الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحل من الداخل

2 يونيو 2008 01:03
من خلال إلقاء نظرة إلى الخلف على ستين سنة من الدور الأميركي في منطقة الشرق الأوسط، يستطيع المرء أن يميز سيناريوهين اثنين تستطيع الولايات المتحدة من خلالهما تحقيق الاتفاق بين الأطراف المحلية، السيناريو الأول هو حين تهدد حرب حقيقية بالانتشار والتحول إلى نزاع أكثر اتساعاً فتهدد الاستقرار في المنطقة والعلاقات بين الدول الكبرى، في هذه الحالة يمكن لخطوات أميركية حاسمة أن توقف القتال وتفرض وقف إطلاق النار، إن لم تتمكن من فرض السلام· في عام ،1973 وفي نهاية حرب يوم الغفران، كانت إسرائيل في مركز يسمح لها بتطويق الجيش المصري الثالث بكامله في سيناء، وكانت قواتها على الطريق إلى القاهرة، أصبح التدخل السوفييتي تهديداً حقيقياً، وقتها أوقفت بضع رسائل صارمة من الرئيس ''ريتشارد نيكسون'' الإسرائيليين في خطاهم ومكنّت الأميركيين من البدء بعملية طويلة من التراجع أدت إلى عدد من الاتفاقيات المؤقتة· بالمثل كانت القوات الإسرائيلية في عام 1982 أثناء غزوها للبنان على وشك دخول بيروت الغربية، كان من المحتمل أن يؤدي ذلك إلى دخول سوريا الحرب، غير أن بضع مكالمات هاتفية من قبل الرئيس الأميركي يومها ''رونالد ريجان'' إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي ''مناحم بيغن'' منعت حدوث ذلك· كذلك كان الحال أثناء حرب الخليج الأولى عام ،1991 وعندما أطلق العراق 39 صاروخ سكود على أهداف مدنية إسرائيلية وفشلت القوات الأميركية في وقف الهجمات العراقية، استعدت إسرائيل لقصف أهداف عراقية، الأمر الذي كان سيفشل التحالف الأميركي العربي ضد العراق، تدخلت الولايات المتحدة وقتها لمنع إسرائيل من التورط، وبالفعل امتثلت الأخيرة· هذه أوضاع أثبتت أن التدخل الأميركي كان سريعاً ومركّزاً وواضح الأهداف، وكان يمكن التحقق من الامتثال خلال أيام، إن لم يكن خلال ساعات، وهي أوضاع دراماتيكية كهذه تكون القوة الأميركية في أوجها· السيناريو الآخر، عندما يكون الطرفان قد انخرطا فعلاً في محادثات سلام ثنائية ودفعا الثمن السياسي المحلي، في حالات كهذه تستطيع أميركا التدخل من خلال استخدام الجزرة والعصا وأن تجعل الطرفين يذهبان الميل الإضافي للتوصل إلى الحل· فعندما تفاوضت مصر وإسرائيل بعد زيارة الرئيس ''أنور السادات'' إلى القدس عام 1977 لمدة سنة وتوصلتا إلى اتفاق حول معظم القضايا، السلام والعلاقات الدبلوماسية والانسحاب الإسرائيلي الكامل من جميع المناطق المصرية المحتلة في سيناء، في تلك اللحظة، دعا الرئيس الأميركي ''جيمي كارتر'' -الذي عارض العملية في البداية- الطرفين إلى ''كامب ديفيد'' للبدء في عملية تفاوضية مضنية نتجت عنها معاهدة سلام، ولكن عندما ينعدم وجود أي من هذين السيناريوهين تصبح المبادرات الأميركية ميتة قبل ولادتها، حدث هذا لـ''كلينتون'' في ''كامب ديفيد'' عام 2000 ولخريطة الطريق عام 2003 مع ''بوش''· في غياب العزيمة السياسية، وعند مواجهة مشروع صنع سلام قد يحتاج إتمامه سنوات طويلة، تصبح الولايات المتحدة عديمة القوة، فهي ناجحة جداً كدائرة مطافئ، ولكن ليس كمبادِرة، وهو ما ينطبق بشكل أوسع على الاتحاد الأوروبي، الذي لا ينجح أسلوبه اللطيف نتيجة لضعف مصداقيته في المنطقة· كذلك يمكن رؤية الدينامية هذه في أماكن أخرى، فقد فشلت أميركا في حل النزاعات في قبرص والبوسنة وكوسوفو، وفشلت خطة ''أنان'' في قبرص بسبب معارضة حزب واحد، ويعكس التقدم اليوم تغيرات سياسية داخلية على الطرف القبرصي اليوناني، بالمثل إذا غيرت بلغراد موقفها حول كوسوفو فسوف يكون ذلك نتيجة لتغيرات سياسية في الصرب· لا يعني إدراك حدود القوة الأميركية أن أميركا ليست ذات علاقة، فبإمكانها إضفاء الاستقرار على النزاع والمساعدة على تحقيق إجراءات بناء الثقة والتفاوض على اتفاقيات مؤقتة، ولكن في نهاية المطاف، وفي حالة إسرائيل وفلسطين، كما هو الحال في أي نزاع بين الحركتين الوطنيتين، المفتاح موجود في أيدي اللاعبين المحليين، فلا يمكن حل أي نزاع وطني من قبل قوى خارجية، مهما كانت نوايا هذه القوى· شلومو أفنيري أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية بالقدس ينشر بترتيب خاص مع خدمة كومون جراوند الإخبارية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©