الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإسلام دين المساواة

الإسلام دين المساواة
23 يوليو 2009 21:11
دعوة الإسلام إلى المساواة واضحة صريحة وقد بنيت على أساس سليم هو الأخوة بين الناس جميعاً وعدم التفاضل بالأحساب والأنساب أو الجاه والسلطان أو الألقاب وإنما يقاس الفضل بالعمل ويكون المثقال الذي يوضع في الميزان هو الإخلاص والإيمان، حيث جاء الإسلام ليعلن المساواة بين الناس: «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير» (سورة الحجرات الآية 13)، ويقول عليه الصلاة والسلام: «أيها الناس: إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود، ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) ألا هل بلغت قالوا: بلى يارسول الله قال: فليبلغ الشاهد الغائب» (أخرجه البيهقي). وعند دراستنا للفقه الإسلامي نجد أن كل عبادات الإسلام وفرائضه وشعائره تؤكد معنى المساواة، الصلاة نفسها هي دعوة إلى المساواة، تحقيق للمساواة، فلا يوجد في المسجد لائحة تقول: الصف الأول للوجهاء، والصف الثاني للأغنياء، والصف الثالث لعامة الناس، لا يوجد هذا، من سبق إلى مكان فهو أحق به. لقد صهر الإسلام جميع الأجناس في بوتقة واحدة حيث جمع بين أبي بكر القرشي الأبيض، وبلال الحبشي الأسود، وصهيب الرومي، وسلمان الفارسي – رضي الله عنهم أجمعين- جعلهم إخوة متحابين بعد أن كانوا أعداء متخاصمين، فالإسلام هو الذي حقق المساواة بين الناس بعضهم البعض، فهي مساواة حقيقية، عمر -رضي الله عنه- يقول: أبوبكر سيدنا وأعتق سيدنا، يقصد اعتق بلالاً- رضي الله عنه-، وكل المسلمين في أنحاء الأرض يعظمون بلالاً -رضي الله عنه-، ويقولون : رضي الله عن مؤذن رسول الله – صلى الله عليه وسلم -. لقد كانت دعوة محمد بن عبدالله - صلى الله عليه وسلم - دعوة الاتحاد والحب والتعاون والمساواة، عرفها الناس على هذا الأساس منذ أشرقت الأرض بنور ربها الوضاء، ومنذ انبعث الحق المبين، ونادى بها النبي الأمي العربي - صلى الله عليه وسلم - من بطحاء مكة، ووسط الظلمات المتكاثفة التي كانت تخيم على أرجاء الجزيرة العربية من العقيدة الفاسدة والعصبية القبلية المدمرة، ولو تتبعنا تاريخ العرب قبل بزوغ فجر الإسلام لرأينا العصبية القبلية الخبيثة واضحة جلية، ولطالما ثارت الحروب والنزاعات بين القبائل من أجل المطامع، من ذلك ما وقع بين خزاعة وجرهم وبين بكر وتغلب، وبين الأوس والخزرج. ووسط هذا الظلام الحالك، وبين تلك الأعاصير الحمقاء بزغت الدعوة الإسلامية فأشرقت على العالم بدستور قوي متين يدعو إلى مكارم الأخلاق، وينشر العدل والمساواة بين جميع الأمم والأفراد، وينظم العلاقة بين الفرد والجماعة، وينفي الفوارق بين العرب وغيرهم، وهكذا جاء الإسلام حافلاً بالفضائل، كفيلاً بإنقاذ الناس، والسير بهم إلى شاطئ الأمن والسلام. أمثلة من المساواة لم تكن هذه المبادئ الإنسانية العادلة قولاً مأثوراً، أو كلاماً مسطوراً فحسب، ولكنها كانت حقيقة واقعة تجلت في أعمال الرسول الكريم وأصحابه الطيبين، إذ انمحت من نفوسهم تلك المبادئ الهدامة التي كان لا يقاس الرجل فيها بخلقه وأدبه ومروءته وإنما يقاس بقبيلته وماله وتجارته. * فقد جاء في الحديث: «أن رجلاً مر بالنبي - صلى الله عليه وسلم- وهو جالس مع الصحابة فقال: ما تقولون في هذا؟ هذا حري إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفع، وإن قال أن يستمع له، ثم مر رجل آخر فقال: ما تقولون في هذا؟ قالوا: هذا حري إن خطب ألا ينكح، وإن شفع ألا يشفع وإن قال ألا يستمع له، فقال عليه السلام: «هذا (أي الثاني) خير من ملء الأرض من مثل ذاك» (أخرجه البخاري). فالناس أمام الشرع سواء والميزة والفضل لأهل الدين والتقوى والأخلاق الحميدة والنفوس الزكية. ?وتروي كتب السيرة والتاريخ إسلام جبلة ابن الأيهم أحد ملوك الغساسنة في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وأن جبلة حضر بوفد كبير، وحضر موسم الحج وقتئذ، ودخل المسجد الحرام ليطوف بالبيت العتيق، واشتد الزحام حول الكعبة، فوطأ رجل من بني فزارة على إزار جبلة من شدة الزحام فسقط الإزار وغضب جبلة غضبة عارمة، واشتد الأمر على نفسه فلطم الفزاري لطمة هشمت أنفه، وسال دمه على الأرض، فتحمل الفزاري اللطمة وكتم غيظه، ثم ذهب إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يشكو إليه ما حدث، وبعث عمر إلى جبلة فحضر بين يديه، ولما سأله عمر عما حدث منه أخذ جبلة يتعجب؟! ثم قال لأمير المؤمنين عمر –رضي الله عنه-: لقد ترفقت مع هذا البدوي، ولولا حرمة البيت لقطعت الذي به عيناه (يعني رأسه)؟! فقال له عمر: إذا أنت مقر بما ادعى عليك خصمك فإما أن تسترضيه وإلا اقتصصت له منك؟ دهش جبلة وقال: أتقتص له مني وأنا ملك وهو سوقة؟! قال عمر: إن الإسلام قد سوى بينكما، ورأى عمر -رضي الله عنه- أن يترك لجبلة فرصة للتروي، فأرجأ الفصل في القضية إلى غد، ولما كان جبلة حديث عهد بالإسلام فقد أخذته العزة بالإثم وصعب عليه أن يكون هو والبدوي عند حد قوله في منزلة واحدة، وأخذ الشيطان يسول له الهروب، فخرج من المدينة خائفاً يترقب، واستطاع أن يفلت من قبضة السلطان في جنح الظلام، ولحق بالروم متنصراً، وهذا الأرعن لم يفعل ذلك لأن التثليث أرجح في نفسه من التوحيد، ولكنها حمية غبية أفقدته الرشد وأضلته عن سواء السبيل، ويروون عنه أنه راجع أمره وذكر منه ما قال: تنصرت الأشراف من عار لطمـــة وما كــــان فيها لو صبرت لها ضرر فياليت أمي لم تلدني وليتني رجعت إلى الأمر الذي قاله عمر وهكذا أصر أمير المؤمنين عمر -رضي الله عنه- أن ينفذ حكم الإسلام، ويسوي بين رفيع ووضيع، لأن الناس جميعاً في الإسلام سواء إلا بالتقوى والعمل الصالح، فأصبح الإسلام مناط فخرهم، ودعامة مجدهم وشرفهم، إذ رأوا في سماحته العادلة وعدالته السمحة ما يغني عن الحسب والنسب، فقالوا «كنا أذلاء فأعزنا الله بالإسلام فإذا ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله» وكانوا يقولون: فنحن بنو الإسلام والله واحد وأولى عباد الله بالله من شكر الكيل بمكيالين الإسلام لا يكيل بمكيالين كما شاهدنا من الأمثلة السابقة بل الناس أمام الشرع سواء، بينما القوانين الوضعية تكيل بمكيالين، ولا تعرف المساواة بين البشر والدول، فهناك عشرات القرارات التي تعمل المحاكم الدولية والأمم المتحدة جاهدة على تنفيذها، وهناك عشرات القرارات لم تنفذ، ولم يحرك أحد ساكناً لتنفيذها. ما موقف العالم من عشرات القرارات الصادرة لمصلحة الشعب الفلسطيني ولإنهاء الاحتلال وعودة اللاجئين ؟!! ما موقف العالم من عشرات القرارات المنددة بالاستيطان والمطالبة بوقفه وتصفه بالعمل الإجرامي؟!! ما موقف العالم من قرار محكمة العدل الدولية بخصوص جدار الفصل العنصري الذي مرت قبل أيام ذكرى صدوره ؟!! ما موقف العالم من عشرات القرارات الدولية ؟!! لم يحرك أحد ساكناً. وما موقف العالم اليوم من قرار اعتقال الرئيس السوداني / عمر البشير؟! . وماذا فعل العالم لمجرمي الحرب في العراق من رؤساء ومسؤولين الذين يقتلون أبناء الشعب العراقي يومياً ؟!! وماذا فعل العالم أمام جرائم الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني وأرضه ومقدساته ومؤسساته ؟!! لم يفعل العالم شيئاً بل صدق فيهم قول الشاعر: قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفر وقتل شعب آمن مسألة فيها نظر فالمطلوب من المسلمين أن يتخلقوا بأخلاق القرآن، وأن يتمسكوا بسنة النبي الكريم، وأن يتحلوا بالصفات الكريمة وأن يحترم الصغير الكبير، وأن يعطف الكبير على الصغير، وأن يساعد الغني الفقير، والقوي الضعيف، وأن يكونوا كالجسد الواحد إذا اشتكي منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، وأن يتعاملوا بهدي الدين لا بالمصالح الذاتية الأنانية والمآرب الشخصية، وأن يقول الإنسان الحق ولو على نفسه أو أهله، وأن يحكم بالحق والعدل، وألا يهمل المسكين والضعيف ويقف بجانب الوجيه والغني كما يقولون: «الحق على قدر صاحبه» بل الحق أحق أن يتبع وصدق رسول الله- صلي الله عليه وسلم- «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، قالوا: ننصره مظلوماً فكيف ننصره ظالماً؟ قال: أن تمنعه عن ظلمه» (أخرجه البخاري). اللهم اجعلنا ممن تنفعهم الذكرى، فالذكرى تنفع المؤمنين. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. بقلم الشيخ الدكتور يوسف جمعة سلامة خطيب المسجد الأقصى المبارك
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©