الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

دورات الركود الكبير.. ليس هناك يقين!

4 يونيو 2016 23:41
هناك نقاش مهم وهادئ في الوقت ذاته، يدور بين خبراء الاقتصاد، بشأن ما يقود إلى دورات الركود الكبيرة، وهل هي: الثروة أم الديون. وهناك شبه اتفاق في هذه اللحظة من الزمن أن الركود الكبير، خلال الفترة من 2007 - 2009 كان بسبب النظام المالي، وإن كان الموافقون على هذا الرأي لا يجيبون أيضاً عن السؤال: ما هو تحديداً الشيء الذي يحدث في النظام المالي، ويقود الاقتصاد إلى الانهيار؟ ويتساءل بعض علماء الاقتصاد: أي نوع من الكوارث المالية يكون له أكبر تأثير على الطلب. بشكل تقريبي، فإن الإجابتين اللتين تُقدمان لهذا السؤال هما: الأولى: تأثيرات الثروة، والثانية: الأعباء الباهظة للديون. ويرى أنصار مدرسة «تأثيرات الثروة» أنه عندما تنفجر فقاعة الأصول، يشعر الناس فجأة بأنهم قد أصبحوا أكثر فقراً. أما أنصار مدرسة «الأعباء الباهظة للديون»، فيرون أن الناس قد يمرون بتحولات مفاجئة، فيما يتعلق برغبتهم في قبول الديون وعندما يذهبون إلى نموذج الإصلاح في الميزانية العمومية يتوقفون عن الإنفاق. ومن حسن الحظ أن السجال بين هاتين المدرستين، لم يصبح مسيساً بدرجة كبيرة حتى الآن، وإن كان لا يخلو أيضاً في الآن ذاته من مضامين سياسية مهمة. فإذا كانت تأثيرات الثروة هي الجاني الأكبر، فإن ترويض فقاعات الأصول، يصبح في هذه الحالة هو المهمة المركزية لمن يرومون الحماية من الركود. أما إذا كانت الديون هي السبب في الركود، فإن مفتاح العلاج يكمن في منع الأسر من المبالغة في الاقتراض. والدليل الرئيس لأهمية الأعباء الباهظة للديون، يأتي من ملاحظة أن الفقاعات التي تتضمن الكثير من الاقتراض، تبدو وكأنها تحقق ضرراً أكبر عندما تنفجر، وهو ما تأكدت صحته من خلال نماذج تاريخية موثوقة تفسر لماذا كان الركود الذي تلا انهيار سوق الأسهم عام 2000 أخف وطأة بكثير من الأزمة التي تلت عام 2008. عالم الاقتصاد الحاصل على جائزة نوبل «بول كروجمان»، على سبيل المثال، يتبنى هذه القراءة للتاريخ، وكذلك فكرة ركود الميزانية العمومية التى جرى الترويج لها من قبل عالم الاقتصاد «ريتشارد كو». وهناك علماء اقتصاد آخرون يختلفون مع هذا الطرح. فعلى سبيل المثال، نجد أن «دين بيكر» مؤسس «مركز البحوث الاقتصادية والسياسية» يرى أن الانهيار في الثروة، كان أبلغ تأثيراً بكثير من الفترة التي سبقت التورط في الديون. وهو يعزو الفارق بين ما حدث عام 2000 وعام 2008 إلى حقيقة أن الانهيار الأخير قد شكل ضربة لثروة الطبقة الوسطى، في حين أن الانهيار الأول أثر بالدرجة الأولى على ثروات الأغنياء (الأقل احتمالاً لخفض الإنفاق عقب التعرض لخسائر). ولكن ما الذي تقوله الكتابات الأكاديمية بشأن مسألة الثروة في مقابل الديون؟ من أشهر الأوراق التي قدمت للإجابة على هذا السؤال تلك التي أعدها علماء الاقتصاد، «عاطف ميان»، و«كماليش راو»، و«أمير صوفي» عام 2013، وقد توصلوا في خاتمتها إلى أن الهبوط في الثروة العقارية، كان له تأثير سلبي كبير على الاستهلاك. ولكن تلك الورقة وجدت أيضاً أن تأثيرات هبوط الثروات كانت أقوى بالنسبة للأسر الأكثر مديونية. ولكن هناك اقتصاديون آخرون ساروا على نهج «ميلان» ورفاقه، مالوا بقوة إلى صف «بيكر». ومن هؤلاء «جريج كابلان»، و«كيرت ميتمان»، و«جيوفاني فيولانتي» الذين أعادوا صياغة تحليل «ميلان» ورفاقه، من خلال استخدام المعطيات المتاحة للعموم، وركزوا على المجالات التي انخفضت فيها أسعار العقارات أكثر من غيرها، وفحصوا ما إذا كان الاستهلاك قد هبط على نحو أكبر في هذه المجالات أم لا. وقد وجد «كابلان» ورفاقه تأثيرات للثروات الكبيرة على الاستهلاك. وما يحدث، بشكل أساسي، هو أنه عندما تنخفض أسعار العقارات فإن الناس ينفقون أقل بكثير. ولكن هؤلاء لم يجدوا أن تأثير الأزمة العقارية عام 2000 كان له أثر كبير على الاستهلاك. وعلى العكس من «ميلان» ورفاقة لم يجدوا أنها قد فاقمت من تأثير الثروة. ومن حيث الجوهر يمكن القول إن «كابلان» ورفاقه ينحازون بقوة لمصلحة فرضية تأثير الثروة، وبالتالي فهم ضد فكرة ركود الميزانية العمومية. وبناء على ما تقدم، يكون السؤال: كيف يمكننا التوفيق بين نتائج الأبحاث التاريخية، التي تثبت أن الديون تفاقم الفقاعات، مع أدلة الاقتصاد المصغر التي تثبت أن تأثير الثروة كان هو العامل الأكبر؟ أحد الاحتمالات لذلك أن «بيكر» كان على صواب، وأن فقاعات العقارات -التي تنطوي عادة على المزيد من الدَّين- قد ضربت الطبقة الوسطى بشكل أعنف من فقاعات الأسهم. وإذا كان الأمر على هذا النحو، فإن التركيز المبالغ فيه على تأثير عامل العقارات قد يكون في غير محله. فالمهمة الحقيقية لصانعي السياسة، ربما لا تكمن في منع الناس من الاقتراض، وإنما في المحافظة على ثرواتهم من التناقص الحاد. وبناء على ذلك فإن حماية أسواق الأصول من الفقاعات والانهيارات، قد تكون هي أولويتنا السياسية الكبرى من أجل الحيلولة دون تكرار ما حدث في عام 2008. * أستاذ المالية المساعد بجامعة «ستوني بروك» الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©