الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أهل «بلبيس» المصرية لا يأكلون إلا لحم الإبل

أهل «بلبيس» المصرية لا يأكلون إلا لحم الإبل
27 ابريل 2010 21:05
دون غيرها من مدن وقرى مصر تنفرد مدينة بلبيس (55 كم شمال شرق القاهرة) بإقبال أهلها على تناول لحم الإبل وتفضيلها عن بقية أصناف اللحوم الأخرى حتى في عيد الأضحى يحرصون على ذبح «البعرور» (الإبل الصغيرة السن) وإكرام ضيوفهم بفتة كوارع الجمال. ويفضل سكان هذه البلدة الواقعة ضمن محافظة الشرقية، لحم الإبل دون المصريين عموما الذين يستهلكون لحم البقر والغنم غالبا، مؤكدين أن فيه حموضة محببة بالإضافة إلى أنه خفيف على المعدة. تناول لحم الجمال لاسيما يوم الخميس من كل أسبوع وفى المناسبات المختلفة كالأفراح والمآتم يعد أبرز عادات مدينة بلبيس، المنتمية إداريا لمحافظة الشرقية في دلتا مصر، ورغم عدم اعتياد بقية المصريين على تناول ذلك النوع من اللحم مقارنة بلحم البقر والغنم فإن «البلابسة» يرون لحم الإبل هو الأشهى على الإطلاق، وفق هشام الأهواني، مدرس رياضيات، الذي يقول:‏»نشأنا على حب لحم الجمال وآباؤنا وأجدادنا كانوا كذلك وتربينا على أن الصحة وعافية الجسم في تناول لحم الجمل وقرقشة «الكوارع» وشرب «المرق» ففي هذا اللحم حموضة محببة وهو خفيف على المعدة. قلة الدهون يؤكد جمال زهران، رئيس جمعية تنمية المجتمع ببلبيس، أن سبب إقبال «البلابسة» على لحم الإبل يكمن في فوائده الصحية فالدهن الموجود في لحم الجمل أقل من اللحوم الأخرى لأن الدهون تتجمع في سنام الجمل مما جعل الأطباء يوصون المرضى بتناول لحم الجمل لاسيما من يعانون السكري وارتفاع ضغط الدم وبمرور السنوات تحول تناول لحم الجمل من وصفة علاجية إلى عادة غذائية تتعاقب الأجيال عليها باستمرار. ولا تقتصر مزايا لحوم الإبل بالنسبة لأهل بلبيس، الذين تقدر أعدادهم بنحو 128 ألف نسمة حسب تعداد عام 2008، على الصحة والمذاق المختلف وإنما لتدني أسعارها مقارنة باللحم البقري والضأن. ويقول المحامي إيهاب عنبة:»لحوم الجمال متوفرة طوال أيام الأسبوع في محال الجزارة وبأسعار في متناول أيدينا». ويرى أهل بلبيس في كبد وأحشاء الجمل فوائد غذائية متنوعة كما يستخدمونها لأعداد أصناف مختلفة من الطعام فبحسب سعاد عبد الله (54 سنة) فإنه يتم استخلاص الدهون من سنام الجمل وإذابتها على النار وتعبئته في أناء وتخزينه لاستخدامه بدلا عن الزيوت والسمن المهدرج، أما كبد الجمل فيشوى على النار للحظات ويفضل أن يؤكل مخلوطا بصلصة الطماطم. كما تقوم ربة المنزل بحشو أمعاء الجمل وتقدم كطبق يعرف بـ» المنبار» وسيقان الجمل «الكوارع» تشفى ويتم تكسيرها لتوضع في أناء كبير مع الماء لبضع ساعات إلى أن تنضج تماما ويضاف إليها الملح والبهارات المختلفة ويحرص أهل بلبيس على تناولها كمنشط غذائي. كما توصف» الكوارع» للمرآة الحامل لما بها من فوائد غذائية تعود على جسدها بالقوة والنشاط وعلى الجنين بكثرة الحركة في بطن أمه. أصول الضيافة من أصول الضيافة عند أهل بلبيس أن تتصدر أطباق لحم الجمل موائد الغداء والعشاء وخاصة الكوارع ويشعر المضيف بغبطة كبيرة وهو يحدثك عن فوائد ذلك النوع من اللحم لاسيما الكوارع خصوصا عندما يعرف أنك تتذوقها للمرة الأولى من منطلق انه يمنحك فرصة قد لا تتكرر في التعرف على صيدلية دواء متعددة المزايا تقترب في فوائدها من عسل النحل. ويوضح الدكتور أحمد شاهين، أستاذ ورئيس قسم المناعة والتحاليل بجامعة الزقازيق، أن الأبحاث العلمية أكدت صحة اعتقاد أهل بلبيس حول مزايا لحوم الإبل وفوائدها الصحية الكثيرة. وقال إنه من خلال دراسات طبية عدة أجريت على أصناف اللحوم الحمراء التي يتناولها الإنسان ثبت أن لحوم البقر والجواميس والضأن تلعب دورا كبيرا في الإصابة بأمراض القلب والسكري لاحتوائها على قدر كبير من الدهون التي تزيد نسب الكولسترول في الدم في المقابل فإن لحوم الإبل لاسيما الصغير السن منها «البعرور» أفضل أنواع اللحوم وهي الطعام النموذجي والمثالي لمرضى القلب والسكري ولراغبي التخسيس نظرا لضآلة نسبة الدهون فيها. نشأة بلبيس يقول سراج عرفة رئيس المجلس المحلي لمدينة بلبيس:«ترجع نشأة بلبيس إلى الأسرة الرابعة للفراعنة والتي اشتهرت بملوكها خوفو وخفرع ومنقرع بناة الأهرامات لذا فإن عمر بلبيس من عمر أهرامات الجيزة فقد كانت تعرف في عهد الدولة القديمة للفراعنة باسم «بل بس» أي «بيت الإله بس» وبس باللغة المصرية تعني القطة حيث كانت مع تل بسطة مركزا لهذا الإله في ذلك الزمان وفي رحلة نبي الله إبراهيم وزوجته سارة إلى مصر مر ببلبيس وفطن على أرضها لحقيقة عبادة المصريين لغير الله». وتروي كتب التاريخ أن بلبيس في عهد الدولتين الوسطى والحديثة للفراعنة شهدت عددا من الأحداث المهمة في مقدمتها لقاء نبي الله يوسف بأبية النبي يعقوب بعد فراق دام 36 عاما وقد استقر النبي يعقوب و70 فردا من أهلة على أرضها حيث كانت تسمى آنذاك أرض»جاشان» بناء على وصية ملك مصر الريان لوزيره النبي يوسف كنوع من التكريم له ولأهله وجاء ذكر ذلك في التوراة في سفر التكوين. النبي موسى اختلفت الروايات بشأن مكان مولد نبي الله موسى فقيل إنه ولد في بلبيس وفي رواية أخرى أن بني إسرائيل كانوا قد تكاثروا وانتقل فريق منهم للعيش بقرية «قنتير» بالقرب من مدينة فاقوس التي تبعد عن بلبيس بنحو 40 كم شمالا وبها ولد موسى وكانت تل بسطة مسرحا لقصته مع فرعون مصر آنذاك والمعروفة للجميع. وبعد زوال دولة الفراعنة واحتلال الرومان مصر وانتشار المسيحية تبدل اسم بلبيس فذكر المؤرخ «إميلينو» أنها كانت تسمى في المخطوطات القبطية بهيلبيس وكانت مركزا دينيا مهما لوجود أسقفية مسيحية بها في المكان الذي شهد معجزات السيد المسيح وقت رحلة العائلة المقدسة إلى مصر. كما شهدت بلبيس معجزة أخرى خاصة بشجرة زيتون كانت استظلت تحتها العائلة المقدسة وأطلق عليها سكان بلبيس اسم شجرة العذراء مريم وكان يجلها المسيحيون والمسلمون من أهل المدينة وظلت على حالها إلى أن جاء عسكر نابليون بونابرت بلبيس في رحلاتهم لغزو عكا وأرادوا قطع تلك الشجرة ليستفيدوا بخشبها فلما ضربوها بالفأس أول ضربة بدأت الشجرة تنزف دما فارتعب العسكر ولم يمسوها. وورد في خطط المقريزي أنها «كانت تسمى قديما فلبيس وفلابيس»، وقيل : إنها كانت تسمى «بيس» نسبة إلى امرأة من ملوك الفراعنة عاشت هناك فسمي المكان باسمها ثم أضيفت إليها «بل» فصارت «بل بلاس» أي القصر الجميل. الفتح الإسلامي بعد الفتح العربي صارت تنطق بلبيس التي على أرضها سالت دماء 120 شهيدا من جنود عمرو بن العاص في أثناء فتحه لمصر وحصاره للمدينة التي استمرت تقاوم شهرا لوجود الأميرة «أرمانوسة» ابنة المقوقس حاكم مصر آنذاك في أحد قصورها. ويروي المؤرخ أبو عبد الله الواقدي‏ أن «عمرو بن العاص عندما دخل بلبيس أسر ثلاثة آلاف من جنود الرومان وظفر «بأرمانوسة» ابنة المقوقس والتي أكرمها عمرو وأرسلها إلى أبيها مع مالها وحليها وكان في ذلك بالغ الأثر في أن يشعر أهل مصر بالارتياح للفاتح الجديد». ويقول الباحث في التاريخ حسين عثمان، رئيس جمعية رعاية شباب الجامعات ببلبيس، إنه جاء ذكر بلبيس في الكثير من كتب المؤرخين والرحالة العرب في مختلف العصور فورد في كتاب»المسالك» لابن حوقل أنها من مدن مصر المهمة ومدخل للفسطاط. كما ذكرها الشاعر أبو الطيّب المتنبي في بيت شعر قائلا : «جزى عرباً أمْسَتْ ببَلْبَيْسَ رَبُّها بمَسْعَاتها تقْرَرْ بذاك عيُونُهَا». ومناسبة هذا البيت ترجع لكون بلبيس كانت من الأماكن المحببة لأبناء القبائل في شبه الجزيرة العربية ويسعون إلى الهجرة إليها والاستقرار بها لقربها من الفسطاط. «سادات قريش» رغم صغر مساحة مدينة بلبيس التي لا تتجاوز 12 كم مربعا وما تعرضت له من تخريب وتدمير وإهمال على مر العصور لا تزال تحوي العديد من الشواهد الأثرية والمزارات الدينية وفي مقدمتها مسجد «سادات قريش» الذي يتوسط شارع بورسعيد الشهير بقلب المدينة، ويعد أول مسجد بني في مصر وأفريقيا ويسبق بناء مسجد عمرو بن العاص الشهير بمنطقة الفسطاط بالقاهرة بنصف عام على الأقل وهو ما يؤكده الدكتور محمد حمزة الحداد، أستاذ الآثار الإسلامية بجامعة القاهرة، موضحا أنه بعد أن سار بن العاص بجيشه قاصدا فتح مصر وصل إلى بلبيس يوم 15 من المحرم سنة 19هـ الموافق 16 من يناير عام 640م فحاصرها شهرا حتى تمكن من فتحها بعد قتال شديد مع الروم وارتأى بعد نصرة أن يمكث في بلبيس لبعض الوقت لتنظيم صفوف الجيش وراحته وإرسال العيون لجمع الأخبار ومكاتبة الخليفة عمر بن الخطاب. وقال:«في هذه الأثناء أقام عمرو مسجدا في المدينة ليؤدي الجنود صلاتهم فيه ومعهم من أسلم من أهل بلبيس وقد بني هذا المسجد في بادئ الأمر بطريقة بدائية حيث تم اقتطاع مساحة مستطيلة من الأرض الزراعية وشيدت جدرانه من الطوب اللبن وأقيم من جهة القبلة صف من جذوع النخل بدلا من الأعمدة وسقف فوقها بالسعف والطمي وعلى مر العصور حظي هذا المسجد باهتمام ولاة المدينة فأعيد بناؤه وترميمه مرات عدة كما أقيمت مئذنة المسجد في العهد العثماني بعد ذلك على يد الأمير مصطفى كاشف ومازالت باقية». الفتح الإسلامي وراء حب لحم الإبل من بين حكايات كثيرة يتداولها أهل بلبيس حول الأسباب التي دفعت أسلافهم إلى تفضيل لحم الإبل تبرز رواية الفتح الإسلامي لمصر وقدوم عدد من القبائل العربية التي تفضل تناول لحم الإبل، مع عمرو بن العاص واستقرارها في القرن الأول الهجري ببلبيس وأبرزهم «بنو سليم وقيس وعبس والطحاوية وبنو هلال وبنو عامر والعزازية والعابد» وانتقلت القبائل إلى القرى المحيطة ببلبيس واستقرت واختلطت بأهلها كما سميت قرى عدة في بلبيس بأسماء تلك القبائل.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©