الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شاعر رجيم

شاعر رجيم
22 يوليو 2009 23:26
كان معجبا بشخصية الشاعر القديم عرار بن عمرو بن شأس وبشعره، وفيه رأى صنوه وشبيهه، لذلك لقّب نفسه بعرار فنسي اسمه الحقيقي أو كاد. هذه حال الشاعر الأردني مصطفى وهبي التل المعروف باسم عرار. ومثلما يفاخر التونسيون بأبي القاسم الشابي والمصريون بأحمد شوقي والعراقيون بالسياب يرفع الأردنيون اسم عرار عاليا ويعدونه شاعرهم المجيد. والثابت تاريخيا أنه كان شاعرا قد أعلن الخروج على الأعراف والتقاليد الاجتماعيّة ونذر شعره لإصلاح المجتمع واستنهاض الناس للوقوف في وجه الطغاة والغزاة. ولم يكن هذا الطابع الانشقاقي مجرّد موضوع عليه جريان قصائده بل كان نهجا سلوكيا كرّسه في حياته. فلقد مجّد في شعره الخمر ونادى بهدم الأعراف والتقاليد حتى أن آراءه وسلوكه وتصوّراته كثيرا ما قوبلت بالرفض. فالتجأ إلى الغجر وأقام بينهم. عاشرهم ومجّد قيمهم، واعتبر طريقة مقامهم على الأرض تجسيدا لقيم العدالة والإنسانية. غير أن أهم ما يميّز أشعاره إنما هو مسايرتها لحكاية حاله ولمواقفه ورؤاه. فقد كتب في الوطن فمجّده حينا، ثم عاد ليصبّ عليه وعلى ناسه جام غضبه ووصل إلى حدّ التنصّل منه. يقول متحدثا عن الأردن: «بصرماية» بعه فما هو موطني ولا أهله أهلي ولا أنا أردني «بصرماية» بعه وبعني وبعهمُو لأشياع غُورُو أو لأتباع وَزْمِنِ إن قصائده تترجم وعيه المأسوي بالوجود وإيمانه بأن لاشيء يبقى غير العدم ومواجهة العدم بالانغماس في اللذّات هي ما يمكن أن يمدّ وجود الإنسان بالمعنى. فالوجود، في نظره، ليل لا يمكن لدياجيره أن تنجلي إلا في كأس من الخمر. نقرأ: هاتها واشربْ فمثلي ما لَهُ يا أخي عن دكةِ الخمّار ندحُ إن هذا العمرَ ليلٌ ما لَهُ يا أخي في غير أفقِ الكأسِ صبحُ لذلك تعددت القصائد التي تحثّ المتلقّي على الانغماس في اللذة والتحلّل من الأعراف والممنوعات، حتى أن الكلام عن السّكر وتشراب الخمور وتمجيد اللذات تحوّل في ديوان التل إلى تحدّ للمجتمع وأعرافه وتقاليده. غير أن هذا الوعي المأسوي باستحالة خلاص المرء إلاّ مؤقّتا بالانغماس في اللذّة وتدويخ الحواس بالمسكرات أصنافا وأنواعا يزداد عنفا ومضاء في القصائد ذات المنحى السياسي التي تتحوّل فيها الكتابة إلى إشهاد على تهاوي الأحلام الوطنية الكبرى. والناظر في النصوص التي جاءت تصوّر علاقة الشاعر بمحيطه ومجتمعه سرعان ما يلاحظ أن العديد من القصائد والمقطعات جاءت طافحة بالنوح على الذات ورثاء الحال والكفر بالمجتمع وناسه. يكتب في قصيدة «عمّان»: «عمّانُ» يا بابل يا قرية قد كفرَ الدهرُ فصرت بلدْ إنّي أرى فيكِ على ما أرى من كثرة الإصلاح، روحا فسدْ استسلم الشاعر، على إثر الخيبة التي مني بها، لحزن مهلك مبيد وازداد تشرابا للخمور فاعتلّ وساءت حاله ولقي حتفه مذموما من أهله الذين سيمجّدونه بعد رحيله مدحورا مجللا بالأحزان.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©