص تداعيات فرض عقوبات ثانوية رفعها الاتفاق النووي. وفي الأسبوع الماضي، أخبرتني «كيت باور»، الملحقة السابقة في وزارة الخزانة الأميركية في أبوظبي، والتي عملت على فرض عقوبات على إيران، أن العقوبات يمكن نظرياً إعادة فرضها في غضون أيام. لكن كي يتم تنفيذ هذه الإجراءات سيتطلب الأمر قدراً كبيراً من العمل الفني والدبلوماسي. وقالت باور، التي تعمل حالياً باحثة في «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى»، إن الأمر «يتطلب وقتاً وموارد في الجانب الفني؛ مثل إعادة إصدار أوامر تنفيذية، واتخاذ قرارات بشأن سياسة التصريح.. ويتطلب كذلك وقتاً وموارد في الجانب الدبلوماسي.. إذا كان الهدف هو إعادة تكثيف الضغط على اقتصاد إيران كي تغير تصرفاتها». إذن، ما الفرص التي قد يريد الحلفاء الأوروبيون والآسيويون العمل عليها عن كثب مع الولايات المتحدة لإعادة فرض عقوبات في الوقت الذي تتفاوض فيه الولايات المتحدة مع أوروبا لتعزيز الاتفاق النووي القائم؟ الفرص ليست جيدة. وهذا لا يخبرنا بشيء عن الضغط الدبلوماسي الذي خلقه قرار ترامب لفرض رسوم على الصلب الصيني أو الاستعداد لقمة مع طاغية كوريا الشمالية «كيم جونج أون». والعقوبات الثانوية الأميركية بالطبع لن تتطلب حملة دبلوماسية موازية، فإذا واصل بنك أو شركة استثماراتهما في إيران فستعرض لخطر الحظر في السوق الأميركية. لكن التطبيق يتطلب بالفعل بعض التعاون. فإذا تم التلويح بالعقوبات الثانوية، ولم تفرض الولايات المتحدة جزاءات على المنتهكين، فستثبت عدم جدوى أحد أدوات السياسة الخارجية الأكثر أهمية، أي القدرة على استخدام اقتصادها في التخويف من استثمار الأموال لدى الأنظمة المارقة. ويعتقد «مارك دوبوويتز»، كبير المديرين التنفيذيين في «مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات» وأحد مهندسي استراتيجية الضغط على الحلفاء لإصلاح الاتفاق النووي الإيراني، أن هناك وسائل فنية يستطيع ترامب اتباعها في الانسحاب من الاتفاق من دون فرض عقوبات، وذلك من خلال منح فترة «الميناء الآمن» التي يكون فيها أمام أي بنك أو شركة ستة شهور لإنهاء أي نشاط له في إيران. وقال «دوبوويتز» إن هذا «يطيل أمد عدم اليقين ويعطي المزيد من الوقت للأوروبيين كي يتفقوا على تعديل حقيقي للاتفاق». وهذا النوع من التصعيد سيكون ضرورياً في المستقبل. وفي الوقت الحالي فإن الأمر ليس كذلك. وقد يقول بعض المنتقدين إنه يتعين على ترامب الوفاء بوعده وإلا سيفقد مصداقيته. لكنه يستطيع بالسهولة نفسها إرجاء القرار والإشارة إلى المفاوضات الأوروبية، وأن يتبع خطته التي وعد بها لتعزيز العقوبات غير النووية على الكيانات الإيرانية. ويستطيع أن يقوم بكل هذا ويعلن النجاح، لكن ليس الانتصار، لاستراتيجيته لإصلاح الصفقة النووية التي شن حملته الانتخابية أساساً ضدها. *كاتب أميركي متخصص في شؤون الأمن القومي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©